خطى الشعب المصري خطوات على "صناعة تاريخ مصري جديد"... وكثيرا ما فعلها الشعب المصري فهو صانع تاريخ بامتياز، ماضي الشعب المصري ماض مشرف، وتاريخه تاريخ ناصع، ولا يخدش في هذا الحكم تلك الفترات غير المضيئة في تاريخ هذا الشعب العظيم، فهو إثبات للقاعدة وتأكيد لها.
ومن تلك الاستثناءات غير المضيئة في حياة الشعب المصري هذه الفترة التي تلفظ أنفاسها الآن على يد الشباب المصري البطل، شباب "الأزمة" الذي ولد في حكم مبارك، وعاش في كبت وظلم وقهر، لكنه أراد الحياة وقرر توجيه البوصلة، وإعادة الأمة إلى سكة تاريخها المشرف، واستعد لدفع الضريبة بل قدم جزء كبيرا منها بالفعل خلال الأيام الماضية. تجربة الشعب المصري الطويلة في صناعة التاريخ تجعله مؤهلا للتعامل مع كل العقبات في مدخل العينة الجديدة من تاريخ مصر الحديث، وعلى رأسها ثلة الجيش وقادته العملاء، لقد احتاج "قادة" الجيش المصري للعودة إلى أمريكا لأخذ آخر التعليمات حول العمليات القادمة، وسبل مواصلة حكم العمالة والخيانة، "يحاول مبارك وسليمان وطنطاوي وعنان" إيقاف عجلة التاريخ لكن هيهات.. فعجلة التاريخ حين تتحرك لا تستطيع أي قوة في الأرض إيقافها. تجد الزمرة التي تقف في وجه الشباب المصري دعما قويا من الغرب ككل، وعلى رأسه الأمريكيين الذين يقدمون سنويا أكثر من مليار ونصف من المساعدات العسكرية للطغمة الحاكمة، ومن الإسرائليين الذين يجندون الطغمة كحرس حدود وكقائد لأنظمة العمالة العربية. لقد دفعت فجائية التجربة التونسية وتجاوزها كل الخطوط الغربية الحمراء، من خلال دحر حكم العمالة، وفرض شروط الشباب التونسي، ورفع سقف المطالب الشعبية بالديمقراطية والحرية، دفعت الأمريكيين والإسرائليين إلى استشعار الخطر مبكرا دون أن يعرفوا الأسلوب الأمثل لمواجهة الموضوع، وهو ما تجلى في ارتباك واضح في بعض محطات تعاملهم مع الحدث، وردود فعلهم على "صناعة التاريخ المصري الجديد"، وتجلى الارتباك أكثر في تأخر التعليق الأمريكي على الحدث، مع أن الفرعون المصري أرسل إليهم وزير دفاعه طنطاوي، لكن الإدارة الأمريكية قابلت عروضه ببرود يكشف عن ارتباك وعدم حسم لطريقة واضحة للتعامل مع الأحداث، قبل أن يقدم الأمريكيون بعد حين المضي قدما –بعيد زيارة قائد الأركان المصري عنان- في المحافظة على النظام المصري بأشخاصه أو بأشباههم في العمالة، لقد أرادوا أن تكون أسوأ الخيارات بالنسبة لهم أن تكون نتيجة ثورة الشباب المصري "تغيير مانع لكل تغيير في أرض الكنانة"، لقد قررت مع عملائها في مصر مواكبة مطالب الشعب المصري وتقليمها وتهذيبها وخفض سقفها قدر المستطاع، وعلى أن تظل تحت السيطرة في كل الخيارات. عربيا وجد فرعون مصر من يتضامن معه ويبدي الاستعداد للمساعدة، فقد تلقى اتصالا من الملك السعودي –ربما من أجل ترتيب منزل هناك إلى جانب زميله الهارب من تونس- وإضافة للملك السعودي تلقى الفرعون المصري اتصالات من محمود عباس "آغا" رئيس سلطة الوصاية الإسرائيلية في الضفة، والزعيم الليبي معمر القذافي الذي يرى فيه أفضل حاكم لمصر تماما كما كان "الزين" في تونس، وربما سعيا من هؤلاء لتفادي نفس المصير من خلال إيقاف النموذج في أرض الكنانة وإفشال التجربة المصرية، لقد بدأ الرؤساء العرب يتحسسون رقابهم وهي تواجه خناقا يضيق مع الوقت، ويدرسون الخيارات التي يبدو أكثرها وجاهة "ممارسة" السياحة في الفضاء لفترة قبل الحصول على "سجن" أخير، يقبعون في انتظار الموعد النهائي مع مزبلة التاريخ. تسعى شرذمة العمالة في مصر بفرعونها ونائبه ووزير دفاعه وقائد أركانه لتوريط كل أبناء المؤسسة العسكرية المصرية، وإدخالها في مواجهة مع شعبها، ودفعها للقضاء على مبرر وجودها، وهي الدفاع عن الوطن والمواطنين وليس مواجهتهم، تاريخ الجيش المصري مبشر حيث يثبت انحيازه في اللحظات الصعبة لشعبه، وتضحيته في سبيل حمايته وتحقيق خياراته، وتخلصه من "شلة العمالة والغدر"، وهو ما نتمنى أن نشهد هذه الأيام محطة جديدة منه هذه الأيام. لقد كشفت انتفاضة الشباب المصري حجم خيانة ثلة العمالة، فقد ظهروا وكأنهم في مواجهة عدوان دولي، ونشروا من الدبابات والطائرات ما يكفي لتحرير كل الأراضي المحتلة مصريا وعربيا، أظهرت الانتفاضة أن "الزمرة" حولت الجيش المصري العظيم إلى حام لكرسي العمالة والخيانة، وقزمت دوره الكبير والرائد في الدفاع عن الأوطان وحماية المواطنين إلى دور مليشيا شخصية، كل هدفها إطالة حكم العمالة والخيانة والغدر، لكن ماضي وحاضر ومستقبل الشعب المصري، وحجم تضحيات شباب الانتفاضة يقول إن الأحداث خرجت عن سيطرة الزمرة، وأن الجيش المصري لن يقبل التورط في مجازر شعبية ضد أهله ومواطنيه، وأن الشباب المصري استعد لدفع الضريبة قبل التحرك، وأن النموذج التونسي في طريقه ليصبح نموذجا عربيا في دول عديدة أولها أرض الكنانة... لقد فتح الشعب التونسي العظيم صفحات تاريخية عربية جديدة، وقد اقتربت الصفحة المصرية من الاكتمال... فلتستعد الشعوب العربية فصحف التاريخ الجديد المشرق في طريقها إليه...