إن في تونس لذكرى / الشيخ أحمد ولد البان

altأخيرا صدق شاعر تونس ظنه على شعب "الخضراء" فأراد الحياة التي رمز لها بقوله"إذا الشعب يوما أراد الحياة"..كأن الشعب التونسي الأبي ما عشق الحرية أي ما أراد الحياة مذ كان يطوي أجنحته على الضيم...لتهنك النبوءة الشعرية يا أبا القاسم!

فهذا شعب تونس الذي أهبت به ذات يوم أن "يجلو الليل ويكسر القيد" قد ثاب إلى رشده بعد شرود و وعرف أن هذا أوان الشد "فاشتد زيما"...ولم يدع الليل يلف بساتين الخضراء بـ"سواق حطم" أرخى سدول عنجهيته المتغربة عليها وأراد للشمس أن لا تتوهج على تناوير أزهار حقول سكرت بشعرك الثائر ذات يوم..ناسيا أن تلك الكلمات/الأغاني التي كنت تهديها لنسائم الصبح المتعثرة على محيا الحياة الناعسة في الشابية لم تكن إلا "عرائس من الشمع" دبت فيها الحياة لما أحرقت جسد"البوعزيزي" وكتب لها الخلود يوم حملتها الجماهير المنتفضة الغاضبة نداء ثورة ورؤية مستقبل..."تونس أرادت الحياة" كما كتب أحد الثوار. أحرق "البوعزيزي" جسده فكان فتيل الثورة التي "مكثت في النفوس ثلاثة عشرين عاما" تضرم لهيبها يوميات الاستبداد السياسي والتغريب الفكري..وظل بركانها الداخلي يلتهب لظى في نفوس أبناء تونس الأبية..وجاء ميقات ربك ثلاثون يوما ارتوت فيها الأرض بدم ثلاثين شهيد..وانبرت فيالق الشباب الغض والفتيات النضرات تطاعن أسواط القمع ورصاص الاستبداد..بصدور عارية ونفوس مدججة بعزيمة"التغيير"..انطلق المارد حمما من اللهب المقدس رجوما للمارد الحاكم فأدركه شهاب ثاقب فأسقط رمزيته الموهومة وصنميتة المتخيلة. اليوم رغم أنف الاستبداد في تونس..وكادت الثورة تبطش بشرفات القصر المنتصب على "قوائم من جوع المساكين"...فترجل تايلور عن صهوة كبريائه المزعوم يتودد "سلطة الجماهير" أن تمنحه حق الإقامة في أرض كان أمس يظنها تالد تركة أجداد يجري في أجسادهم دم من نور كأبناء آلهة الإغريق..ويسأل الثائرين أن يقبلوا منه توبة "خائف من شعاع السيف" وهو الذي كان التمادي في الظلم هجيراه..وكان كما قال إبراهيم بن المهدي يهجو الخليفة المأمون: صَدَّ عَنْ تَوْبةٍ وَعَنْ إخْباتِ وَلهَا بِالُمُجونِ والْقَيْناتِ لَيْسَ يَنْفَكُّ مَازِجاً فِي يَديِهْ خَمْرَ قَطْرَبُّلٍ بِماءِ الْفُراتِ ما يُبالِي إذا خَلاَ بِأبِي عِيسَى وَشَرْبٍ مِنْ بُدَّنٍ عَطِراتِ أَنْ يَغَصَّ المَظْلوُمُ فِي حَوْمةِ الَجْو رِ بِداَءٍ بَيْنَ الحَشَا وَالَّلهِاة تودد بن علي الجماهير التي تلذذ بترمضها في جحيم "الخوف والجوع" وأنينها في سجون"غرف العصافير"..كان بدعا من القول ما جهر به زين العابدين على أثير كان يعتقد أن انبعاث الأذان في أرجائه "تلوث صوتي"..."سأحاكم المسؤولين وأرد المظالم وأفتح الحريات"...آ الآن وقد عصيت قبل وكنت من الظالمين...لا..لا..لا. واصلت الثورة إضرام اللهب وازداد الهتاف بعد خطبة الثعلب المحاصر الذي حاول أن يغافل شعبه كما اعتاد..ولكن شب الشعب عن الطوق..فتسلل تايلور تونس متخفيا هاربا عن تونس الخضراء تماما كما تسلل ذات ليلة ليعلن نفسه رئيسا حاكما بأمر تجار الحروب والاستبداد العالمي...موليا ظهره لاستجداء شعب ظل زهاء ثلاث وعشرين عاما ينشد مجرد "الاعتراف بانسانيته"...رحل ينشد "ملجإ أو مغارة أو مدخلا" يحميه من غضب الشعب الذي هزئ بأناته طويلا و"خضب كفه من دماه" ".. ليستيقن الذين ظلموا الأمة أن عروشهم ستنهد وتزداد الجماهير المكبلة في زوايا الأرض إيمانا أن النضال طريق الطامحين إلى حق لا باطل فيه عدل لا استبداد معه. ستبرد ثورة الكرامة التونسية أكباد شعوب كثيرة في أقطار العالم العربي وتلهمها معنى "أن في الجماهير تكمن المعجزات" كما ستبكي ذات الثورة آخرين كابن علي ينتصبون دمى محنظة على كراسي منتفخة بخوف وجوع وعري شعوبهم المغلوبة على آمرها..لقد أعادت الثورة التونسية للإنسان العربي كرامته المسلوبة وإنسانيته المهدرة.. ثورة تونس ستبعث الروح في كل شيء...لكن هل بكل قطر عربي "بوعزيزي" سيقطع الشريط الناري للهب الشعب المستعر في الصدور؟.

15. يناير 2011 - 15:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا