نبذة عن حياة الشيخ سيديا (ديديا) بن الشيخ أحمدو بن اسليمان الديماني / أحمد ولد محمد ولد ديديا

هذه الترجمة أغلبها مستقى مما كتبه العالم و المؤرخ المغربي محمد المختار السوسي عن العالم والمجاهد الشيخ سيديا الملقب ديديا بن الشيخ احمدو بن سليمان الديماني عندما تعرف عليه إبان هجرته الى المغرب التي امتدت من الفترة من1903  إلى 1944..

و قبل أن نتحدث عن هذه الترجمة فإن الضرورة المنهجية تقتضي منا أن نقدم نبذة يسيرة عن حياة ديديا.
حياته : ولد ديديا سنة 1872م و توفي سنة 1944م الموافق ذي القعدة 1363هـ و قد عاش من العمر 74سنة و كانت هذه الحياة التي عاشها حافلة بالعطاء والتدريس والجهاد فقد درس العلوم الشرعية و اللغوية و نبغ فيهما مبكرا حتى ذاع صيته في بلاده موريتانيا و في مهجره المغرب، وسنعمد إلى تقسيم حياته إلى مرحلتين أساسيتين : المرحلة الأولى تبدأ من دراسته للعلوم الشرعية المدرسة في عصره على شيوخ أجلاء كأبيه الشيخ احمد بن سليمان و أخيه الشيخ سيد محمد و يحظيه بن عبد الودود و الشيخ معي ...و تفرغه للتدريس بعد ذلك و تأليفه لكتب عديدة نذكر منها على سبيل المثال مجلده الضخم الذي سماه (أزمة العلوم). كما ألف في موضوع قل التأليف فيه هو موضوع شرح ألفية ابن مالك حيث توجد له طرة على ذلك . و له أيضا تعليق على أبواب مختصر خليل و شرح لأسماء الله الحسنى و شرح قصيدة بانت سعاد و تأليف في المنطق و علم الكلام و الرد على من حرم الاشتغال بهما.. إلى آخره. هذه المكانة العلمية التي كان يحظى بها ديديا بين معاصريه تظهر جلية من خلال كثرة من ترجموا له وسنذكر منهم على سبيل المثال : ـ ترجمة المؤرخ المختار ولد حامدن في موسوعته الثقافية التي يقول فيها : " كان ديديا عالما صوفيا أديبا بكل معنى الكلمة أي أدب الأخلاق و الرواية و الإنشاء" . كما ترجم له من جهة أخرى الشيخ الطالب اخيار ولد مامين ولد الشيخ ماء العينين في كتابه :الشيخ ماء العينين، أمراء و علماء في مواجهة الاستعمار الفرنسي . كما قدم أيضا الباحث و الشاعر الفذ الشيخ الخليل النحوي نبذة عنه في كتابه المنارة و الرباط حيث أدرجه ضمن سفراء المحظرة الموريتانية في المغرب . كما ترجم له أيضا الدكتور يحيى ولد البراء في أطروحته حول الألفية. حتى أن بول مارتي تحدث عنه عند حديثه عن معركة اكجوجت التي تكبد فيها المستعمر خسائر فادحة و ذلك باعتباره أحد المشاركين الفاعلين فيها . و من شعره هذه القصيدة التي تعتبر بمثابة بطاقة تعريفية للمحظرة الموريتانية حيث ذكر فيها ما يدل على موسوعية المدرسة التقليدية وقد ترجمت هذه القصيدة إلى اللغة الفرنسية وكانت موضوع رسالة تخرج من المدرسة العليا للأساتذة (2005-2006): فَمَن لي بفتيانٍ كرامٍ أعزّةٍ== يَكونون أصحابي و أصحبُهم دهرا يَخوضون في كل العلومِ بفهمِهم== فَهذا بذا أدرَى وذاك بذا أدرَى؟ فمن كاتبٍ (قِفّاً) طويلاً وكاتبٍ== علومَ أصول الدين يجعلها ذُخرا ومن كاتبٍ (بانت سعاد) وكاتبٍ==(خليلي مُرَّا) أو (قفا نبك من ذكرى) ومن كاتبٍ (قِفْ بالديار) وقارئٍ==(أمن أم أوفى) أو (سما لك) إذ يَقْرَا وَمِن منشدٍ (بان الخليط) ومنشدٍ==(دعا باسم ليلى) أو (تذكرتُ والذكرى) ومن منشدٍ يشدو بأحسنِ صوتِه==(خليلي غُضا) أو (إذا مُضرُ الحمرا) ومن مُعربٍ يَرمي فيُعربِ كلْمةً== من البيتِ إذ يُرمَى ويسقط في الأخرَى فَمن قائلٍ هي اسمُ كان أو اسمُ لا== وَمن قائلٍ تلك اختصاصٌ وذا إغرَا ومن قائلٍ هي اسمُ فعلٍ وقائلٍ== لقد حَازَ هذا بِالمُجَاورةِ الجَرَّا ومن كاتبٍ علمَ البيانِ وشارحٍ== لكاتبه الإنشاءَ والحدّ والقصرَا ومن قارئٍ علمَ البديعِ ومُظهرٍ== لكاتبِه التدبيجَ واللفَّ والنَّشْرَا ومن كاتبٍ عكْسَ النقيضِ مكرّرً == لكيفيَّة الصغرى وكمّيَّة الكبرَى ومن كاتبٍ علمَ الحساب بخطّه== إذا خطّه قالوا له زِدْ هنا صِفرَا ومن حاملٍ (عَيْشاً) كثيراً لقومِه== ومن حاملٍ لحماً ومن حاملٍ تمرا..
المرحلة الثانية من حياته: يمكن تسميتها بمرحلة الجهاد و التمثيل الدبلوماسي هذه المرحلة كانت على شكل مرحلتين هي الأخرى: المرحلة الأولى كانت جهادا خالصا و قد امتدت من (1903 إلى 1930) حيث التحق هو و خاله الأمير سيدي ولد سيدي بفريق المقاومين للاستعمار الفرنسي بقيادة الشيخ ماء العينين وشاركا في كل المعارك التحررية، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التمثيل الدبلوماسي و تمتد من (1931 إلى 1943 ) و هذه المرحلة سنترك للحديث عنها شهودا من المغرب و هم أبناء الشيخ ماء العينين الذين حط الرحال عندهم خاصة في السمارة حيث أدرك الشيخ ماء العينين و أبناءه و حظي بإعجابهم و حظوا بإعجابه وهو إعجاب كان منقطع النظير و قد أورد الباحث الشهير الدكتور سيد احمد الأمير في صفحته ما يدل على ذلك حيث أورد شهادة العالم و المجاهد الشيخ أمربيه رب ولد الشيخ ماء العينين التي يقول فيها " كان الشيخ سيديا من أذكياء العلماء و الالباء و الأدباء فصيحا نصوحا له مشاركة في العلوم كلها و معرفة بغوامض عقدها و حلها و مهارة في خبايا حرمها و حلها يستعذبه المجالس و لا تمله المجالس" أما الشاهد الثاني فهو العالم و المؤرخ المغربي محمد المختار السوسي حيث يقول في بداية حديثه عن ديديا في كتابه المسمى المعسول الجزء الثالث ما يلي :" رأيت المترجم فائض الإيمان ناهض العزيمة عيوفا لا يستخذي لمذلة و لا يرضى بالهون ...". لقد كان علمه معه رحمه الله وسنورد هنا ما كتبه عنه المختار السوسي في المعسول ج 3 ص 26 – 28 فقال: انه زار يوما مدرسة " تانكرت" بالمغرب وحضر درسا للعالم المشهور سيدي محمد ولد الطاهر في الاستعارات فكان يتجاذب معه الحديث في بحوث تتعلق بما اعتاص من مسائل الدرس و قد حضر هذه الدروس يوما من الايام الاستاذ الكبير ابوالحسن ولد عبد الله فجرى بحث في كلمة لغوية لم يستحضرها الحاكي فقال ابو الحسن بن عبد الله أيفتى و مالك بالمدينة ؟ يعني ديديا فكل الصيد في جوف الفرا فقام ديديا منشدا بيت البردة : أستغفر الله من قول بلا عمل لقد نسبتَ به نسلا لذي عقم ففتح تاء الخطاب يقصد بالخطاب الأستاذ أبي الحسن و جرى في يوم آخر بحث في لفظة (ألغ) هل تصرف او تمنع من الصرف فأتى ديديا ببيت السيوطي في الفريدة:
و ابن البلاد و القبيل و الكلم
على الذي تقصده كما رسم
و مقصوده ان لك صرفه و عدم صرفه و هكذا يكون علمه معه رحمه الله كما اسلفنا..
ومن شعره هذ الابيات التالية و قد جاء بها السوسي في نفس الترجمة يخاطب فيها صديقه و رفيق دربه المجاهد العالم الشيخ النعمة بن الشيخ ماء العينين و هي قصيدة طويلة جاء السوسي ببعض ابياتها التالية :
بنفسي بياضا نمقته بأحرف
يد صاغها الرحمن للبذل و اللثم
فما البحر يحكيها و إن عم نفعه
ولا السيف يحكيها لدى الحرب و السلم
و منه هذه الابيات التي يخاطب فيها بعضا من الالغيين و لعله كما يرى ذلك السوسي يخاطب ابا الحسن بن عبد الله:
لك المجد في هذي البسيطة ثابتا
ثبوت الرواسي حول ألغى الشوامخ
فقد فقت كل النشء وقت شبيبة
كما فقت في الآسنان كل المشايخ
و قال يهنئ العلامة سيد علي بن عبد الله يوم تزوج بنته العلامة سيد محمد بن الطاهر الافراني
شمس النسا أدركت بدر الرجال وقد
نالا بما اجتمعا عزا و مفتخرا
وليس هذا ينافي قول خالقنا :
والشمس لا ينبغي ان تدرك القمرا
فالشمس بنت فقيه العصر سيدنا
(عليّ) من بالمعالي كلها اشتهرا
سليل عبد الله القرح وارثه
في كل فخر و من للدين قد نصرا
ولايـنـاظرُهُ فـي مـجـــــــــــــده أحدٌ
ولـوعـلا النـيِّريـن الشمسَ والقـمـــــرا
والـبـدرُنجل أديب العصرشـاعـــــــــره
مـن فـاق فـي العـلـم والآداب مـــذ حضرا
السـيّد الطـاهـر الـبكريّ قـدوتـنـــــــا
مُحـيـي رفـات العـلا مـن صـيـته انـتشـرا
ومـن إذا قِيلـت العـــــــــوراءُ أو نُظِرَت
يغضُّ جـارحتَيْه ا لسمع والــــــبصرا
و قد مارس ديديا مهمة النقد الادبي على نظرائه من الشعراء في تلك المنطقة وقد اورد السوسي ذلك حيث يقول إنه انتقد الاديب سيد الطاهر الافراني على تركه للنسيب في شعره فقال له معتذرا الابيات التالية :
إن النسيب تركته متخلصا
للمدح لا عيا ولا تقصيرا
لكن ارى المدح الاهم و إنما
كان النسيب إلى المديح سفيرا
أيلام صب شفه فرط النوى
فنفى الرسول و اعمل التسييرا
ذا مذهب ولآخرين خلافه
و لكلها حجج فسل بي خبيرا
هذ اعتذاري للأديب السيد الـ
بكري و أرجو ان يكو ن عذيرا.
رحمه الله رحمة واسعة وأسبغ عليه عفوه ومغفرته.

6. مايو 2017 - 8:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا