أعيش كأي إنسان عربي الهوية موريتاني الجنسية ، حوارا ساخنا للغاية داخل جسمي ، يجري بين ضميري وعيني ، يحاول الأول من خلال فطرته وما وعى من أقوال الحكماء والعلماء والعظماء إقناع عيني الشاخصة في الواقع المتردي أن ترى منه المفترض وما ينبغي أن يكون ، فيما تحاول هي الأخرى إقناعه برؤية الواقع على حقيقته والبعد عن التحليق في الهواء :
قال ضميري : أخلاقنا ذواتنا ، وقالت عيني : موضتنا ذواتنا.
قال ضميري : الحياء من الإيمان ، وقالت عيني : الحياء تطرف صاحبه يهان.
قال ضميري : السفور باب لكل شر ، وقالت عيني : السفور موضة تنتشر.
قال ضميري : إن ما الأمم الأخلاق ، وقالت عيني : إنما الأمم حريات بلا وثاق.
قال ضميري : الصدق منجاة والكذب مهواة ، وقالت عيني : الصدق باب الاعتقالات والكذب مفتاح الحريات.
قال ضميري : العدل أساس الملك ، وقالت عيني : الظلم أساس الملك .
قال ضميري : الظلم من شيم النفوس ، وقالت عيني : من لا يظلم الناس يظلم.
قال ضميري : القناعة كنز لا يفنى ، وقالت عيني : القناعة ذل وضعف هنا.
قال ضميري : النخوة وسام شرف منير ، وقالت عيني : النخوة ماتت منذ زمن غبير.
قال ضميري : المروءة أخت الدين ، وقالت عيني : المروءة طبع بداوة متين.
قال ضميري : الاحترام باب المودة والغفران ، وقالت عيني : الاحترام ضعف ونقصان.
قال ضميري : من غشنا فليس منا ، وقالت عيني : من غشنا فقد ساسنا .
قال ضميري : حد العدل أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه ، وقالت عيني : حد العدل أن تأخذ لنفسك الواجب وتمنعه.
قال ضميري : حد الكرم أن تعطي من نفسك الحق طائعاً وتتجافى عن حقك لغيرك قادراً ، وقالت عيني : حد الكرم أن تعطي بعض الفٌتاة لغيرك كارها ، وتسلبه منه إذا هو غاظك كرها.
قال ضميري : ما ترينه خلاف ما من الحكماء أسمع ، قالت عيني : ليس من رأى كمن سمع .
قال ضميري : سأظل نابضا ومنظرا مادام في جسمي روح ، قالت عيني : وسأبقى أرصد كل كبيرة وصغيرة تغدو وتروح.
ولم يستطع أيا منهما إقناع الآخر ، ذلك أن الحوار سيظل مستمرا مادام جسمها في عالم الحياة ، ولربما ــ ومن يدري ــ ينتصر الدهر لأحدهما ، فمتى سيكون ذلك؟، سؤال قد تجيب عنه السنين أو العقود القادمة إن كان في العمر بقية.