الدستور- في الأعراف الدولية- هو الوثيقة السامية،والأساسية لقيام الدولة الحديثة وهو بمثابة العقد الإجتماعي والسايسي الذي يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين ،ويُعد غياب الدستور أو عدم احترامه علامة فارقة لانهيار الكيان السياسي وقيام النزاعات وانتشار الفوضي وصولا إلي الحروب والفتن ،ولعل ما يجري في دولنا العربية (سوريا،ليبيا،العراقـ،اليمن،الصومال )
يرجع في أساسه إلي غياب دستور توافقي يحتكم إليه الجميع .أما الدول الصتاعية في أوربا وأمريكا والعالم فهي قوية ومتقدمة بدساتيرها المغروسة في وعي شعوبها والمتأصلة في أعماق تاريخها وثقافتها .فكيف لايفهم البعض خطوة مجلس الشيوخ في رفض التعديلات الدستورية غير التوافقية؟ وما أهمية تصميم بعض أعضاء المجلس علي المضي قدما في رفض تلك التعديلات؟
لا نجادل في أن بلادنا لاتزال دولة نامية ومتخلفة في مجالات التنمية كافة، لكن مسيرة المجتمع والدولة تكشف أبعادا مهمة في شخصية الإنسان الموريتاني:
1- جيل الإسقلال :
كلنا يعرف أن موريتانيا لم تكن لتكون جمهورية إسلامية ذات سيادة إلا بفضل ذكاء أبنائها وجهودهم الواعية وبصيرتهم المتقدة وحنكتهم السياسية ، فكل المعطيات الموضوعية كانت ستذهب بنا إلي أحضان دول مجاورة تمتلك وقتها المقومات الكافية لضمنا إليها ، لكن روح المبادرة وقوة العزيمة لدي جيل الإستقلال وعلي رأسهم: أبو الدولة الحديثة ومؤسسها المرحوم الأستاذ المختار ولد داداه أبت إلا أن تنتفض لمجتمع البادية وتحقق حلم أبنائه في دولة مستقلة ومحترمة .
2- الخروج من مأزق الحرب :
نتذكر كذلك - بشيئ من الإعتزاز- الضباط والجنود الشرفاء الذين تدخلوا في وقت مناسب لإنقاذ البلاد من مأزق وضعتها فيه ظروف دولية قاهرة أدت إلي الإقتتال مع الأشقاء وتحمل أعباء حرب لاطاقة للبلد الفتي بها .
3- انتفاضة الشيوخ:
لعل التاريخ سيسجل - بذات الأهمية - المواقف الشامخة لأعضاء الغرفة العليا في البرلمان الموريتاني الذين تصدوا ويتصدون بحزم لمحاولات هدم أسس بناء الدولة ومرتكزات وجودها والضمانة الأساسية لبقائها ووحدتها واستكمال مسيرتها المتعثرة منذ عقود .
إن دفاع مجلس الشيوخ عن الدستور نابع من تلك القناعات الواعية والمسؤولة،وهم يسلكون في رفضهم للتعديلات الدستوريه نفس المسار التاريخي لتضحيات الشرفاء من أبناء هذا البلد، ويحققون لديمقراطيتنا الناشئة مكاسب كثيرة بأدائهم السياسي وحنكتهم وثباتهم ،وعلي القوي الحية في البلاد أن تفهم أهمية ما يقومون به خدمة للمجتمع والدولة وليس شئا آخر.