ملاحظات وإشكالات حول الموقف القانوني للمدافعين عن التعديلات الدستورية / د. الصوفي ولد الشيباني

في خضم الجدل الدائر حاليا حول شرعية التعديلات الدستورية المزمع القيام تم الإعلان عن تأسيس الرابطة الموريتانية لخبراء القانون، ونظمت نشاطا حول أحقية الرئيس في الدعوة لإستفتاء شعبي لإجراء تعديلات دستورية بناء على المادة 38 من الدستور، و قد أثارت مداخلات المشاركين في النشاط  العديد من الأسئلة التي يتوجب عليهم في نظري استحضارها، لكنني قبل أقدم تلك الأسئلة أسجل الملاحظات التالية:

1- أن مجرد تأسيس رابطة للخبراء القانونيين تتصدى للإشكالات الدستورية والقانونية بغية تكريس دولة القانون، كما أعلن أصحاب المبادرة، هو أمر جيد بلا شك، بل ومطلوب وتتأكد الحاجة إليه في مثل الظروف التي تمر بها بلادنا حاليا.
2- أنني لا أتناول مبادرة هذه الرابطة وآراء المشاركين فيها من الناحية القانونية احتراما للتخصص من جهة، ولآراء الأساتذة والخبراء المتدخلين فيها من جهة أخرى رغم أنني لم أقتنع بالكثير مما قالوا، وإنما أتقدم فقط بملاحظات وأسئلة عامة حول الموضوع.
3- أن المشاركين في اليوم العلمي الذي نظمت الرابطة المذكورة كانوا جميعا من الموالين للنظام أو السائرين في فلكه سواء كانوا أساتذة أو قضاة أو وزراء سابقين أو محامين أو موظفين ... ولم نجد من بينهم شخصا واحدا ينتمي للطرف المعارض الذي يرى غير ما يراه النظام بخصوص المسألة المثارة، كما أنهم تناوبوا جميعا على ترديد نفس الرأي دون أن يحيد عنه أي منهم على نحو ما تابعنا في وسائل الإعلام، وإذا كان ذلك مقبولا بالنسبة للهيئات السياسية كالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وائتلاف أحزاب الموالاة التي تعقد من وقت لآخر أنشطة لشرح مواقفها، فإن الأمر ليس على ذلك النحو بالنسبة للهيئات العلمية ما جعل البعض يصنف نشاط هذه الرابطة كنشاط سياسي موالي  في المقام الأول، بل إنه كاد يتماهى في نظر الكثيرين مع ما تشهده الساحة الوطنية حاليا من مبادرات قبلية وجهوية... مناصرة لتلك التعديلات، وهي مسائل ستؤثر بلا شك على مصداقيته لدى الذين يبحثون عن الرأي الصواب في المسألة، بل وستجعلهم ينظرون إلى الرابطة ككيان ملحق لدى رئاسة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية.
4- أن مداخلات المشاركين لم تؤكد سوى حقيقة واحدة، وهي أن التعديلات الدستورية المزمع القيام بها هي محل خلاف حاد بين المختصين وتثير جدلا واسعا في الساحة الوطنية.
5- أنني لن أتطرق لمضمون التعديلات من حيث أهميتها من عدمها، ولا من حيث ملاءمة سياقها لأن مواقف الأطراف السياسية والفاعلين في المشهد الوطني في هذا المجال باتت معروفة، والأمر لم يعد يتعلق بالمضمون في المقام الأول وإنما يتعلق قبل كل شيء بالشكل أي بشرعية التعديل من أساسه.
وفضلا عن الملاحظات المتقدمة فإن النقاش الذي دار خلال هذا النشاط يثير لدي العديد من الأسئلة ، وذلك على النحو التالي:
أ‌- هل أن الدستور، الذي يعتبر العقد الجامع للأمة والمرجعية المحددة لثوابتها والمتضمنة للقواعد العامة التي تضمن التعايش والانسجام والوحدة بين المكونات الوطنية هو مسألة عادية تحتمل التعديل في جوانب أساسية منها في ظل احتدام الخلاف حول شرعية ذلك؟ وأي منطق قانوني يسوغ جعل دستور بلد محل تشكيك ورفض من جزء كبير من أبناءه؟
ب‌- أليس الأولى بالخبراء القانونيين والدستوريين في مثل هذه الظروف أن يبادروا إلى لفت الانتباه إلى ضرورة إجراء تعديلات دستورية بالطريقة التي لا يشكك أحد في شرعيتها من أجل رفع اللبس وإنهاء الجدل الدائر حول مدى تقييد المادة 99 من الدستور للمادة 38 منه حتى تكون آلية التعديل واضحة ومحددة و غير محل تشكيك من أحد، وحينها إذا كان لابد في نظر البعض من إجراء تعديل فليكن عن طريق تلك الآلية التي  لن يعترض أحد على نتيجتها حتى لو اعترض سياسيا على مضمون التعديلات، وهو ما كان سيحصل لو أن مجلس الشيوخ أجاز تلك التعديلات ومررت من خلال استفتاء أو مؤتمر برلماني، فحينها يمكن للمعارضة أن تعترض على مضمونها لكنها لن ترفضها في حالة إقرارها لأن ذلك تم وفق الآلية الدستورية المتفق عليها من طرف الجميع.
ت‌- في نظركم أيها المختصون، هل يحق للرئيس بناء على المادة 38 أن يستفتي الشعب حول تعديل المواد المحصنة في الدستور انطلاقا من أن تلك المادة تبيح له الدعوة للاستفتاء حول أي مسألة تتعلق بتعديل الدستور؟ إذا كان الجواب بنعم فما فائدة التحصين أصلا؟ وهل جاء عبثا أو عن غير قصد؟ أما إذا كان  الجواب بلا ، كما سبق لبعضكم أن صرح به، فما الذي يجعل بعض مواد الدستور مقيدة لحق الرئيس في اللجوء للمادة 38، ولا يجعل المادة 99 الواقعة تحت الباب الحادي عشر الخاص بتعديل الدستور مقيدة له؟ إنه لإشكال كبير يتعين عليكم تحضير إجابة عليه.
والقول بان الشعب هو مصدر السلطة ويمكن للرئيس الرجوع إليه في أي وقت لاستفتائه هو كلام صائب من حيث المبدأ، لكن ربما أريد به في هذه الحالة غير ذلك، لأن الشعب نفسه هو الذي صوت على طريقة تعديل الدستور وحدد للرئيس آلية الرجوع إليه في تلك الحالة وكان ذلك واضحا في الباب الحادي عشر المعنون بتعديل الدستور، وإلا فما فائدة التبويب إذا كان لا يجعل المسألة مندرجة تحت ذلك العنوان لا غيره؟
ولو أن الباب الحادي عشر لم يتطرق لإمكانية إجراء التعديل عن طريق الاستفتاء لجاز القول بأن المادة 99 هي خيار آخر لدى الرئيس يضاف للمادة 38 لأن هذه الأخيرة تنص على الدعوة للاستفتاء والأولى تنص على إجراء  التعديل عن طريق الآلية البرلمانية، أما أن يكون للرئيس الحق في اللجوء مباشرة للاستفتاء على تعديل الدستور، وأن يقال له إن لك الحق أيضا في أن تتبع آلية أخرى أكثر تعقيدا ومخاطر وتنتهي أيضا بالاستفتاء، فهذا ينافي المنطق، ولا يتصور أن يفوت على الذين يضعون الدساتير، وبالتالي فإن الواضح في المسالة هو أن للرئيس الحق في الدعوة للاستفتاء في كل ما لا يعارض مضمون المواد 99، 100، 101 من الدستور. أما غير ذلك فإنه يجعل للرئيس مطلق الحرية في الدعوة لتعديل الدستور متى شاء حتى في المواد المحصنة منه، وهذا القول لا يقول به إلا الذين لا يقيمون وزنا لإرادة الشعب.
ث‌- أليس الرئيس هو الحكم في مثل هذه الحالات، والحكم لا يكون طرفا وإلا تحول إلى خصم، و تتمثل مسؤوليته الأولى في حماية الدستور والحفاظ على هيبته وشرعيته واعتراف الجميع به، وبالتالي فإن علي الجميع، وخاصة الذين يناصرونه، أن ينصحوه بأن يعمد قبل كل شيء إلى إزالة سبب الخلاف لا إلى تعميقه وجعل الدستور محل تشكيك ورفض من طرف البعض في ظل مخاطر كبيرة قد تترتب على ذلك لا قدر الله. أليس الأولى بمن أقسم على حماية  الدستور أن يحرص على ضمان هيبة هذا الدستور وخضوع الجميع  له وقبولهم بأحكامه بدل الإصرار على تأويل بعض مواده تأويلا تعسفيا وخاطئا لدى قطاع عريض من المختصين والسياسيين والرأي العام لمجرد الاستجابة لرغبة معلنة في إحداث تغييرات معينة ؟ لماذا لم ينتبه خبراء الرابطة إلى ذلك  وينصحون الرئيس بأن الأولى في حالات احتدام الخلاف أن يطبق من القانون ما هو محل اتفاق ويصار إلى إزالة اللغط واللبس عن الجوانب محل الخلاف؟
ثم إن بعضكم حاول دعم حجته بالقول إنه في حالة الانسداد وتعطل المؤسسات الدستورية فإن للرئيس أن يتدخل لمعالجة ذلك الوضع، وهذا الكلام لا غبار عليه، لكن عن أي انسداد تتحدثون هنا؟ وما هي العرقلة الحاصلة اليوم في سير عمل المؤسسة التشريعية ؟ فرفض إحدى الغرفتين البرلمانيتين لمشروع قانون معين كما حصل مع مشروع القانون الذي رفضه مجلس الشيوخ قبل أسابيع يجعله ببساطة غير مجاز من طرف البرلمان الذي يمثل من ناحية التشريع جهة واحدة تتم فيها لمصادقة على القوانين على مرحلتين أي على مستوى كل غرفة، وإذا كان اعتراض أي من الغرفتين على مشروع قانون أجازته الأخرى يعتبر تعطيلا لتلك الغرفة، فإن الغرفتين البرلمانيتين ستكونان عرضة للتعطيل دائما وستجد البلاد نفسها في كثير من الحالات أمام أزمة دستورية وفق هذا لمنطق الغريب.
ج‌- ما ذا سيكون موقف هؤلاء الخبراء لو فرضنا جدلا أنه تم اعتماد هذه التعديلات بناء على إعمال المادة 38 من الدستور التي لا يعترف كثير من الناس بأحقية الرئيس في اللجوء إليها في مثل هذه الحالة، وأن هذا القسم من الناس رفض بناء على ذلك الاعتراف بمضمون تلك التعديلات وتمسك بمضمون الدستور قبل تعديله، هل سيقولون للرئيس حينها إن عليك أن تغلق مقرات الأحزاب والهيئات والمنظمات والمؤسسات التي لا تعترف بشرعية هذه التعديلات ولا تقبل بما يترتب عليها وأن تصادر ممتلكاتها وأن تزج بأعضائها في السجون وأن تدخل البلاد في مواجهة بين النظام ومعارضيه لأنك في نظر البعض، لا الكل، تملك حق تعديل الدستور وفق المادة 38؟ فما الذي يجعل نخبة من المختصين ورجال السياسة المنتمين للنظام الذي يتحمل مسؤولية إدارة البلد في هذه المرحلة، ويتعين عليه حماية مصالحه واستقراره تدفع في هذا الاتجاه بغض النظر عن أهمية التعديلات المقترحة من عدمها؟
ورغم تحمس خبراء الرابطة للدعوة للاستفتاء بناء على المادة 38، ورغم الصخب الإعلامي للمبادرات الداعمة للتعديلات المذكورة، فإنه يبقى أمل في أن ينتبه  الرئيس نفسه للمخاطر التي قد تترتب، لا قدر الله، على المضي في المسار الحالي لتعديل الدستور، وأن يبادر إلى التراجع عن الدعوة للاستفتاء في مثل هذه الظروف غير المواتية للتعديل من الناحيتين الدستورية والسياسية وذلك مراعاة للمصلحة العليا للوطن، وسيكون تصرف من هذا القبيل من أفضل ما يقدم للبلد في هذه المرحلة، وهو بطبيعة الحال، كما يصب في مصلحة الوطن يصب أيضا في مصلحته هو، بل وسيحسب في رصيده للتاريخ.
وإذا ما أجرينا مقارنة بين كلفة التراجع عن تعديلات دستورية مثيرة للجدل في شكلها ومضمونها ومضرة بهيبة الدستور ومكانته من أجل المصلحة العليا للوطن وحرصا على ضمان استقراره وخدمة لتعميق تجربته الديمقراطية، وبين كلفة المضي في تمرير تلك التعديلات  التي يراها البعض انقلابا على الدستور وقد يتعامل معها انطلاقا من ذلك ، مع ما يحمله ذلك من مجازفة ، فإنه سيتبين لنا أن الخيار الأول لا كلفة له تقريبا، بل إن فوائده كثيرة على البلد وعلى النظام نفسه، أما الخيار الثاني فإنه يفتح من المحاذير، لا قدر الله، مالا يمكن التنبؤ بعواقبه. غير أن تبني الخيار الأسلم في هذه المرحلة يتطلب التحرر ولو قليلا من أجواء المبادرات الداعمة وخطابات أصحابها.
        والله من وراء القصد.

 

27. أبريل 2017 - 8:11

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا