من يعتقد حقا ... أن الغبن القبلي: فبائل تَرفل و أخرى تُركل، و التباين الشرائحي: شرائح تَنعم بالمال و الجاه و أخرى تسام بالفقر و النحول، و التفاضل الأسري: أسر على السطح و أخرى عند السفح، و الانتقائية الوظيفية: وظائف لأبناء وجهاء التراتبية المجتمعية الظالمة و أبناء كبار المسؤولين الغافلين و أصحاب المال الجائرين و السلطان الظالمين و أرستقراطيتي الموظفين المفسدين
و المبذرين و المرتشين القديمة و العسكريين الجديدة، و أبناء الطبقة السياسية الفاكيافلية الانتهازية التي تؤمن بالفرصة و النصيب و لا تؤمن بالوطن و العدل، و تهميش و إقصاء و خذل أبناء الفقراء و المستضعفين... أن هؤلاء باقون بذات القسمة الضِّيزَى في بلد قدر له أن يكون رغم "السيبة" و جبروتها و عنادها؟
ضعف خطابة و سوء إلمام
عندما أتابع عبر الشاشات التلفزيونية الأجنبية بعض المقابلات التي تجرى مع عديد الرؤساء و الزعماء السياسيين الأفارقة و العرب تنتابني غيرة شديدة من ثقة هؤلاء بأنفسهم و ما تكشف عنه من القدرة التعبيرية الهائلة لديهم و علامات الإلمام التام بملفات و قضايا بلدانهم و حيزهم القاري، و درايتهم التامة بمناطق الارتباط بالقضايا الدولية... غيرة سرعان ما تتحول إلى مرارة و حسرة حين يصدمني قهر زعمائنا السياسيين و بلغائنا من المثقفين تحت وطأة الفقر التعبيري و الشح المضموني.. إلا من رحم ربك... و المؤلم أكثر هو إنكارهم المرضي وجود غشاوة على أعينهم و أكنة على على قلوبهم و حدة هستيرية الإدعائية لديهم بالألمعية و الخطابة و التنوير التي تطوقهم في كنف زيف الإدعاء و مضمون الخواء.. فهل ينتبهون و يصححون فيتعلمون و لا يكابرون؟
ويمضي المواطن في تعمد الغياب
تجار سلع مستوردة انتهت صلاحيتها الزمنية و العصرية ليسوا في سياق في الصناعة و تحويل للتكنولوجيا، أصحاب محاسبة العجائز ليس لهم في التدبير المالي العلمي فلا يراهنون عل حركية الأسواق المالية المؤمنة للاستمرار و التطور، فترى الوطن و كأنه وكالة تجارية (comptoir) لتبال السلع من القرن الثامن عشر على أطراف القارات بين أصحاب السلع المُنتجة تحملها بواخرهم الشراعية (voiliers) و البخارية (A vapeur) و بالعجلات الضخمة (A roues géantes) المتطورة آنذاك و بين أصحاب الجلود و الصمغ و و التبغ و التوابل و الذهب و الرقيق المتخلفين ينتظرون فاغرة أفواههم وصول الرجل الأبيض محملا بمنتج العلم و العمل.
سياسيون قبليون بدون قبائل، إقطاعيون من لحم الوطن، عشائريون انتقائيون للحيز الإنتمائي من نواة الجاهلية، متزلفون بلا حياء أو ماء وجه في حربائية منقطعة النظير، يتصارعون على أخس الجزئيات و الزبد كأنهم ثيران و هم أقل من النمل فيبيعون الوطن عند كل سامحة بأبخس الأثمان.
أطر و مثقون بلا عطاء فترى الإدارة سوق نخاسة تسام فيها القدرات و الطلقات بأبخس الأثمان و توصم بأرذل الصفات و يتبوأ عديمو الكفاءة و الأهلية أعالي الرتب.. و ترى "الجامعة" المشتتة للأذهان و المدارس "العليا" التي لم ترتفع عن مستوى العتبة تخرج العاطلين و المنفيين إلى حيز النسيان والإعلام المخنث و الشعر المهان... "..إن لم تحصل على فرصتك فتحول إلى إعلامي أو شاعر" ترى الوجود جميلا ... و لو كان فينا من يقدر الأشياء و يرتبها لفائدة البلد لوَضَع الشعرَ و الإعلامَ في حدقات الأعين ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود لكن تأخرنا عن إدراك أخطائنا و غيابنا عن ساحة الحضور هما سبب عقابنا بما نحن فيه كما يقول المثل الفرنسي "الغائبون دائما على خطأ" و الشاعر العربي:
لو نارا نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد
جمود متعمد لا يغتفر
أما أن شعبنا ذكي إلى حد البلادة (و إن من العقل ما أهلك كما هو حال بني إسرائيل في أمر قتيلهم و البقرة) فلم يعد يأبه لشيء و يعيش اللحظة في تفاوت غير لافت و لا يقاوم، و أما أن المسكنة والظلم قد ضربا عليه في إعادة للتاريخ فترى المتقدم في تشكيلة المواطنين يرفل في الحرير تُعينه إلى ذلك أسباب مقبولة على ظلمها و أخرى مفروضة بالاقتحام الجريء كلَّ ممنوع و إتيان كل منكر غير لائق و لا مساءلة تُجرى أو عواقب تحل، و يتردى الفقير في أتون الحضيض و هو يبتسم في الخواء كالخب أو الذي به مس من الجن... تفاوت بين طبقتين برجوازية بالمال العام المنهوب من خزائن الدولة منذ استقلالها و لم يأخذ طريقا حتى إلى تأسيس اقتصاد محلي يخفف من عظمة الجرم فيشغل الموطنين و يكفل استقلالية للبلد كما حدث في عديد الدول و منها اندونوسيا و ماليزيا تنافسان اليوم أقوى الاقتصادات العالمية، و بين طبقة تزداد فقرا في محيط ينعته التخلفُ عِبرةً للدول التي ما زالت في خندق المتكاسلين عن سلك طريق دولة القانون و الديمقراطية.. فهل يعي الأمر ألو الألباب؟