كذب العنصريون من أيّ شريحة كانوا وإنْ صدقوا ! / الحسن ولد امّانه

أيها الأحبةُ اعلموا أنه لا أمْن مع الظلم ولا ظلم مع الإنصاف ولا إنصاف بلا مُخاطلة للآخر زماناً يسمح بسبر أغْوار نواياه للوقوف علي حقيقة خِلْقته وسموِّ خلقه من دنُوّه ..

ولقد ساءني _ علِمَ الله _ ما قرأته وسمعتُه في الأحاديث الخاصة والعامة هذه الأيام من سبٍ وتخوين لشريحتيْ ^ لحراطين والزنوج ^ واتهامهما بالعنصرية المقيتة والحقدِ من أزْلام المخابرات العاوية ودهْماءِ بني وطني, فأعجزني أنْ أظلّ صامتاً كأنّي ما خبِرتُ القوم ولا عشت وإياهم علي بساط ..

إن شريحة لحراطين شريحة من أنْبل شرائح الجمهورية وأكثرها سلمية وحبا لهذا الوطن, فليسوا كباقي الشرائح ذات الانتماء الإزدواجي التي لا تفتأ ترنوا إلي جغرافيا المُنطلق وتحنُّ إلي أعراق ما وراء الحدود ..

إنهم أصبر القوم علي جور الأوطان وأكثر الشرائح ضبطا للذّات أوانَ الضيم .. فلو نظرت من منظور الحرطاني الذي يري أمّه أو أخته تعمل ^ بنْدانةً ^ وأباه يعتلي _ في أحسن حالاته _ عربة حمار غسقً كل صباح لكسب لقمة عيشِ حلال في دولة ثرية ثراء موريتانيا ثم لا يثور ولا يُصرع ضحوةَ كل يوم, لَعِلمتَ حجم فداحة الألم المكتوم ..

ويلقي ذا الغنَي ولهُ جلالٌ ** يكادُ فؤادُ صاحبه يطيرُ
قليلٌ ذنبه والذنبُ جمٌّ ** ولكن, للغنِي ربٌ غفور !..

نعم, أنت محقٌ فيما جانب مما جال في خاطرك الآن .. إنها ضريبة الجهل, ولكن أجبْني بالله عليك, هل حكم موريتانيا بعد العهد المدنيّ إلا سُلالة العسكر الجاهل ؟!..

هل جهل المرء ذريعة كافية لامتهان كرامته في وطنه وبين بني جلدته, ذريعة لإجباره علي أن يستحيل دابةً ناطقة لنقل البضائع بعد أن خلقه الله إنساناً سوياً به شلّال أحاسيس فيّاض ؟!..

من لم يُخالط لحراطين ويأكل وإياهم من ذات القدح ويبت رفقة رفاق من أطفالهم أيام الصغر, لا يحق له أن يحكم علي النوايا ولا علي خلجات القلوب ..

أمَا والله إنهم لأرقُّ أهل الجمهورية قلوبا وأكثرهم رحمة وأجودهم يداً وأقدمُهم أوان الكرب وأصبرهم أوانَ الحاجة وأطهرهم طعاماً وأنقاهم لساناً وأسعدهم بالضيف وأقربهم إلي الفطرة مَعاشاً ..

أيها القاطنون في البروج العاجية النافثون للجُمل المشحونة المسمومة, هل لا نزلتم إلي الأرض فأبصرتم حقيقة الأمور يا لَحاكُم الله !..

كل صعْبِ سوي المذلّة سهْلُ ** وحياةُ الكريم في الضّيْم قتْلُ

ولئن شاعت بين صنف من أبناء لحراطين خسيسة سطو ^ الجائع ^ ليلا, فلقد والله كثروا وتكاثروا في المساجد وفي البعثات الدعوية وزاحموا الذاكرين بالركب, فسَلْ عنهم أبواب المساجد وسل الصفوف الأولي وسأل المنابر ..

ولقد رأيتني فجر اليوم في أحد أكبر مساجد العاصمة وأوّلُ القادمين إليه خمسة رجال هم ثلاثة حراطين وزنجيان, فتذكرت ما كنتُ قرأت من تخوين القوم قبل المنام فازددت حنقاً علي هذه الكائنات العنصرية التي لا نعلم من أيّ سماء سقطت علينا ولا من أيّ أرض خرجت !..

والشيء بالشيء يُذكر ..

لقد قمت بزيارة لمدينة كيهيدي في الشهر الثاني من هذه السنة لأدرس اللغة البولارية, فوصلت المدينة بعيْد العشاء ولم أكن أعرف _ إذْ ذاك _ فيها أحدا فاتّجَهتُ إلي مبني المفوضية للمبيت, وبعد طول تحقيق وسمر أمّنوا لي مبيتا, وفي الصباح الباكر وأنا لا زلتُ أجلس في مكان صلاتي الْتفتَ إلي شاب شرطيٌ وقال وهو لا يزال في متّكئه قبل أداء الفريضة :

^ كت لك آن كط جيت ال ياسر من مدن موريتان, يغير ما كط شفت حد أفرق منك شغل, الهالبولار انظل كاع ... ^

لم يحترم الرجل البزّةَ ولا المكان ولا الحضور ولا التوقيت ولا احترم لي اختياري ولا كيف أري الوطن, فهوي بعد علوٍ وسقط من عيني بعد أنْ كنت أراه أحد حُماة الحمى ودعامة من دعائم الأمن والأمان ..

ومن حدّثتْهُ النفسُ بالغيّ بعدما ** تناهي إلي الرشد, سار علي بُطْلِ ..

ولكني حين اتصلتُ باتحاد نهضة ^ الهالبورلا ^ أو جماعة ^ بَمتاره ^ كما يُعرفون هناك, وجدت وجهَ مورتانيا الآخر الذي طالما بحثت عنه بين قسمات الوجوه الشاحبة .. وجدتُ ألْسنة وبيوتا مضيافة دافئة وقلوبا توّاقة إلي الأُخُوة مُحبة للمواطن والوطن, فطفتُ أتساءل :

كيف خرج بعض أولئك الذين يروّعون الناس في أزقة العاصمة من قوم هذه أخلاقهم وهذا نُبلهم ؟!..

فما وجدت للأمر جوابا سوي أنّ ما في العاصمة تعبير سحيٌ عن رفض تهميشٍ يرون أنه يُمارس عليهم من قبل شريحة بعينها, أو لعله من قبيل :

يقسوا الحبيبان قدرَ الحبّ بينهما ** حتي لَتَحسبُ بين العاشقين دمَا
ويرجعان إلي خمرٍ مُعتّقةٍ ** من المحبة, تنفي الشكّ والتُّهمَا

وما استفقت من مسبحة التساؤلات تلك إلا علي استضافة المهندس ^ Bocar Toure ^ لي في منزله بعد أنْ ربطني به مهندس آخر خرج من رحم إحدى الحرطانيات الماجدات ^ Jibril Abdellahi ^ ..

فأكرمتني عائلة بوبكر توري أيّما إكرام وهم الجاهلون كلّيةً بلغتي وأصلي وفصلي, لا يعرفون الحسانية ولا يتحدثون الفرنسية إلا وهي عليهم شاقة .. فلزمني ابنهم تِربي Thiatou Yayam ولزمته وأخته Coumba Diop متخذا منهما معلّميْن شهرا لم أرَ في وجهيهما ولا وجه أيٍ من أفراد العائلة مقتاً ولم أسمع لا في الجلسات الخاصة هناك في ضاحية ^ تولْده ^ ولا العامة منطقَ عُنصرية ولا نُظر إلي _ وأنا الغريب _ نظرة ريبة !..

أيها السادة إن العنصريّ هو الذي إذا أطلق ابنه الرصاص وعاث في الأرض فسادا, لا يسجن ..
العنصريّ هو الذي يوزع علي البائسين الأزر الفاسد ليجنيَ من خلال تسميم الأمعاء ربحا .. ولا أظنكم إلا تتذكرونه :

فهو ابنُ خَنَي وجلّاب المنايا ** متي يضع العمامة تعرفوهُ

العنصريّ هو الذي يُطبّل للفاسدين علي الهواء مشبّها موريتانيا باسويسرا .. وهو اليوم مدير لإذاعة الدولة !..
العنصريّ هو الذي تسبب في إفلاس شركة ضخمة بحجم شركة اسنيم, ولا هم يحزنون ..
العنصري هو الذي يأكل الأسمدة بروصو, ثم لم يمت ولا حتي يُسجن !..
العنصري هو الذي إن تُوفيَ ابنُه ترث اسويسرية أموال أحياء الصفيح ..
العنصري هو الذي تشتري زوجته المنازل في الخارخ بأموال جوعي الأحياء الشعبية ..
العنصريّ هو الذي يتقاضي الرشاوي من شركة كينروس مقابل تكتّمه علي استنزافها للثروة الذهبية ..
العنصري هو الذي أفسد البحر بعد البر ..
العنصريُّون هم أؤلئك الذين إن خالف أبناؤهم القانون وازدروا السلطات, تُغل ملفاتهم وكأن شيئا لم يكن !..

هجوتُهُ لا بالغاً لُؤمَهُ ** لكنّني كفْكفْتُ من غَرْبهِ
فلا يلومنّ سوي نفسهِ ** من سلّطَ الناس علي تلْبِهِ

مللنا السقْيَ والساقي ..

مللنا ضرب بعضنا ببعض لتبقي سلالة الفساد والإفقار علي رأس السلطة وتيّاهة ما بين مفاصل الدولة ..

وأيْمُ الله مللنا ..

4. مايو 2017 - 0:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا