منذ سنوات تتوجع وتشكو مختلف شرائح هذا الشعب، حتى الذين يقال إنهم رجال أعمال سابقين، فالجميع مجمع على تغير الظروف الاقتصادية إلى حد غير قابل للتحمل.
الفقراء في نواكشوط هم السواد الأعظم، ولولا انشغال بعضهم بأحياء الترحيل، لتحول نواكشوط إلى مسيرات راجلة يوميا، من المتسولين والمعوزين، الذين تزايد عددهم في الأسواق وعند ملتقيات الطرق وفي المكاتب والمقابر على السواء.
ويدعي الكثيرون أن نظام معاوية قد لا يكون الأمثل، لكنهم يحصلون على الفتات على الأقل.
أمام اليوم فالأبواب مسدودة ولا فرصة للبحث عن الخلاص إلا الاحتجاج والصياح أمام القصر الرئاسي.
واقع الناس بالجملة، ومن مختلف الشرائح، مثير للشفقة والحيرة.
أين ذهبت كل المقدرات والتمويلات، من المستفيد سوى مقربى السلطة الراهنة، أما الأغلبية فحظها الشكوى والأنين فحسب.
يوما بعد يوم تزداد المأساة ويجمع الكثيرون، ولو سرا أحيانا، على محسوبية هذا النظام وفشله باختصار.
مؤسسات الدولة تنهار تدريجيا، بعد إغلاق مئات المشاريع التابعة للقطاعات الحكومية، والتي كانت منتظمة التمويل، أيام حكم معاوية، أما اليوم على سبيل المثال لا الحصر، فمؤسسة صيانة الطرق أفلست وعلى وشك إغلاق أبوابها رسميا.
والتلفزة الوطنية بلا ميزانية تقريبا، وتسدد رواتبها من "الرشيد" كغيرها من المؤسسات الحكومية، والإذاعة تتعالى صرخات موظفيها والعاملين في إذاعة القرآن الكريم وقناة "المحظرة" بشكل خاص، ويحتكر فيها التزويد لصالح جهات قليلة، ويجمع عمال الإذاعة الرسمية على تخبط الإدارة الحالية، وعدم صلاحيتها لإدارة هذا المرفق الحساس.
المقاولات محصورة في يد قلة مختارة .
ورجال الأعمال المحسوبون على الأنظمة السابقة، مستهدفون بالضرائب ومرغمون على التأييد، وإلا أغرقوا بما لا يستطيعون تحمله، فتحول بعضهم من قطاع الأعمال إلى ساحة المبادرات المساندة دون قيد أو شرط.
دولة بوليسية في قالب وشعار ديمقراطي، لا يخفى زيفه على العارف البسيط بالواقع القائم.
شعب الداخل، وفي المناطق الشرقية بوجه خاص، يعيش حالة عطش مستمرة لم يتم التغلب عليها بعد، وثروتهم الحيوانية مهددة من حين لآخر، والزراعة في عموم البلد، وفي أغلب الأحيان، مجرد مبرر للصرف وهدر الأموال الطائلة، بالطرق الملتوية، ومن حين لآخر، يدعون الحصول على فساد منتشر، ويخلص المقربون من المقصلة، ويسجن في النهاية من لا جاه له ولا منعة.
إن لقمة العيش أو غياب العيش الكريم من أهم تحديات ومعاناة هذا الشعب المغدور المحتقر.
المغلوب على أمرهم يصفقون للبقاء على قيد الحياة، لكن الموالاة قد لا تكون دائما دسمة مثمرة، وإنما أحيانا للسلامة وحفظ الموجود.
دولة في هذا الجو، لا يمكن أن تدعي النجاح وإسعاد مواطنيها أو إكفاءهم في المستويات الدنيا من حاجاتهم الأساسية.
وتسجيل ووقوع عمليات السرقة والإعتداء المتنوع، سيل لا حد له ولا حصر.
