عندما التقى بعض رجال الأعمال بولد عبد العزيز في شنقيط، اتصل بي الكثير من الشباب والأطر من أبناء الولاية، منددين بالدور السلبي لرجال الأعمال المنحدرين من ولاية آدرار، بحجة أن هؤلاء يشاركون بسخاء في التظاهرات السياسية والانتخابية، خصوصا ذات الطابع الرئاسي، أو بعبارة أخرى تلك المؤثرة –بشكل راجح محتمل-، في نشاطاتهم ومصالحهم الاقتصادية.
دون أن يعيروا ذرة اهتمام ذى بال للوضعية الاجتماعية المزرية للمواطنين بصورة عامة، وبوجه خاص أبناء مدينتهم وولايتهم الأصلية. وقد أوضح هؤلاء المعترضون أنهم لا يعيبون ولا يتحسسون من تمويل نشاط ثقافي، ولكن الشبهة في بعده السياسي الدعائي الواضح، خصوصا في هذا الظرف الثوري الاحتجاجي الحساس، في كامل المنطقة العربية، والمغرب العربي بوجه خاص. شنقيط مكانتها في النفوس لا يمكن أن تزاحمها أي حاضرة في هذا الوطن الغالي برمته، لكن السياسة والفلكلور السياسي الدعائي طغى على العنوان الثقافي مصدر المبادرة والمحفل المثير للجدل!!!. إن هذا الاعتراض المشروع من قبل الشباب يدعو للتأمل والتوقف بهدوء وتعقل حول هذا المشهد المذل المهين. محمد ولد عبد العزيز يسجن عبدو محم، محمد ولد عبد الله ولد نويكظ واشريف ولد عبد الله مدة شهر كامل، متهما إياهم بالسرقة مطالبا بأربعة عشر مليارا، بعد إضافة الفوائد، وبعد شد وجذب أطلق سراح الثلاثة، ليتوجهوا بعد أيام قليلة إلى القصر، ليكونوا محل استقبال مثير لدى الحاكم العسكري الانقلابي، الجنرال المفبرك "عزيز"!!!. ضغوط وضرائب وسحب مبلغ مليار من رصيد اهل نويكظ في البنك المركزي الموريتاني (حساب البنك الوطني لموريتانياBNM) طلبات لحضور فعاليات حزبية، ومضايقات متنوعة، وابتزاز أوان المهرجان الاخير للحزب الحاكم في نواكشوط. ثم يأتي الرجلان المعروفان في الوسط الآدراري والوطني اشريف ومحمد للقاء السجان السابق، ضمن سيناريو جديد، طابعه وعنوانه تمويل المهرجان الثقافي بشنقيط وباطنه استدراج المغاضبين إلى ساحة الولاء، بأسلوب يفكك خطر عزلة النظام ومجابهته، من قبل أطراف وطنية متعددة، من بينها بعض أبناء مقاطعتي أوجفت وأطار وغيرها من مشارب الولاية المهمشة المعاقبة، بصورة ممنهجة مؤذية ومضرة. ويطرح المتابعون سؤالا حرجا وموضوعيا. مول اشريف ومحمد مهرجان شنقيط في جانبه المالي في أغلب حاجاته التنظيمية والتموينية، فأين كانوا وقت حمى الوادي المتصدع، والمجاعة المتواصلة التي تمس معظم سكان الولاية المنكوبة، حضور لحظة الدعاية السياسية، خوفا وحماية لمصالحهم الضيقة الخاصة، وغياب شبه كامل عندما يتعلق الأمر "بالغلابة" والمساكين وضعفة الشعب الآدراري، المهمش المستهدف، في جو من تسييس الوقائع والأحداث، خصوصا بعد انقلاب عزيز على الرئيس معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع في يوم الأربعاء الموافق 3 أغسطس2005. ويتلخص وجه الاعتراض في القول، لا لمعنى لمثل هذه التناقضات سوى ترجيح كفة العقلية المصلحية والنفعية الذاتية على مشاغل السكان ومعاناتهم، حضور في المشهد الفلكلوري والدعائي الرخيص، وغياب في أغلب مناسبات التضامن الاجتماعي والإنساني المفترض في حساب هؤلاء، خصوصا لمن يعرف منزلتهم الظاهرة في الوسط المذكور، بل على الصعيد الوطني بصورة أشمل. إن الفجوة في العالم العربي أصبحت تتسع بين المواطن العربي ومن يمتص دماءه من حكامه وأغنيائه ورجال أعماله الانتهازيين المرتزقة. ومن يستمر في هذا النهج، سيدفع الثمن كما دفعه الطرابلسيون وأحمد غر "ملك الحديد"، وأبو العينين. الشباب عندنا غاضبون من ضعف وهزال واسترزاق بعض أبناء ولايتهم من التجار. ولا يكفي صدقة بعض الادوية على مستشفى أطار في يوم مشحون بالسياسة والدعاية، وقت زيارة الجنرال للولاية إبان مهرجان شنقيط المهمل والمضيع تراثا وتاريخا وحضارة. رجال الأعمال لا تكفي إطلاقا صدقاتهم على الاشخاص، وإن كان بوعماتو من ألد أعداء الكلمة الإعلامية، وهو من أكبر مستغلي الأنظمة المتعاقبة، إلا أنه بغض النظر عن الدوافع يمتلك هيئة خيرية تداوي عيونا فقدت الأمل في البصر والرؤية. رغم فشله في دواء حقده على من ينشر ضده، ومعالجة أو الحد على الأقل من تحايله على المال العام والحقوق الجمركية، وإن كان هذا هو ديدن أغلب تجارنا الكبار!!!. والدخول المتأخر للبعض في ساحة العمل الخيري (هيئة bnm الخيرية) يثير الأمل في مراجعة هذا النقص الملحوظ عند رجال أعمال يمتلكون المليارات ويبخلون بالفتات على الفقراء، الذين تحاصرهم المجاعة والأمراض. إن تأثر رجال الأعمال جراء التخويف بالاضرار العميق بمصالحهم أمرا ليس مستبعدا لكن تعميم هذا الأسلوب المهين ليس بديهيا أو تلقائيا في المقابل. ومن العار أن يخاف البعض على مصالحه الأنانية أكثر من الخوف على عموم مصالح الناس والمواطنين الموريتانيين، في حيز أوسع، وأكبر من مجرد التباكي على ممتلكات محدودة مهددة. لقد هجر بعض أبناء ولايتنا الحياء إلى حد لا يطاق، فلا أنين يحركهم ولا خوف في حسابهم إلا على المصالح العائلية والمؤسسية الضيقة جدا، وليذهب ضحايا حمى الواد المتصدع، والمجاعة في آدرار إلى عالم الآخرة دون ذكر لكلمة "إنا لله وإنا إليه راجعون" القرآنية المعزية، فمن باب أولى المؤازرة الصادقة للمعذبين والمظلومين المحرومين في هذا الربع الموريتاني الشنقيطي المتلاعب به، فقراء وأغنياء على السواء. ولعله من الجدير بالذكر تنبيه رجال أعمالنا إلى خطورة إهمال معاناة الفقراء والمساكين ونفاق من يجلس على كرسي الحكم -رغم أنه سجنهم وأهانهم- مع التغاضي عن عواقب مثل هذه المواقف المتزلفة الاسترزاقية المكشوفة، فالثورة على الأبواب، والمعلوم في حساب أصحاب الألباب قادم لا محالة، ولا ينفع معه التذلل واللعب في الوقت الضائع!!!.