عندما ينطفئ نور نجم ما كان ساطعا في سماء معينة من أرض الله يبدأ الكون كله وكأنه في حالة حزن عليه فيسود ويدلهمُ الأفق ويُخضبُ نفسه بلون الحزب والضباب ، وعندما تأتي الشمس إذا بكل أؤلائك الخيوط المدلهمة تتفككُ واحدة واحدة أمام وهج الضياء ، لكن للأسف ذلك النور الشمسي لن يدوم طوال الزمن وإنما لحظته في الوجود قليلة وهو عابر يدور عبر الزمن ليكسر طوله ويستدرج نهايته حقبة حقبة ،
تماما كحالنا نحن عندما نحسُ بالانفراج إثر انتهاء أي حقبة سياسية مظلمة وبداية أخرى بعهودها الأولية ، فنظنّ لطيبتنا أنهم صادقون ليتين فيما بعد أن الأخير نفس الأول بل أشد منه وإنما اغتنم فرصة ثقته فيه ليتصدر الموقف ويكون شيئا بعد خيانته الثقة والعهود...
لا أدري كأننا في واد تحفه الأشجار الطويلة جدا ولا نبصر ما يوجد في الكون من النور أو أن هناك أيادي تمنعه عنا عن قصد أو عن غير قصد ، ونحن تائهون ضائعون تحت تلك الظلال الممتزجة بضباب الحزن والضياع ، والجميع من فوقنا يدركون حجم ثقل ذلك الواقع علينا ولكنهم لا يريدون لنا غيره أبدا لأن خروجنا عنه يعني ضياع أحلامهم وانهدام جسور مصالحهم المشيدة على أكتافنا المقهورة ...
لا يوجد عند أهل الهامش أعظم من أحلامهم التي ينتظرون من خلال ضيائها الوهيج بها الشروق والتي تستدبُ رغم واقعهم المرّ والأليم في شرايين أفئدتهم لتشعّ نورا ينسيهم واقع ذلك الواقع قليلا ويدخلهم السطر المقصين عنه افتراضيا ليعشوا فيها حياة أروع من حياة من يملك حقيقة ، أو من هو سالبٌ لمقاصد أحلامهم واقعا ، ولا يوجد عند المهمشين أكثر من توقهم تملك ما يروه قريبا منهم وبعيدا في ذات الوقت بقربه لأنه محرّمٌ عليهم ، لذلك كان هناك نوعين من المهمشين والضعفاء والمحرومين ، مهمشين يتمنون زوال نِعمِ الغاصبين فهم لهم كارهون وذلك أمرٌ يولد الكثير من المشاكل والمشاكل التي قد تهتك بأمن الجميع ، وآخرون أنعم الله عليهم بنعمة العقل فلا يكرهون ولا يبغضون مع أنهم يعانون حتى الموت من واقعهم السيئ لذلك هم يسعون إلى نشر العدالة بين الجميع ، فأي فريقين نحن له منتمون؟
الله وحده يعلم ذلك ، فالاختلاف في الناس كثيرٌ وأمرهم لا يقوم على امر واحد لاستحالة توحدهم على قلب رجل واحد ، لكن الوطن كذلك يعاني بمعاناة المظلومين وعمره بنظام ذلك الظلم الممنهج عرفا وعقلا وظلما ..
تعلمنا في مبادئ التربية الاجتماعية أن الوالدين يجب أن يربوا الطفل على الصدق والأخلاق ووو ... لكن نشاهد في ذات الوقت بعض الوالدين يكذبون أمام نُشّأهم وحينما يقلدوهم في ذلك يتعرضوا للضرب والتعسف والتنكيل من قبلهم تحت تهمة الكذب الحرام ، فأي شرع هذا الذي يحلُ لقوم ويحرمُ على آخرين؟.
كذلك تعلمنا في بدايات مشوارنا التبربوي في المؤسسات التربوية أننا جميعا أبناء وطن وأن الدولة أكبر من الأسرة والجهة والقبيلة وأن المواطنون أمام القانون متساوون وأن العدالة نافذة والقصاص واجب ، وشهدنا فيما بعد من خلال أفعال القائمين على القانون والمسؤولون في هذه الدولة المتناقضة أن لا ولاء للمرء غير قبيلته وأن الدولة مجرد وسيلة لتحقيق غايات عامة قبيلة وغايات خاصة فردية وأن صفة المصلحة الشاملة مجرد حبر على ورق ، وأن القانون لا يطبق إلا على الضعفاء فقط وأن الأقوياء محصنون من كل ذلك ، فلو سرق الفقير يودع سنوات في سجن دار النعيم ذلك السجن الذي أصبح كلية تُخرجُ الأكاديميين في المجال الإجرامي ، ولو سرق قوي يودع أشهر ويخرج بكفالة ويعينُ بعدها بقليل في حالات ولا يسأله أحدٌ عن شيء في حالات كثيرة ، ورغم ذلك يقول رئيس الدولة أنه يحارب الفساد والمفسدين..!
ليس هذا فقط ، لا توجد كفاءة في الوطن ولا يمكن لمن انتقد أن يعتلي أي أمر ولا يعين إلا من كان وراءه متنفذ ولا يرضى المخزن إلا عن من كان ذو ضمير ميت وصاحب مصالح خاصة في الدرجة الأولى ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، ومع ذلك يقول الرئيس أن الدولة سائرة في مجال الإصلاح...!.
السفينة إذا كانت مخطوفة منذ الأزل من قبل من لا يعرف البحر ولم يسبق أن عبر أمواجه العاتية فستغرق لا محالة ، كذلك البحرُ لن يرحم أي ربان سفينة لم يستطع تجنب عظمته ، وكذلك الدولة إذا كان يديرها من ليس في ذهنه إلا نفسه وأهله ومن لا يعرف شؤون السياسية والحكم ومن هو ضيق الباع فإنها سوف تفشل بالتأكيد لا قدر الله ...
سنعيش نحن في آمالنا ويعيش المترفون في واقعهم وستكون النهاية حتما في صالح حزبنا الصغير المقصيّ الضئيل ، وفي حين أن ترفهم ذلك لن يدوم طويلا لأن صاحب الترف دائما ما يحفرُ نهايته بيده دون أن يدري ، سيقوم عزنا بضعفهم الذي أوصلهم الترف والكبر والغرور ، ونكسر كل ذلك زمنا ، سنة الله في خلقه ...
وسيبقى الوطن فوق الرؤوس محميٌّ وسنعيد بناءه على مقاييس احلامنا القديمة كما كنا نشتهي وكما كانت تخيّلُ لنا الرؤى في أوراق الدفاتر قديما، فذلك الكائن المشكلِ بين الجفون زهرا يحتاج إلى الماء من أجل صقل وجهه المعفن في دخان الخراب والفساد ...
من يستطيع أن يفسر ضعف التفكير السائد وعدم تقبل الآخر المناوئ والغلظة المتواجدة والغرور الزائف المتشكل بقوة فوق الوجوه العبسة بالإصلاح ، كلا وربي فما في الإصلاح والسداد من خلاف والحق يحقُ نفسه رغم كل شيء والباطل الذي يمشي مشية الأعرج على نور الحق لن يصمد ولن يواصل في الطريق طويلا ، لأن الأصل إلى أصل يُرتد والواقع بعينه يُعرف ، ومن لصقته سمة الجهل لن تُنزع عنه إلا بشرط بيّن ، وأثقل الشيء في نفس المغتر المتكبر هو الرجوع إلى النفس و تدارك الخطأ بعد تؤكد منه ، كذلك حالنا في قيادتنا هذه اللارشيدة.