الاحتجاج المتصاعد إلى أين؟! / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altانطلقت الاحتجاجات يوم 25 فبراير وتعززت-نسبيا-يوم الثلاثاء الموافق1-3-2011، لكن هذا المسار الاحتجاجي محل تساؤل وتركيز كبير من قبل السلطة والمواطنين-خصوصا منهم أصحاب الوعي السياسي ولو كان وعيهم محل جدل وتساؤل هو الآخر-.

حيث يطرح الجميع على نفسه أو غيره السؤال الصعب المحير إلى أين ستصل هذه التحركات الحالية؟! وبالنسبة لي الجواب سهل مختصر، إلى التغيير الجذري إن شاء الله. فمحصلة الصبر والمعاناة ومستوى الوعي والتأثر بالآخرين، خصوصا في تونس ومصر وليبيا واليمن، لابد أن ينعكس عمليا على ساحاتنا الموريتانية المحلية. وكل المعطيات تدفع إلى ذلك. فالنظام قبلي انقلابي محسوبي زبوني فاسد، والمجتمع بلغ به الأنين والوجع والألم والخلة والحاجة -في سواده الأعظم- ما بلغ، مما هو واضح للعيان وللجميع. والنموذج القائم في مجال تسيير الشأن العام، لم يعد مقبولا عالميا ولا عربيا، ولا محليا، ولابد من توجه جديد إلى العدل في كل ميدان، والعمل على تكافئ الفرص وتقارب الموازين -إن لم يكن القسط التام- المنشود في مقتبل السنون والعقود القريبة القادمة بإذن الله. وما سوى هذا لنا يرضى به طموح المعارضات الحية- رغم نواقصها والمآخذ الملحوظة في تجاربها- ولن يرضى به كذلك الجيل الصاعد، ولا أي مواطن، أيا كان!!! التغيير حتمي، وقد لا يتسنى مطلقا، إلا بزوال كل الحواجز، ولو تدريجيا، وأهمها النظام الانقلابي الفاسد القائم، ورأسه عزيز وغزواني وولد الهادي وغيرهم من جنرالات الزيف والفبركة. ثم تصفية العقلية البائدة، المبنية على الانتهازية والأنانية السائدة في أوساط الموريتانيين-كلهم تقريبا-حكاما ومحكومين. إن العقاب الجماعي غير ممكن، رغم أنه مستحق ضد معاوية وجماعته، وسيدي وختوه وأزلامهم ومخنثيهم، واعل وثروته وداهه وآدته (ولد آده) ومن سواهم من أزلام زمرته. وعزيز وغزواني وهاديه إلى تصفية الحسابات تارة، والمفاوضات القبلية المكشوفة طورا. كل هؤلاء يستحقون وقفة حساب شفافة جادة وعادلة، فهم محملون بحقوق مضيعة لا تحصى، وأمول مهدرة ليس من السهل عدها، وحرمات منتهكة -خاصة وعامة-ليس من البسيط أيضا نسيانها-. لكن الصفح المؤقت -بأيام الدنيا- أفضل، خصوصا في هذا المنعطف من تاريخ البلد، تفاديا للقلاقل والجدل والشقاق والتمزق، وليكن الرحمان حسيبهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله، بقلب سليم، والتاريخ سيكتب بموضوعية يوما ما عن مثالبهم بدقة متناهية بإذن الله، وعن نقاط صوابهم بموضوعية -إن وجدت-وصدقت حجيتها وأدلتها. ولنقتصر على إسقاط النظام-أشخاصا ومفاهيم انقلابية واستغلالية-ولنتفرغ بعد ذلك لإصلاح المناهج والعقليات وأحوال الناس والرعية بوجه عام. "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". وأغبط للنظام البوليسي القمعي بعض من ضبط النفس الهش، والمسؤولية التكتيكية المراوغة بدهاء ومكر، رغم أحداث فصاله السيئة الصيت، بما تم فيها من إهانة واعتقال وقلة روية من طرف السلطة. لأن المواطنين معذورون إلى حد ما، فيما ذهبوا إليه، لأنهم احتجوا بالشعار الثوري الجميل التاريخي المعبر "إل اعطش يبطش". ولكن هذا الجو الاحتجاجي السلمي الحضاري في أغلبه ومجمله، ولو حاولت السلطة قمعه حاضرا أو لاحقا، سيكون كفيلا بالتغيير الجذري السريع المنشود من قبل المعنيين بالساحة الثورية "ساحة بلوكات" وغيرهم من المناصرين والمتابعين بصمت وحنكة. فالشعب هو سيد القرار المتعلق بالشأن العمومي، وكلما مرت الايام، ستتصاعد الوتيرة، وبتصاعد الوتيرة سيزداد مستوى تلبية الأهداف والمطالب المشروعة، التي تصب في الهدف الجامع، المتمثل في شروق فجر جديد، وعهد موريتاني بهيج مريح مخلص -بفتح الخاء-، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله من ورائهم محيط. والمتتبع للمشهد الاحتجاجي عندنا، يلحظ بسهولة مؤشر التصاعد والنجاح البطيئ المتوازن، وله أن يتوقع ما شاء إلا بقاء عزيز وزمرته، والفساد وبركته وأجوائه المؤذية العفنة، فقد ولى عهد التلاعب، وبدأ عهد جديد ولو كان محفوفا بالمخاطر والمصاعب. فلنا أن نبذل ونضحي ونصبر على المحجة المستقيمة، ولو كانت شاقة مرهقة، وتلك طبيعة ذات الشوكة، فماهي بطريق الجميع لأنها تلك مواصفاتها منذ زمن سحيق. "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين". "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكن فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". إنها ليست ثورة من أجل معاوية أو أحمد ولد داداه ولا من أجل المدنيين أو العسكريين أو الفقراء دون الأغنياء أو العكس، أو الإسلاميين أو الكادحين، وإنما من أجل الحق وللحق، ليعود إلى نصابه وأهله الشرعيين المستحقين، دون إقصاء أو حيف أو مضايقة، والاحتكام إلى الرسالة الخالدة الاسلام وقيم التشاور والانتخاب "وأمرهم شورى بينهم"، وما سوى ذلك مجرد تكريس لماض متجاوز مرهق مهين، وحاضر ظالم منحاز انتهازي، ضيق الأفق، والسير المفضل إلى مستقبل يقام فيه العدل ويحكم فيه بالشرع وتدار فيه الموازين بدقة وورع وإنصاف. وتلك هوية حضارية جامعة لا يختلف عليها أحد. فموريتانيا مسلمة، لا وجود فيها لدين سوى الدين الخاتم، وسنية لا تعدد للطوائف الاسلامية الأخرى. وعربية افريقية منسجمة تحت راية الإسلام واللغة العربية الجامعة الموحدة، بحكم انتمائنا الديني والحضاري الواحد المتناغم. ولا مكان لإقصاء لغات قوم أرادوها عونا لتواصلهم ومعاشهم وتجسيدا مشروعا لتاريخهم، الذي هو جزء أصيل من تاريخنا، ولا مكان للرق والاستعباد واستغلال الانسان المسلم لأخيه المسلم، المماثل له لحما ودما وهوية!!!. وكل المظالم تبحث في حدود وبأسلوب، لا يفجر ولا ينتقم أصحابه لماض مثقل بالملاحظات والمآخذ، سيكون الرجوع الشامل إلى ردهتها معوقا عن التلاحم والوحدة نحو الأمل المشرق الطالع في الأفق، في هذه الأيام الحبلى بالأحداث والمبادرات والمفاجآت السارة غير المحسوبة. ربما. فالحكومة الحالية، ستتأثر حتما، والحزب الحاكم اهتز عرشه المنخور. والأمور قد يمسها التغيير السريع الشامل، أكثر مما تتصور. ولا داعي للافراط في الحلم أو الاغراق في اليأس والقنوط والخوف والتردد. ونحذر السلطة من القمع وتفلت الأمور من عقالها، فخير للجميع السير نحو الأمر الواقع حتما دون زلل أو طيش أو تطرف. والبادئ أظلم، سواء كان حاكما أو محكوما. لتكون ثورتنا مثالا لغيرنا. فيا حكامنا كفاكم أن تخرجوا من السلطة، دون إهانة أو شوشرة تستحقونها وتسببتم فيها. لكن الرشداء وبدافع التسامح العميق في عقليتنا وتقاليدنا وتربيتنا يفضلون التجاوز ما أمكن، مع الإصرار على مطلب توديعكم وابعادكم عن مسرح التوجيه والحكم، لأنكم غير أكفاء، بصراحة واختصار.  والشعب له الحق في تغيير الحكم وإدارة شأنه -بصورة أفضل- حسب ما ينشد ويتصور، لكن في المقابل دون إشعال فتيل الفتن والحرائق الكبرى، التي يصعب التحكم في مسارها ودمارها وآثارها العميقة على الوطن كله. فالصبر والثبات على المقصد السليم الشامل، دون ميل إلى قبيلة أو مجموعة أو عرق، أو الاضرار بأي كان. والقادم من الأحداث والحوادث لن يكون إن شاء الله إلا تجسيدا لهذا البرنامج الصارم الحذر، وليتعاون الجميع مدنيون وغيرهم، لصنع هذا الأمل الثوري الحضاري السلمي المنشود. والله ولي التوفيق.

2. مارس 2011 - 19:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا