دروس صناديق الاقتراع للأحزاب التقليدية ونخب الأحادية ؟ / عبد الله المبارك

أقدم  أيها الحيزوم : دروس صناديق الاقتراع  للأحزاب التقليدية ونخب  الأحادية؟

لا يفقه كثير من ساسة الأحزاب التقليدية ، ونخب الأحادية ، أن  الشعوب  حين تدلي بأصواتها بكل حرية،  أو تتحرك  في طوفان مظاهراتها السلمية،  تعبر بالمفاجآت التي تحدثها، عن طريق صناديق الاقتراع، أو عن طريق هديرها  المحسوس عن حركة تغيير اسمها (القدر) عبر عنها فتى ثورة الياسمين أبو القاسم  الشابي  بقوله:

إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقــه شــوق الحيــاة تبخــر فــي جوهــا واندثـــر
كـــذلك قالــت لــي الكائنــات وحدثنـــي روحهــا المستتـــر
ودمدمت الريح بين الفجاج وفــوق الجبــال وتحــت الشجـــر:
إذا ما طمحت إلى غايـــة ركبــت المنـــى ونســيت الحـــذر
ومن لا يحب صعود الجبــال يعش ابــد الدهــر بيــن الحفــــر
فعجت بقلبي دماء الشباب وضجت بصــدري ريـــــاح أخـــــر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود وعزف الريــــاح ووقـــع المطـــر
وقالت لي الأرض لما سالت: يا أم هــل تكرهيــن البشــر ؟
أبارك في الناس أهل الطموح ومن يستلـــذ ركــوب الخطــر
وألعن من لا يماشي الزمان ويقنع بالعيش ، عيش الحجــر
هو الكون حـي يحــب الحيـاة ويحتقــر الميــت مهمــا كبــر
قبل سنوات  رمز سقوط جدار برلين1989 ، لعصر سقوط الأحزاب العقائدية التي جعلت عقيدتها المال أو الزعيم  والرأي،(عبدة الدينار والدرهم ، وعبدة الفرعون وهامان)، سقطت  فجأة الأحزاب  الشيوعية والرأسمالية في القطبين ، التي حكمت أكثر من سبعين سنة ، بأوراقها المالية الربوية، وبسجونها وقواعدها الرهيبة.، وعلم الجن  والإنس، أن آلهة الكنعانيين أو اللخميين ، ونظرياتهم هي كما قال عنها موسي لقومه:(( إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبر ما هم فيه ، وباطل ما كانوا يعملون))سورة  الأعراف ، الآيتين:،138-139
وهاهي الانتخابات في الغرب عموما  وأوروبا خصوصا2010-2017 : في النرويج، وبريطانيا ، واليونان، و إسبانيا، والبرتغال، و إيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية ، وفرنسا ، علي سبيل المثال  لا الحصر، أنهت عهودا من حكم  الأحزاب التقليدية اليمينية واليسارية على حد سواء ، لصالح أجيال جديدة ، لتيارات  شابة شعبوية ، عبرت بواسطة نتائج  صناديق الاقتراع،  عن رفضها لنخب الأحزاب التقليدية الحاكمة  بالأحلاف، أو التي عارضت سنين عجاف، لكونها عجزت في الاتجاهين المتعاكسين ،  عن إيجاد رؤية و تصور لحلول للأزمات السياسية و الأمنية و الاقتصادية العاصفة في هذه  البلدان.
وهو خطر أظهر من جهة أن استعمار الشعوب والهيمنة على خارطة سايس- بيكو، والتفرد بكتلة الصناعات، ومزايا العولمة، لا يوفران  الأمن  اللازم وديمومة رخاء التنمية للدول الكبرى.، بسبب غياب قيم العدل والحق والرحمة والمصلحة، وهي قيم أربعة خالدة، ومشتركة، بين كل حضارة رائدة، و كل دين (يهدي للتي هي أقوم).
وبين من جهة أخرى تنامي تيارات التطرف والكراهية ضد الأجانب ،وضد الإسلام، وحتى ضد المواطنين الذين كان لهم الفضل في تحرير أوربا،  وبسواعدهم  وعقولهم  بنت أوربا اقتصادياتها الصناعية منذ عصر الفحم، إلي عصر الطاقة الناضبة والمتجددة.
وهناك اليوم أوضاع معقدة  بسبب أن العالم المأزوم،  حكمته  فلسفات  إنسانية خاطئة، منذ الحروب الصليبية،  إلي الحروب الاستباقية الحالية.
كما أن العامل  المشترك في أغلب الدول  الأنفة الذكر كان  إجراءات التقشف التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية، مقابل الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأوروبية، وبسبب سطوع نجوم الحروب وجامعي الضرائب، وشركات بيع السلاح، ورجال الأعمال  وجباتهم،  علي حساب القوى الهشة والفقيرة، والعاطلين عن العمل، وعمال  مصانع ومزارع الإنتاج.، وأهل المعرفة والاختصاص.
ولئن كانت صناديق الاقتراع، أو أشكال العصيان المدني السلمي، قد أثمرت حالات تغيير للانسداد السياسي  مرارا في دول الشمال، فان دول الجنوب
( خصوصا  في العالم العربي و المجال الإفريقي)، تبرز خرائط الصراعات الدموية ،  والتجاذبات المذهبية، وأشكال  الحروب الاستباقية  المقترحة لها،   في مالي والعراق ، وفي ليبيا واليمن ، وفي سوريا والصومال ، وفي  القوقاز وافغانستان، وفي تركيا وباكستان، وفي فلسطين ولبنان ..... أن الاستبداد السياسي والحروب  الأهلية ، هما أفضل الحلول المناسبة، التي يقدمها لشعوبنا  ثالوث: الغزاة، والغلاة، والطغاة.
وقد أثمرت  هذه الحروب الاستباقية:   حمامات الدم ، ومعاول الهدم ، وفكر الكراهية،و أخطاء حسابات عززت من نفوذ وفساد :  أحزاب الأفراد، و نخب النفاق، و مروجي الافك والبهتان، ومكر وسطاء  وممثلي الحركات الصهيونية  والماسونية ، وعمل كبارالمهربين والمرابين، و غلال جامعي الرشوة، ومحتكري  البضائع.. و مكاء المتاجرين بالشعارات
والقوميات، وتخابث عملاء الاستعمار .
وقد أصبح جليا لكل عاقل في  العالم  أن  واقع دولنا وشعوبنا  في هذه الدول ينحدر إلي ارث  من  التهجير والفناء، ومن الهدم والضياع ، ومن الاستلاب وعودة  نفوذ  الاستعمار.
و حلحلة هذا الإرث وتراكماته،  يتجاوز اليوم  أنظمة  أخطاء الحسابات  والجيل المأزوم  ، ويتطلب رؤية لبناء أمة جديدة.
أمة خيرية ، تبني الإنسان قبل المنشأة ،وتؤسس لمدرسة الأخوة قبل معسكر الاقتتال ، وتبني قيم البيت قبل قيم السوق و مداخيل الحزب، وتجعل من منارة الوحي قبلة  في مقابل  زعامة الهوى و الرأي،،، وتتأسى بالنبي المتواضع المعصوم صلي الله عليه وسلم ،  في مواجهة  المتكبر  و الموجه غير المعصوم.
أليس مقيتا أن يتحول الربيع العربي  إلي ربيع قان بدماء  الأبرياء،  وأن تقود حروب  الشتات قيادات لا يوجد في أجندة تاريخها رفع لواء للتوحيد، ولا مهجع  للمحبة والتآخي، وهي مرتع للعمالة للأجنبي ، ومجال  جغرافي لصناعاته الحربية، ولقنوات حروبه الكلامية،  ولثقافته  الانسلاخية ؟
لماذا  أنفق هؤلاء أموالهم علي تجييش  الأحقاد، وحروب بالوكالة، وعسكرة للثورة السلمية، وإصدار للفتاوي الخاطئة، التي أجازت قتل المسلم للمسلم ، وقتل المسلم للمعاهد ؟
لقد  أصبح  حراك  التغيير الجارف ، يتمثل في شباب يعبرون عن أنفسهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويشاركون في الجمعيات الخيرية الدولية و يشعرون بالقلق  من  كتلة  أغنياء وأثرياء الاقتصاد العالمي التي تسرق العرق  والألق.
وكشف هذا الحراك عن  وجود مواطنين مهتمين بالشأن العام، فقراء وبسطاء،لكنهم  تمكنوا من  العثور على طرق لاستقطاب اهتمام الناخبين بطريقة جديدة، أسقطت نظريات  الأحلاف الدولية ، واستبداد أنظمة ونخب شمولية.
هذه الدروس يبدو جليا أن أحزاب منتدى المعارضة الموريتاني  ترفضها ، لأنها تخشى من اللجوء إلي المادة38 التي لا تعني إلا الاستفتاء عبر صندوق الاقتراع، ولماذا يخشون من نتائج الاقتراع الآن؟
دروس الساحة الأوربية، ومصير  الأحزاب التقليدية مخيفة لهؤلاء.
كما أن أحزاب المولاة، سبقتها المبادرات الشعبية ، وسحبت البساط  من تحتها بالجملة ، فقد حركت تلك المبادرات في أسابيع ما عجزت عنه تلك الأحزاب في المشهد السياسي والإعلامي منذ سنين.، ومن المتوقع ان  انتظم هؤلاء أن  لا يبقى مع  أهل المعبد القديم، إلا شعارات   وأسماء  وألقاب  لاتسمن ولا تغني من جوع.
أيها  الأغر  الأحمد، أقدم  أيها  الحيزوم، فما هؤلاء  إلا أصنام تسموا بأسماء، كالسامري يعبد عجلا ، أو كأصحاب العير يبيعون بدراهم معدودة يوسف وهم  فيه من الزاهدين، أو كفرعون لما  غرق:
((َقالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) سورة يونس الآية:92
... لينجو ببدنه.....
أيها  العزيز  الأحمد...والله لو سرت بنا  إلي برك الغماد لسرنا معك ، ما تخلف منا  أحد،  أحب السامري ، أم كره حساد يوسف، أم غرق من غرق في طين الخبال، وجس الطين في فمه جبريل أمين السماء ((ّذي قُوَّة عِنْد ذِي الْعَرْش مَكِين)) سورة التكوير الآية:20
الله أكبر..  ما كبت حاسد، وأحرق وثن ، وغرق
متكبرة و أفاك أثيم ، وساخ في  الأرض  سامري
بوسمه وشحمه.

27. أبريل 2017 - 13:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا