تلتهب شوارع العاصمة الآن وتشتعل طرقها بالإطارات احتجاجا على قرار وزارة النقل الذي ينصّ على تغريم بعض المخالفات البسيطة.
كان فاتح مايو على موعد مع رفض السائقين لهذا القرار وبشكل عنيف وشبه شامل في العاصمة وقابل للتمدد في بقية الولايات إن لم تبادر السلطة وبشكل سريع من أجل مواجهة مأزقه.
نستنتج من هذه الاحتجاجات عدة أمور منها:
ضعف حاسة الشمّ عند إدارة الأمن؛فقد فاجأها كما فاجأنا إضراب السائقين وسرعة انتشاره؛فهي إلى حدّ الآن ما زالت عاجزة عن تشخيص الأزمة؛والبحث عن من يحركها؟؛وهل وراءه أطماع سياسية؟؛وما هي تلك الأطماع؟ ؛أم أنّ الأمر لا يعدو هبة شعبية عفوية تواجه خطرا داهما على قوتها؟.
لا نستبعد هذا الاحتمال الأخير فارتجال القرارات واتسامها بالفوقية وجهل الواقع وتهميش رأي المستهدف بها؛مما يؤدي إلى تشويه السلطة وإظهارها بمظهر الظالم المستبدّ؛سمة تطبع جميع قرارات إدارات وزاراتنا.
فقبل أيام قريبة حاولت سلطة التنظيم في مدينة كيفه فرض قرار تمّ تعليبه من سلطة التنظيم في انواكشوط بالتواطؤ مع نافذين ؛وبعد أسبوع من رفض تطبيقه والإضراب عليه ؛كانت النتيجة تلافي الموقف من طرف الوالي ولجم سلطة التنظيم عن تطبيقه؛وهذا يترتب عليه تبدد هيبة الدولة.
ونستنتج أنّ الوثائق المؤمنة صارت تحشر نفسها في كلّ ثقب من أجل التحصيل؛فمن بطاقة التعريف وورقة الازدياد وجواز السفر إلى إكنام والآن تحاول البطاقة الرمادية ورخصة السياقة.
وكما نلاحظ تركيز بؤر التوتر في هذه الاحتجاجات في المناطق الهشّة؛وركوب بعض المراهقين واللصوص لموجتها. ونستنتج أيضا أنّ المواطنين صاروا لا يخفون تضجرهم من كثرة الغرامات والضرائب التي تثقل كاهلهم بحقّ وبغير حقّ؛وخاصة أننا نعلم جميعا أنّ قوانين الغرامات لا يستفيد منها سوى المحصلين وأفرد الأمن الذين يجبونها؛وذالك برشوتهما مقابل ترك تكرار وقوع المخالفة.
هذه الاحتجاجات تكشف لنا أيضا ما تعانيه المعارضة من انفصام تام وانفصال بين همومها وهموم شعبيتها.
فالمعارضة تصرخ في كلّ بوق برفض تعديل الدستور وتحوير العلم؛وترى أنّ الدفاع عن الكلّ أولى ؛ والمواطن يصرخ من غلاء الأسعار وإجحاف الغرامات؛ويرى أنّ الدفاع عن الجزء أولى وهو سبيل سلوك لتحقيق الكلّ؛كأنّ لكل منهما ليلاه يغنّي بها.
فمتى تتصالح المعارضة مع ذاتها؛وترفع هموم شعبها؛ولو كانت شاة بفيفاء.