التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير(ح1) / د.يربان الحسين الخراشي

بمناسبة القمة العالمية التي ستعقد في بكين عاصمة الصين  يومي 14 و15 مايو الجاري حول مبادرة " الحزام والطريق " أو إحياء طريق الحرير البري والبحري، أضع بين يدي القارئ الموريتاني الكريم  (والعربي على وجه العموم ) سلسلة مقالات تحت عنوان "التقارب الإسلامي الصيني مفتاح إعادة إحياء طريق الحرير " وذلك إيمانا مني بأن التعارف المتبادل مفتاح التعاون الناجح، وسوف تغطي هذه المقالات الجوانب التاريخية

 والثقافية والتجارية والاقتصادية والسياسية للمبادرة.

يرجع بعض المؤرخين تاريخ طريق الحرير إلى حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، وهي عبارة عن مجموعة من الطرق غير المترابطة غالبا كانت تسلكها القوافل بهدف التجارة، وتذكر المصادر التاريخية الصينية أن اكتشافها تم سنة 138 قبل الميلاد على يد تشانغ تشيان (Zhang Qian) رسول الإمبراطور السابع لمملكة هان الغربية (206 ق م- 25 م)  إلى Da rouzhi( قبيلة من شعب الهنود الأوربيون البدائيون) وهي إحدى المماليك ستة وثلاثون التي كانت  تستوطن المناطق التي تقع غرب مملكة الهان آنذاك ( شينجيانغ وآسيا الوسطى حاليا)، وذلك من أجل ربط حلف عسكري معها ضد أعداهم التقليديين شعب الهون، الذين كانت حربهم مع مملكة هان في أوجها، لكن استراتيجية الإمبراطور ليو تشي (Liu Che) العسكرية الرامية إلى تطويق قبائل شعب الهون بائت بالفشل، وقضى على أحلامه في بسط نفوذه على سهول آسيا الوسطى وإبعاد خطر قبال الهون المحاربة بعد أن قضى 40 سنة من حكمه الممتد ل 54 سنة في حرب كر وفر معهم .

وخلال القرن الأول الميلادي سنة 97 م بعث الملك الرابع لمملكة هان الشرقية (25 م – 220 م) رسوله غان يينغ (Gan ying)إلى روما الذي ذكرت المصادر التاريخية الصينية وصوله للخليج العربي والعراق، وربما يكون أول صيني تطأ أقدامه بلاد العرب، هذه الرحلة على الرغم من عدم وصولها إلى روما لكنها عززت فتح  الطريق الذي يربط بين تشانغآن العاصمة آنذاك (مدينة شيآن الحالية بمقاطعة شنشي) وبين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والذي عرف باسم "طريق الحرير"، وفي عام 166 م وصل مبعوث الإمبراطورية الرومانية إلى مدينة لويانغ (عاصمة  مملكة هان الشرقية)، فيما يعد أول تبادل دبلوماسي  بين  الغرب والصين.

كما ذكرت بعض المصادر التاريخية الصينية وصول رسول ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 651 م إلى مملكة تانغ الصينية (618 م -907 م)  أثناء حكم إمبراطورها الثالث لي  تشي (Li zhi)،وقد سمح الملك الصيني  للمسلمين من عرب وفرس بممارسة  التجارة والإقامة في الصين، بل حتى التقاضي وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، وذلك بعد ما لمس التشابه الكبير بين قيم الدين الإسلامي الحنيف، وقيم الثقافة الصينية التقليدية خاصة كونفوشيوسية ، والتي كانت العمود الفقري للثقافة الصينية آنذاك، وهذا ما سمح بتعزيز التجارة عبر طريق الحرير خاصة  تجارة الحرير الذي كان يستخدم  كعملة بدل العملة النحاسية الملكية في المناطق الحدودية.

خلال منتصف القرن الثامن ميلادي، وفي ظل القلاقل التي صاحبت نهاية حكم الأمويين (662-750)
أستغل الصينيون الفرصة وتوغلوا غربا وتمكنوا من إخضاع بعض المناطق المهمة الخاضعة لنفوذ الخلافة، ويعكس حجم الإنفاق العسكري الصيني آنذاك حجم  تلك التوترات العلنية، حيث تذكر بعض المصادر الصينية أن إنفاق مملكة تانغ الصينية على قواتها المرابطة على ثغور آسيا الوسطى قفز من 2 مليون قوان سنة 713م (guànقوان سلسلة لربط النقود على شكل تسبيح وتحوي ألف قطعة نقدية ) إلى 10 مليون قوان سنة 741 م، و 15 مليون قوان سنة 755 م، ويشكل هذا المبلغ نصف إجمالي إيرادات مملكة تانغ آنذاك البالغ حوالي 30مليون قوان.

لكن ذلك لم يمنع الخلافة من خوض المعركة التي غيرت وجه التاريخ، وذلك بعد استتباب السلطة للعباسيين،  حيث زحف الجيش العباسي بقيادة زياد بن صالح رحمه الله بينما تولى قيادة الجيش الصيني القائد الكوري القومية قاو شيان تشى (Gao xianzhi) ، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للجيش الصيني حوالي 30 ألف بين قتيل وأسير حسب بعض المصادر الصينية.
وقد كانت هذه الحرب نقطة تحول مهمة جدا في تاريخ آسيا الوسطى، وربما التاريخ العالمي، حيث أنها المعركة الوحيدة بين أقوى دوليتين آنذاك، والمعركة الوحيدة أيضا بين العرب والصينيين ومن نتائجها :

(1) -  قتل الحلم الصيني في السيطرة على آسيا الوسطى  ونهاية نفوذها وتواجدها العسكري هناك؛
(2) - تقويض تجارة الحرير وانحسار ازدهار التجارة عبر طريق الحرير  ؛ 
(3)  - خروج تأثير الثقافة الصينية من آسيا الوسطى  إلى يومنا هذا؛
(4)  - زيادة أواصر ارتباط العرب والشعوب التركية و انصهارها وتمهيد الطريق لدخول كافة شعوب آسيا الوسطى في الإسلام؛
(5)   - كانت السبب المباشر للقلاقل التي بدأت تنتشر في أرجاء الامبراطورية الصينية خاصة الحرب الداخلية على السلطة التي بدأت 755 م والمعروفة في التاريخ الصيني با (an shizhiluan) التي يعتبرها المؤرخون بداية انهيار امبراطورية تانغ العظيمة.
لكن أهم نتيجة  لهذه الحرب في اعتقادي هم الأسرى الصينيين الذين عن طريقهم تم نقل الاختراعات الصينية الأربعة القديمة ( صناعة الورق وفن الطباعة والبوصلة والبارود)، إلى العالم العربي وخاصة صناعة الورق حيث تم تأسيس أول مصنع للورق في بغداد سنة 794 م، ومن عاصمة الرشيد تم نقل أسرار صناعة الورق إلى كل من دمشق، والقاهرة ثم، الأندلس ومنها إلى أوربا، وهذا ما يرشح صناعة الورق أن تكون المساهمة الصينية في بزوغ العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

تاريخيا فشلت الصين في بسط سيطرتها عسكريا على آسيا الوسطى رغم إنفاقها نصف إيراداتها في سبيل تحقيق ذلك، فهل يتحقق الحلم الصيني  في بسط نفوذها ولو تجاريا واقتصاديا ليس فقط على آسيا الوسطى فحسب بل وحتى على الشرق الأوسط مصدر الطاقة العالمي بعد ما أصبحت تمتلك موطئ قدم متقدم، أو عينها على العرب ميناء جوادر الباكستاني المطل على بحر العرب، والذي تملك حقوق تشغيله 40 سنة؟
وهل ستنقل قطارات طريق الحرير الجديد الصناعات التكنولوجية المتطورة إلى العالم العربي كما نقلت قوافل الجمال عبر طريق الحرير القديم  الصناعات الصينية القديمة؟  وذا كانت سهول آسيا الوسطى منطقة نزاع على طريق الحرير القديم فأين ستكون منطقة النزاع القادمة ؟

يتواصل إنشاء الله

 

8. مايو 2017 - 15:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا