المبيدات خطر يحدق بالجميع / الهيبة سيد الخير

المبيدات هي مواد سامة تستخدم للحد من أخطار الآفات، وقد شاع استخدماها بداية القرن الماضي، بسبب نجاح الصناعات الكيمائية في إنتاج مبيدات فتاكة وبأسعار زهيدة، بعد أن كان الاعتماد يقع في الأساس على المبيدات المستخرجة من الطبيعية، والتي لم تكن قادرة على تلبية احتياجات عمليات التكثيف الزراعي المتنامية عبر العالم.

انبهر العالم بالقوة الفتاكة للمبيدات، ووصل الأمر ببعض الحكومات أن وضعت برامج طموحة، مثل القضاء على البعوض والذباب بشكل نهائي، أو استئصال العوائل الوسطية للبلهارسيا، ناهيك عن سيل الوعود الذي قٌدم للمزارعين والمنيين وبقية الفاعلين، بان فجرا جديدا يلوح في الافق لا مكان فيه للآفات!
لم يطل أمد الحلم، فعدة عقود كانت كافية لتبديده و إظهار حجم الكارثة التي حلت ببني البشر، فالمياه الجوفية والاغذية تلوثت ،ولم تسلم  حتي الاسماك في قيعان البحر ،فسلسلتنا الغذائية اُخترقت ،والآثار البيئية لا يمكن حصرها ،فالتنوع البيولوجي تراجع ،واضطرب التوازن البيئي ،و وظهر اعداء جدد ،وازدادت شراسة البعض الآخر ،أما البعوض فصار يختبئ في عبوات المبيدات الفارغة تحديا لنا، والذباب ازداد ت اعداده، تلكم هي محصلة الحلم والذي تحول الي كابوس مفجع لكن العزاء الوحيد لبني البشر هو الدروس المستقاة والتي ستضع حجر الاساس للوعي البيئي لاحقا.

واقع الاستخدام السيئ المبيدات في بلادنا
تستخدم المبيدات للقضاء على آفات المنازل، وبدل استخدام مبيدات الصحة العامة المعهودة دوليا، يلجأ المواطنون للمبيدات المعروضة على البسطات في الاسواق، وضمن عبوات لا تحمل لصاقات وهي مبيدات زراعية وغير مخصصة للاستخدام في المنازل، وغالبا ما تكون في زجاجات اغذية، مما يزيد من اخطار الحوادث، خصوصا بالنسبة للأطفال، وهذه المبيدات تعد أحد أهم الاخطار الصحية في بلادنا، لأنها تباع وتتداول وتستخدم خارج الأطر الطبيعية، وينجم عن التعامل بها أضرار صحية كارثية، بالرغم من أن القوانين الوطنية تجرم بيعها وتداولها ومع ذلك فلا تخطئها عين في اسواقنا.
يُسهم المستهلكون في زيادة المخاطر بسبب جهلهم بخطورة هذه السموم، يدفعهم للبحث عن اكثرها فتكا، فكثير ما أسمع قصاصا مؤثرة ومؤسفة، كهذا الأب الذي يتبجح بانه اشتري مبيدا واستخدمه في منزله ومنذ ذلك الحين لا يتحرك كائن حي في المنزل الا وهلك، فالمبيد قاتل فتاك ومثابر تلكم هي صفات المبيد الجيد لدي المستهلك الغافل، لكنها للأسف هي ايضا صفات المبيد السام الذي قد يحمل اضرارا صحية بالغة الخطورة، صفات كانت تُعد معايير جودة المبيد قبل ثلاثينيات القرن الماضي ويبدو اننا لم نتشارك مع العالم أهم الدروس البيئية.
من الاخطاء الكارثية ايضا نقل تقنيات تشبيع الناموسيات بالمبيدات، لبعض التعاونيات النسوية، وتزويدها بكم من المبيدات الملائمة، لكن بعد نفاذ المؤونة، تلجأ تلك التعاونيات الي الاسواق للتزود بما توفر، مما يعني استبدال البيروثرنويدات بمجموعات الكلور والفسفور، وهذه هي الكارثة بعينها وكان الأجدر الاكتفاء باستخدام الناموسيات المشبعة الجاهزة للاستخدام، اخطاء ارتكبتها وزارة الصحة وبعض المنظمات الدولية.
شاع مؤخرا استخدام المبيدات للقضاء على طفيليات الحيوان، وقد وصل الامر بالبعض لحد استخدام المبيدات الزراعية الغير مخصصة للحيوان، او سقاية الحيوان بالمبيدات في تصرف شاذ يعرض حياة المواطن لخاطر جمة بسبب تلوث اللحم والحليب بتلك المبيدات.
المبيدات التالفة
إحدى المشاكل البيئية الكبرى حيث توجد كميات هائلة من المبيدات في مخازن وزارة الزراعة، وأحيانا كثيرة ما تكون تلك المخازن مهملة ومهجورة، علما ان بعضها يحوي ديلدرين وDDT وهي مبيدات محظورة منذ أمد طويل، تنتشر المخازن المهملة، والحاوية علي أخطر انواع المبيدات المحرمة دوليا على عموم التراب الوطني،
وتعود تلك الكميات الي حملات محاربة الجراد الصحراوي احد اهم مصادر التزود والتلوث  بالمبيدات، حيث لا يبخل العالم بمدنا بكم هائل من تلك المبيدات، ناهيك عن الأموال الضرورية للعمليات اللوجستية ،الأمر الذي يسيل له لعاب المستفيدين ،وفي نهاية الحملة تختفي الاموال ،لتبقي المبيدات عبئا ثقيلا علينا ،وحتي ان استخدمت فأنها تسبب تلوثا هائلا ومخاطر صحية للعاملين في مجال المكافحة، ولن أفشي سرا ان قلت ان هذه الحملات سببت اضرارا صحية جسيمة لعديد العمال ، فإجراءات السلامة كانت تطلب من العاملين ارتداء بزات من  البلاستيك ،في ظروف شديدة الحرارة، فمن ارتداها قد يصاب بالدوار، ومن لم يرتديها قد يتلوث جسمه ،وهذا عائد الي اتباع  توصيات أمان خاصة بالمناطق الباردة ،وكان الأجدر نصحهم بحزمة توصيات المناطق المدارية.
تعد عبوات المبيدات الفارغة من مصادر التلوث الخطيرة، وكثيرا ما نجد تلك العبوات تستخدم للشرب في عملية تدوير حمقي، فيفترض اصلا ان يتخلص منها بشكل فني، وهو ما لا يحدث احيانا.
المخاطر الصحية للمبيدات
لا جدال اليوم في ان المبيدات تسب اضرارا صحية بالغة للإنسان، فالكثير منها مسرطن ،والبعض منها يسبب العقم ،والتشوهات الجينية، وبما ان لها الاثر التراكمي ،فلا يظهرها تأثيرها في احيان كثيرة إلا بعد فترة طويلة نسبيا، وقد ينتقل للخلف، كل هذا يحدث في بلدان تحترم فيها شروط الاستخدام بشكل كبير، فما بالك في بلد تباع فيه المبيدات المسرطنة جنب الخضار والفواكه، وتستخدم كما انها مواد عادية ،وتوزع وتتداول بدون حرج ،ويستخدم  أخطرها في المنازل ،حيث الاطفال والنساء الحوامل ،وكل الفئات الهشة، وضع لا يجب السكوت عليه وقد حان الأوان للتحرك.
هل من حلول؟
المبيدات شر لا بد منه، فهي سموم ،إلا انها ضرورية في احيان كثيرة، لحماية الانسان ومنتجاته ،إلا أن استخدامها  يجب ان يكون بالصورة المناسبة، ولن يحدث ذلك دون زيادة الوعي بمخاطرها، وتدريب العاملين في مجالات استخدمها ،والسهر علي مراقبة تداولها واستعمالها ،وتطبيق منظومة القوانين الناظمة لاستخدامها ،خصوصا ان بلادنا تملك ترسانة هامة من القوانين، كما انها مصادقة علي جل المعاهدات الدولية ذات الصلة ،الا انها تفتقد الي خطة استراتيجية للتعامل معها ،حيث تضيع المسؤولية بين وزارات الزراعة والصحة والبيئة وإدارة الجمارك، كما  ان الجهود المبذولة حتي الآن ضعيفة ومبعثرة و احيانا تكون متضادة.
انصح ارباب الاسر بعدم رش المبيدات التي يحملها الباعة المتجولون، والامتناع عن شراء أي مبيد لا يحمل لصاقة اصلية والاكتفاء بعبوات المبيدات المضغوطة المعروفة بفيل توكس، اما بالنسبة للفئران فمن الافضل استخدام الغراء.
ان التحرك الحالي والذي تقوم به الوزارات المعنية والمدعوم من طرف FAOوالهادف للتعامل مع مخزون المبيدات منتهية الصلاحية، يعد جهدا في الطريق الصحيح إلا أن اشكالية المبيدات أخطر وأكبر من ذلك بكثير، وتحتاج الي مكاشفة والي تحرك وطني حقيقي وفاعل لتدارك ما يمكن تداركه.

30. أبريل 2017 - 7:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا