كتب السجين الموريتاني السابق : محمدو ولد صلاحي في مذكراته " يوميات اغوانتانمو " : تمر الأيام طويلة وكئيبة خلف القضبان ، وأكاد لاأشعر أن الزمن ينقضي ... أوقاتي هي مزيج من ظلام وألم مستمر ... أماعن التعذيب الذي كنت أتعرض له فحدث ولاحرج "...
إنه واقع مألم عاشه إنسان الكرامة والإباء ، سفير الإنسانية والكبرياء ، ومن عجب الأيام أن تسعى حكومة في إطلاق سراح فرد من معتقليها
وتسجنه في داخل وطنه ، ليكون أول سجين في بلده كما هي الحال خارجه ، ولله در الشاعر الدكتور : ادي آب إذيقول :
فإن يحبس يمت كمدا. فكيف الحر إن يهن
حياة دون ٠٠٠ حرية ممات الروح والبدن
وأصعب مايكون أذى. سجين الخوف والظنن
فقل لي يابن صلاحي. وكيف تقول واحزني
وأنت تعود من سقر تجر مواجع الزمن
تفتش عن يدي أم. ويا ،،،،، للأم لم تبن
تفتش عن حمى وطن أضاعك يالفتى الحسني!
تغيرت الوجوه هنا لطول السجن والمحن
وأوجه ظلمك القاسي. بمل ء السر والعلن
فمن وطن إلى سجن ومن سجن إلى وطن .
تلك هي حالة الأسطورة الموريتانية التي جرى معين قدومها يوم الفرح الأكبر : المهندس محمدو صلاحي الذي أفرج عنه يوم : الإثنين :17 — اكتوبر : 2016 م ، واستقبلته حكومته بكل فرح وسرور ، وكادت أن تعتذر له بعدم الملاحقة والمتابعة والتقصير في الطريق ، إلا أنها لم تبح بذالك ، إذمازالت تداينه وتكبله ، بدلا من أن يشجنها الماضي ودجنته الكليلة ، وتتبع السيئة بالحسنة ؛— وإتباع السيئة بالحسنة يمحها — ، وتفرش طريق الرجل بورود الحرية والإنعتاق ، تجسيدا لجهودها التي فاهت شفاه مهرتة بأنها السبب الرءيسي في عودة صلاحي إلى أرضه ، وانتزاعه من قبضة الآمريكيين ، إلى غير ذالك من غثاء أقوال قامت على أصحابها بينة مالم يتسنى عليه برهان يقبله العقل ، ويعضده الواقع الذي هو " قوال " اليوم بأن الدولة الموريتانية مازالت تمارس عكس ماحدت به أجهزتها الأمنية ووسائلها الإعلامية ، ورجالاتها السياسيين ، وهرمها السالف الذي أركبه خطر الجو وأسكنه خلوة الفكر والثقافة ، على متن إحدى الطائرات التي تنقله من مكان لآخر ، حتى استقر بها النوى في معتقل " اغوانتانمو" السيء الصيت في أقصى الجنوب الشرقي من جزيرة " كوبا " ، حيث عاش هناك أحلك الظروف وانفرطت مكابحه ، وانشطرت حياته نصفين بعد فاجعة والدته التي شكل فراقها الحزين شعلة من المآسي والأتراح ، حملت في ثناياها قسوة الرحيل ومرارة الوحدة وفقدان الحبيبة والأخ والإلف والأحبة والوطن ..
إنها الصورة البانورامية تلتقط كل أبعاد اللحظة الشعورية الأليمة ، بعدسة حولها صاحبها من جحيم زنزانته الإنفرادية إلى مداد لتقول " انتابني شعور رهيب عند ما وضعوا في أذني سدادات شبيهة بسماعات الأذن ، ظننت أنها طريقة أمريكية جديدة لامتصاص المعلومات من الدماغ وإرسالها مباشرة إلى كومبيوتر رءيسي لتحليل المعلومات ، لم أكن خائفا مما يمكنهم امتصاصه من دماغي ، لكني كنت خائفا من الألم الذي قدأعانيه خلال الصدمات الكهربائية ، كان الأمر مخيفا فحين ينتابك الخوف لاتعود أنت أنت ، بل تصبح طفلا صغيرا مرة أخرى ." ...
فالواقع أن الدولة الموريتانية لم تأد واجبها تجاه من قص أقسى القصص على مسامع عدو يقول بأنه لم يتهمه لكنه يرفض إخلاء سبيله ، لم تتعظ دولته ولم تتأسف حكومته على ماسلف من اقتراف جرم كانت تخبئه الأقدار لفارس الشهامة وأيقونة الجلد ، فقد سلمته — وحيدا— بكل وعي وثقة منها للولايات المتحدة الآمريكية ، لتفعل به ماتشاء ، وهاهي اليوم تظلم نفسها باتخاذها السجن على مواطن أنزلت به ألوانا وحشية من التعذيب ، يتنازعه الخوف والرجاء في مراتع الذل ومقارعة اليأس ، ومع ذالك ظل يحلم بأن يعم السلام ربوع موريتانيا والعالم العربي كله ، وأن تنعم كل البلدان بالعدل والمساواة ...
وأخير ا أقول للذين كانوا يدافعون عن حقوق صلاحي ويطالبون بها ، أن لاينثلم أحدمنهم عن معاناته ، فهو مازال محبوسا ومحروما من حقوقه المدنية والقانونية تحت عباءة الأعداء ، يعيش أمل وعود — حالة مدنية — أبطأ من " فند " ، لم يحصل لحد الساعة على أبسط حقوقه ، أوراقه الثبوتية التي تخولها له وثيقتي الدستور والقانون ، وباختصار كما قال " الحكومة الأمريكية طلبت من حكومة موريتانيا عدم منحي تلك الأوراق " .
أليس هذا إحسانا على من مثل عفو يوسف في أبهى تجلياته " لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " صدق الله العظيم .