قطاع التعليم يراكم الخريجين دون عمل، وقطاع الصحة يراكم المرضى دون شفاء غالبا، وكثير من طلاب العلم والصحة يتوجهون إلى الخارج.
وإجماع على أن القسمة ضيزى، أي غير عادلة، والمستوى العام لا يفي بأقل المطلوب، الذي يحقق الحياة اللائقة، فهل فوق هذا من عجز وتعثر.
في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، مهما تحدثنا عن مستويات سوء التسيير، كان الأمل يلعب دورا مسكنا وباعثا على الراحة النفسية والطمع بحلول حاسمة قريبة، أما ما هو منتشر اليوم من تجاهل للعدل والإنصاف بين الناس، فقد أعطى الانطباع للجميع باستحالة الأمل الجاد في هذا النظام الحالي.
وفي المقابل لا يهتم هذا النظام بشكوى الناس، وحاشيته أنانية تتجه غالبا للمنافع الخاصة، بعيدا عن إسعاف المحتاج أو المحروم وشغل السلطة الشاغل اليوم، تمرير التعديل الدستوري، وتمهيد الطريق لتناوب مشبوه على رأي البعض، ولا يهم القائم على الأمر معاناة الشعب وأنين الجموع الغفيرة، المتضورة جوعا واكتئابا، جراء وضعيتها.
فكم من غني أفقر وكم من فقير ازداد فقرا ،ومع ذلك لا يهم القائمين على الأمر العمومي هذا الانهيار الاقتصادي والمعيشي المتواصل.
وبكلمة واحدة، الحالة الاجتماعية للمواطنين، باتت أكبر وأظهر منذر بالخطر، الواسع الشامل.
ولد عبد العزيز لا يؤلمه حسب السياق، أن يفتقر الجميع أو يجوع الجميع، وإنما أغلب همه التعديل الدستوري ووضع علامة مميزة لمرحلته على رمزنا الوطني "العلم"، مع زيادة ثروته الخاصة وحمايتها، وهي التي أصبحت مشهودة متواترة في الداخل والخارج، على حساب راحة أمة بأكملها ورخاء شعب برمته.
إنه لحقيق بنظام لم يستطع منح شعبه الأمل على الأقل، أن يستقيل ويتوارى عن الأنظار، لكن هؤلاء لا يستحون، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تستح فأصنع ما شئت".
المال هو عصب الحياة والحرية الجادة هي صمام تكريس كرامة الشعوب، أما المال فأصبح في قبضة الأقلية الحاكمة والمتنفذة، والحرية مجرد شعار زائف، لأن كل رجل أعمال عارض ولم يحرص على إظهار التأييد الكامل، بكل الطرق الشعبوية الرخيصة، فقد عرض ثروته للضرائب والزوال تدريجيا.
إن هذا الشعب بحاجة لتساوى الفرص وعدم التسلط والعقاب جراء حرية الاختيار، وإلا لما جاز إدعاء أي ديمقراطية بأي مستوى، وسيبقى الأنين والشكوى في تصاعد وتفاقم، مما يرشح موريتانيا لتصدر لائحة الدول الأكثر فشلا في العالم.
وللتذكير قطاعنا الإعلامي الرسمي وغير الرسمي مشرف على الانهيار، وحتى المطبعة الوطنية لا تؤدي دورها إلا بصعوبة وتكلف، وفي مجال الإعلام المستقل بوجه خاص يمكن القول بإيجاز، إنه لا توجد دولة في العالم تشرع وتسمح بصحافة مستقلة، ومع ذلك تمنعها من الاشتراكات والإعلانات بقرار رسمي، لكنه إبداع "عزيزي" في الحصار والتضييق، لغرض في نفس يعقوب.
وبالمحصلة، الجميع يشكو من هذا التضييق في كل ميدان ومجال، فهل بات هذا المتغلب يجد راحته بالدرجة الأولى في التشديد والحرمان، بدل التعاطف والعمل على حل مشاكل الرعية.