مؤسسة الجيش والشرطة في أي بلد من العالم لها وظائف متعارف عليها ومحددة جدا، مثل الدفاع والأمن، وفي البلدان التي توجد فيها الصناعة الحربية كأمريكا، روسيا .. إلخ، على سبيل المثال يكون للجيش دور اقتصادي، لكن مما هو معلوم أن الجيوش في النظم الديمقراطية لا تقوم بالانقلابات العسكرية، ولا تحكم الدول أو تمارس السياسة أو التجارة وما إلى ذلك.
بتعبير آخر، هناك جيوش وطنية غايتها وهدفها خدمة المؤسسات: الدولة، المجتمع، المواطن البسيط، وليس الأنظمة السياسية، لأن هذا النوع من المؤسسات العسكرية يتحرك في فضاء حر مضبوط بالمؤسسات والقواعد القانونية والديمقراطية وليس مزاج الحاكم الفرد الذي لا حدود له وسعيه في اشباع رغباته وفضوله من عبودية الآخرين.
الجيوش الديمقراطية، جيوش حرة، إذ يستحيل أن يطلق عليها صفة ديمقراطية من دون أن تكون حرة، وغني عن الذكر القول باستحالة ديمقراطية من دون حرية، فلا ديمقراطية إلا بحرية، كما هو الحال بأنه لا وطنية من دون حرية، طبعا هذا الشرط يعود إلى الديمقراطية الاغريقية في أثينا عندما كان يستبعد من حق المواطنة غير البالغين والنساء والأجانب والعبيد .. هذا النموذج في القرن الحادي والعشرين يلائم ديمقراطية أربعة أشخاص أو خمسة اشخاص جاؤوا إلى السلطة بطرق غير ديمقراطية، ويمارسونها الان بنفس الطرق والوسائل. الأكيد أن المجال هنا ليس للحديث عنها وإن كان من الواجب الحديث عنها. الديمقراطية الاغريقية كانت ديمقراطية المواطنين بمعيار أهل أثينا، أي ديمقراطية البالغين والنبلاء والاشراف، وهذه أكثر ديمقراطية من ديمقراطية أربعة أشخاص أو خمسة أشخاص والباقي عبيد.
شعار المؤسسات العسكرية الديمقراطية، الوطنية، الحرة، كما هو معلوم في أي بلد: الجيش في خدمة الوطن، الشرطة في خدمة المواطن، بل إن الأمر لا يتعلق بشعار مزيف ـ كما توحي دلالة شعار ـ وإنما بعقيدة وأيديولوجيا ينشأ عليها أفراد المؤسسات حتى تصبح عادة وسلوك يستحيل أن يعبث بها ديكتاتور مغمور بنشوة انتصاره على إرادة الشعب بالقوة. مهمة المؤسسات العسكرية الديمقراطية مهمة وطنية في خدمة الوطن والمواطنين والدولة وليس العكس مثل: التنكيل بالمواطنين وإهانتهم والعبث بالوطن، وتجويع المواطنين، وارتفاع الاسعار، والبطالة، وبشكل عام تنمية تنهب ثروة الأجيال من أجل استمرار نظام غير ديمقراطي تنذر بخراب الدولة.
صحيح أن معيار النظام غير الديمقراطي في النجاح، هو قدرته على زرع العداء بين المواطنين والجيش والشرطة وهذا أمر ليس بالجديد، وتحويل هاتين المؤسستين السياديتين لخدمة أغراضه الشخصية لا الوطن والمواطنين، وكذلك ينجح في أمر آخر لا يقل أهمية وهو تحويل المثقفين وأشباه ذلك إلى مكبرات صوت ينفخ فيها بلا روح ولا جسد. ذلك أنه ليس غريبا أن يكون النظام غير الديمقراطي لا يفارقه الخوف وفي حالة استنفار دائمة للحشد للفكرة السخيفة المتعلقة بأمن الدولة، فالمواطنون يشكلون دائما خطرا على الدولة، وإن كان الوارد هو العكس، وهو أن النظام غير الديمقراطي هو الذي يشكل الخطر على نفسه وعلى الوطن والمواطنين والدولة.
إن الكارثة الحقيقية هي أن يدفع النظام غير الديمقراطي المؤسسة العسكرية إلى عدم الديمقراطية، فتتحول من مؤسسة في خدمة الوطن والمواطن والدولة إلى مؤسسة/ شبح كاسر في خدمة ديكتاتور مغمور، تطارد المواطن العادي، تقمع، تضرب، تسجن، تقتل دون رحمة، بحجة أن المواطنين يشكلون خطرا على أمن الدولة إذا خرجوا للمطالبة بحقوقهم الديمقراطية، أو أنهم لم يأخذوا ترخيصا على ذلك من وزارة غير ديمقراطية وظيفتها الوحيدة هي كيف تخطط للتنكيل بالمواطنين. إن مهمة المؤسسات العسكرية الوطنية الديمقراطية هي الحياد في السياسة أولا، وثانيا، الانحياز للوطن والمواطنين والدولة، وليس لديكتاتور مغمور لا يعرف الرحمة وقد تقع ذات يوم فريسة له.