منذ فترة قريبة تم وضع موريتانيا ضمن أفشل الدول من حيث إقامة المشاريع العامة ففي تقرير من 130 دولة لشركة ( أف أم جلوبال) حلت موريتانيا في المرتبة الرابعة من الأسفل (127) ، وفي تقرير آخر حول مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية حلت موريتانيا في المرتبة 117 وبمعدل 30 من أصل 100 كمعدل تضعه هذه المنظمة، وإذا ما نظرنا إلى قاعدة البيانات المتوفرة
عن موريتانيا ضمن قاعدة بيانات البنك الدولي المعنونة ب ( ممارسة أنشطة الأعمال في موريتانيا ) سنجد أن موريتانيا انتزعت بجدارة مرتبة 173 على العالم ، الشيء الذي يظهر مستوى الفشل والتخبط الذي تعرفه موريتانيا.
إذا والحالة هذه تأتي الأنظمة عادة لخدمة المواطن وليس العكس، تأتي الأنظمة و لديها برامج وسياسات و استراتيجيات سترفع من شأن المواطن عند تطبيقها. باختصار شديد ، تكون كل اهتمامات الأنظمة من المواطن و إليه، منه وإليه خدمة له وليس خدمة لنفسها، بل ليس خدمة لشخص واحد يكرس كل الصلاحيات وكل السياسات من أجله هو ، بل من أجل محيطه الضيق.
الناظر إلى أغلب المؤشرات و التقارير الدولية لا يفوته حال موريتانيا. بل دعك من التقارير الدولية التي وصفها أحد " البيادق " يوماً بأنها تتحامل على موريتانيا، موريتانيا التي يُنهكها يوميا بضرائبه و " مكوسه " التي لا تنتهي، دعك من ذلك وانظر لحال المواطن ، انظر لمعدل الفقر، انظر لمستوى المعيشة، وانظر لمستوى البطالة.
طلبت منك أن تراجع تلك المؤشرات والتقارير الجادة ، ولكي أختصر لك و أريحك من ذلك كله آتيك بالنتيجة، نحن في ذيل قائمة مؤشر الشفافية الدولية لمكافحة الفساد، في رأس قائمة الدول الأكثر فرضا للضرائب، من الدول الأكثر تطورا للدين العام خلال السنوات الأخيرة، ومن الدول الأقل تنوعا في الإقتصاد و من الدول الأكثر فشلا في إنشاء المشاريع و هو ما يعنى ضعف الحلول في حالة الأزمات الطاحنة.
و لما عرف العالم خلال السنوات الماضية انخفاضا ملحوظا في الأسعار وخفضت كل الدول المجاورة الأسعار، بقيت موريتانيا وحدها نشازا بين دول المنطقة ( تلك الدول التي لطالما افتخر البيادق بتفوقنا عليها كذبا وزورا بطبيعة الحال) ، انخفضت الأسعار عالميا وظن المواطن أن الأمور ستتحسن، لكن ما حدث هو العكس حيث زادت الأسعار في تحد واستهتار صارخين لحياة المواطن البسيط ومع ذلك ظل النظام يكرر مقولته المشروخة والكاذبة حينما يقول إن همّه هو " المواطن " بل إن " وَازِرَ " المالية بدأ يعدد مشاريعه الوهمية التي ستقفز بالدولة الموريتانية إلى مصاف الدول المتقدمة وفي الحقيقة لم يكن ذلك سوى إطالة و إشاعة للوهم الذي يريد أن يعيش فيه المواطن الفقير حتى لا يطالب بحقوقه التي تكفلها له كل " القوانين والدساتير ".
الأنظمة المسئولة تبحث عن حلول من أجل مواطنيها إلا أن النظام العسكري الحاكم - لقلة حيلته وعجز تفكير القائمين عليه - لجأ لأبسط الحلول، إنهاك المواطن وإفقاره حتى يظل في حالة بحث دائم عن قوت يومه وينصرف نهائيا عن مساوئ النظام و سلبياته – و ما أكثرها.
إن دور أي نظام يحترم نفسه و يحترم مواطنيه أن يبحث عن الحلول من خلال تنويع مصادر الدخل عن طريق خلق مزيد من فرص العمل الذي يتأتى من خلال استثمار القروض والديون التي يستدينها سنويا من هيئات التمويل الدولية في مشاريع مدرة للدخل وعدم الإعتماد على الضرائب التي يعتبرها الاقتصاديين البقرة الحلوب لأي نظام لا يملك أي حيلة لإسعاف نفسه حتى تتحسن الظروف الإقتصادية، بل إنه ظل يستدين ثم يستدين حتى أصبحت الاستدانة هي هدفه بحد ذاتها وليس الإستدانة لإيجاد الحلول وتحسين الإقتصاد، وعندما لا تفيد تلك القروض لأنها تذهب لجيوب مافيا النظام يلجأ إلى الضرائب، فيمكنك أن تلاحظ أن ميزانية السنوات الثلاثة الأخيرة تعتمد بشكل كبير جدا على الضرائب و على الهبات وعلى بيع أملاك الدولة ( المدارس العمومية في وسط العاصمة مثلا ) و ستلاحظ ألا مصدر آخر لتوفير الموارد المالية اللازمة لتسيير الشأن العام مثل بقية دول العالم التي تعمل على تنويع الإقتصاد حتى لا تجد نفسها يوما في وضع صعب مثل ما نعيشه اليوم والذي يراد للمواطن الضعيف فقط أن يتحمله.
أشرت سابقا أن الأسعار انخفضت عالميا و في " شبه المنطقة " إلا في موريتانيا، فظل المواطن الضعيف صامتا، وهو يعاين التضييق على قوته اليومي من خلال ضرائب يتحملها هو وحده في حين يرفل قادة الجيش و " البيادق " و أقارب الجنرال في سعة من المال لم يرثوها عن أب أو جد و مع ذلك لم يحرك ساكنا وإذا ما تجرأ في المواطن في أحسن الأحوال على رفض هذا الظلم يكون ضحية هجوم كلاب مسعورة مكلفة بحلب جيبه دون رأفة.
أما أن يزيد النظام العسكري في ضرائبه دون مراعاة " للوعاء الضريبي " (سيارة الأجرة، الحانوت، العربات المتجولة...) متجاهلين تناسب الضريبة مع الوعاء المتحمل لها ثم يبررون ذلك بأنه تطبيق للقوانين " قوانين الغاب " فذلك أمر لا يمكن أن يستمر لسبب بسيط وهو أن المواطن لم يعد قادر على التحمل وحان الوقت ليقول لا في وجه الجنرال وزبانيته فلقد تجاوز ثقل الضريبة بكثير ما يمكن أن يتحمله إذ إن تطبيق القوانين يجب أن يراعي ظروف المطبقة عليه.
إن نظاما لا يستطيع توفير بدائل على الأمد القريب و المتوسط والبعيد حتى لا يجد نفسه في وضع مشابه لما هو عليه الآن حريٌ به أن يخجل من نفسه و أن يترك المجال لمن هو قادر على خدمة المواطن بالشكل الذي يليق به بعيدا عن الكلام الفارغ والذي لا يوفر للمواطن ما يسد به رمقه.
إن الأنظمة العسكرية الانقلابية الفاشلة هي التي تلجأ للضرائب و لقمع المواطن الفقير لأنها لا تتوفر على أفق للتفكير يوفر لها حلولا في مواجهة الأزمات الطارئة التي تهدد كيانها، بل فقط تعمل على تكديس الأموال و تشييد العقارات و استثمار تلك الاموال في الخارج و عند أول أزمة يكون العنف هو الحل و في أحسن الظروف إذا لم يفيدها ذلك سيكون اللحاق بأموالها حلا مناسبا لأنه لم تعد قادرة على زيادتها في مثل هذه الظروف، ويبقى الفقير في مواجهة مصير مجهول تتقاذفه الأزمات والاضطرابات الإجتماعية.