لا حديث يعلو اليوم في البلاد العربية على فوز ماكرون الشاب بالرئاسة الفرنسية. فالكل في عجب من تمكن ماكرون البالغ من العمر 39 عاما فقط من الوصول لرئاسة فرنسا، الدولة النووية والصناعية والمستعمر السابق لكثير من البلدان العربية. ومصدر العجب هو المقارنة غير الواقعية التي يقوم بها الشباب العربي. فهم ينظرون إلى ما وصلوا إليه محليا ويقارونه بما وصل إليه أقرانهم في دول الغرب.
لكن بنظرة سريعة سنعرف أن فوز ماكرون بالرئاسة شيء طبيعي ولا يحمل أي عجب، وليس ماكرون وحده، بل هناك كثير من المواطنين في الغرب وصلوا إلى قيادة بلادهم وهم في سن الشباب، وأيضا مناصب قيادية رفيعة في الأحزاب والحكومات والبرلمانات والمؤسسات في القطاع العام والخاص.
لماذا يقود الشباب في الغرب؟
يقودون لأنهم وجدوا دولة تسهر على تعليمهم وترعاهم وتساوي الفرص بين كل مواطنيها بعدل. هذا هو كل ما في الأمر.
وسأعطيكم مسار حياة شاب عادي في دول الغرب، فقد درست معهم وعايشتهم وعملت معهم. ومن هذا المسار فإنه من الطبيعي جدا أن يصل كل شاب طموح إلى القمة في سن مبكر.
الخطوات الأولى
من أول ما يبدأ الطفل في الغرب بالذهاب للمدرسة، يبدأ معه غرس الهمة والطموح. فهم لا يتوقفون عند جودة التعليم، بل يحفزون الطفل وهو في الصغر ليكون في خياله صورة طموحة لما يريد أن يكون عليه مستقبلا.
في المدرسة
يتلقى الطفل عندهم مختلف العلوم على نحو علمي ومنهجي وتطبيقي، وبلغته الأم فقط حتى يستوعبها ويفهمها جيدا.
الباكالوريا
في سن الثامنة عشر يحصل عليها التلاميذ عندهم عادة.
التعليم الجامعي
سيدخل الطالب الذي أصبح ناضجا ومستقلا بحياته غالبا في تعليمه الجامعي مباشرة بعد الباكالوريا، ولن يضيع أي وقت في تعلم لغة أجنبية لكي يدرس بها، حيث أن بلده يدرسه فقط بلغته الأم التي تسهل عليه استيعاب كل شيء وبسهولة متناهية.
بعد ثلاث سنوات سيأخذ شهادته الجامعية الأولى والتي يمكن أن يعمل بها مباشرة كمهندس مثلا إن كان درس العلوم التقنية.
وإذا شاء أكمل تعليمه فحصل على الماجستير بعد سنتين، والدكتوراه بعد ثلاث أو أربع سنوات.
إذن على أقصى تقدير سينهي دراسته كدكتور وعمره لا يتجاوز 27 سنة.
الآن لنطبق هذا المسار الطبيعي على شاب ذكي وطموح وهؤلاء كثر في كل مجتمع بطبيعة الحال.
هو شاب يضع لنفسه خطة وأهدافا يريد بلوغها في حياته، فبعد أن يصبح عمره 21 أو 23 سنة يكون قد حصل على وظيفة جيدة تدر عليه دخلا كبيرا، وسيتطور في الوظيفة مع الوقت ويزيد دخله. بعد خمس سنوات سيصبح عنده بيت وسيارة فاخرة ورصيد معتبر في البنك. وإن كان ممن يقدرون تكوين الأسرة والاستقرار فسيكون عنده حتما زوجة وربما ابن أو اثنان.
إذن فقط في عمر 26 أو 27 سنة وصل هذا الشاب إلى هذا المستوى.
الآن لنفترض أن لدى هذا الشاب طموح سياسي وأنه مع ذكائه مفوه (في كل مجتمع توجد نسبة معتبرة من المفوهين الأذكياء). في هذه الحالة سيكون طبعا قد انتمى إلى شبيبة الحزب الذي يوافق أفكاره قبل أكثر من عشر سنوات. أو ربما ينتظر الفرصة المواتية لتكوين حزبه الخاص أو حركته السياسية في مرحلة ما من العمر. إذن هو سيتطور مع الوقت وسيصل في النهاية إلى مناصب قيادية كبيرة وربما قيادة بلده بأكمله.
وماكرون ليس هو الوحيد الذي وصل إلى هذا فهناك
الهنغاري فيكتور أوربان الذي أصبح رئيس وزراء بلاده عام 1998 وعمره 35 سنة.
والبلجيكي تشارل ميشل الذي أصبح رئيس وزراء بلاده عام 2014 وعمره 38 سنة.
واليوناني آلكسيس تسيبراس الذي أصبح رئيس وزراء بلاده عام 2015 وعمره 40 سنة.
والأكراني فولوديمير غروسمان الذي أصبح رئيس وزراء بلاده وعمره 38 سنة.
والكندي جاستين ترودو الذي أصبح رئيس وزراء بلاده وعمره 43 سنة.
والإيطالي ماتيو رزني الذي أصبح رئيس وزراء بلاده عام 2014 وعمره 39 سنة.
وغيرهم من أمثال ديفيد كامرون في بريطانيا ومواطنه توني بلير والاسباني فيليب غونزاليس وحتى إلى تيودور رزفلت بداية القرن العشرين في أمريكا مرورا بمواطنه جون كينيدي.
أن يكون الشباب قائدا في الغرب فهذا أمر طبيعي جدا ولا أحد هناك يفاجئه هذا. ولكم أن تطلعوا على هذه الإحصائية عن البرلمان الألماني المنتخب عام 2013.
فستة من أعضائه انتخبوا وأعمارهم بين 26 و27 سنة.
و28 انتخبوا وأعمارهم بين 28 و32 سنة.
و46 انتخبوا وأعمارهم بين 33 و37 سنة.
و73 انتخبوا وأعمارهم بين 38 و42 سنة.
هم شباب يقودون لأنهم وجدوا تعليما صالحا في بلدهم، حيث يتعلمون بلغتهم الأم فيستوعبون بها شتى أنواع العلوم، ولا تبخل عليهم بلادهم بمال لتطوير مناهج التعليم وجعله مجانا وحقا مكفولا لكل مواطن. ثم بعد ذلك تساوي بينهم في الفرص وفي الولوج إلى الوظائف، سواء ما كان منها في القطاع الخاص أو العام.
ولست هنا بصدد ذكر حالنا في بلداننا العربية فالكل يدرك الواقع، ولا أريد أن أوقظ أوجاعكم. دمتم بخير وجعلكم الله قادة لبلدانكم تنشرون فيها العدل والازدهار.