حشدت دولة الريادة الإسلامية أو كما تحبُ أن توصف حسب تصرفاتها في العالم الإسلامي خلال ومحاولتها تجسيد تلك الريادة في عقد قمة إسلامية أمريكية جديدة من أجل المصادقة على ما من شأنه أن يخدم مصالح العالم الإسلامي حسب ما يُروج لذلك دعائيا ، لكن الغوص في داخل الأمر وقراءة تجلياته المختلفة المنبثقة عن -البيان الأخير- كفيل بأن يرينا مجانبة ذلك الادعاء للصواب
ظهر الرئيس الأمريكي الذي كان ينتقد السعودية ويصف العالم الإسلامي والمسلمين بما يعتبرُ عنصريا بمظهر زعيم جديد سيهدي للعالم الإسلامي ما يثلجُ صدره ويوسعُ كُربه الجمة والكبيرة، وكان قادتنا دون مستوى ثميل شعوبهم كثيرا لما أظهروه من احتفاء بالرجل المجنون وبالمفاخرة بلقائه "هوس المغلوب بتقليد الغالب" ومن المؤكد أن ذلك الهوس مصحوب بالكثير من حب المحاكات والمحاباة ....
وانعقدت القمة الإسلامية الأمريكية في يوم الأحد إذن الموافق 21/05/2017 بالرياض بحضور 55 دولة إسلامية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم التي يطمحُ سادة العالم الإسلامي وفي مقدمتهم دول الخليج وأمراؤه من خلالها إلى جعل السلام والأمن مرتبط برضائها وبقضائها وبقدرها ، وكأنها هي الدولة الغريبة المنسية من التاريخ والجغرافيا أصلا وفصلا من يحدد مقايس الإسلام المعتدل ويضمن الجنة من خلاله ومن يحدد كذلك الإسلام المتطرف ويبعثُ إلى النار من خلاله ، لكن لماذا لم تختتم القمة أعمالها إلا بغير إقرار تطرف إيران ودعمها للإرهاب ومحاربة الإرهاب؟
لقد قال الجبير في مؤتمر بختام القمة ضمه هو ووزير الخارجية الأمريكي أن الإرهاب مرتبط بالعقل ومستوى التفكير ، فأمريكيا قياسا على ذلك في أي صنف أو أي نوع من الإرهاب ؟ ، وهي المسؤولة عن تدمير العراق 2003 دون سبب وهي الحامي الأول لكل الاعتداءات التي ترتكب إسرائيل في حق الفلسطينيين ، وهي المسؤول عن كل الحروب والنزاعات الدائرة في العالم اليوم ...
طبعا كل ما قد يقال في حق أمريكا كقوة مسيطرة تنتجُ التطرف وتدعمه في ما تشاء وتثبتُ المستبدين على ما تشاء من شعوب العالم حقيقي والجميع يعرف ذلك ، لكن دعونا في قمة الدول الإسلامية وأمريكا هذه
لقد كان الهدف الحقيقي من القمة هو إعطاء شرعية دولية مصحوبة بزخم إعلامي كبير لتطرف إيران دعما لدول الخليج في خلافها معهم ، ذلك الخلاف الذي له تاريخ طويل جدا قياسا على كل ما يدور في العالم الآن من أحداث ، وطبعا سيظن زعماء الخليج أن ما فعلون شيئا وأنه سيأتي أكله في سبيل نصرهم الموعود على إيران ، لكن التاريخ يقول عكس ذلك ، من يماطل ويستنصرُ بالأعداء الخارجين على أهل خلاف فكري مذهبي داخل الملة سيكون الحلقة الأضعف بالتأكيد .
وهذه هي مشكلة دول السنة جميعا الآن ، تتبنى إيران وغيرها من حركات المذاهب الشاذة عقديا المبادئ التي توحد مشاعر شعوب العالم الإسلامي جميعا بينما يهتم قادة السنة بإرضاء حكام أمريكا ولو على حساب شعوبها ، وقد استدل على ذلك "نعوم تشومسكي" في كتابه من يمتك العالم حيث أنه في خمسينيات القرن الماضي كان إيزنهاور الرئيس الأمريكي السابق قلقا حول ما أسماه حملة كره ضد الأمريكيين ليست عند الحكام العرب بل أن أغلبية الشعوب العربية الإسلامية ترى مصلحتها في إبادة أمريكا ، ولذلك نشأت ما تسمى فكرة الاستقرار عند الإدارة الأمريكية التي كانت تسعى إلى إشاعة الديمقراطية في العالم أجمع تمّ بموجب ذلك الاحتفاظ بدكتاتوريات في هذه المجتمعات للمحافظة على مصالح القوى العالمية هناك ضد وساوس الشعوب وأحقادها...
يتقلبُ العالم ويتبدل بعد ذلك كثيرا وهذه الديكتاتوريات المخالفة للنهج الديمقراطية شكلا ومضمونا قائمة فقط لأن أمريكا تريد ذلك ، ولأن ولاء هذه الديكتاتوريات لأمريكا يفوق كل تصور ، فأعداء أمريكا هم أعداؤها وحلفاء أمريكا هم حلفاؤها ، وإسلام أمريكا المتصالح مع مصالحها هو دينها ، وغير ذلك كفرٌ وضلال ...!
أعلن إذن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام فعاليات مؤتمر القمة الإسلامية الأمريكية عن تأسيس مركز عالمي لمكافحة التطرف في العالم مركزه الرياض، ستكرسه بكل تأكيد السعودية في حربها مع إيران ومع أهل الله المختلفين معهم مذهبيا وفكريا حتى ...
وكانت تكلفة كل ذلك فيما يبدو صعبة جدا ، لأن الرئيس الأمريكي الجديد وضع السعودية في واقع ما يخطط له للاستفادة من خلافها مع إيران ، كان ذلك في البداية مع تصريحاته حول حماية أمريكا للسعودية وعدم دفعها هي مقابلا لذلك ومر بتجسيد ذلك كله في جعلها تمول البنى التحتية الأمريكية بما يقارب 200 مليار دولار فضلا عن ما دفعت السعودية في الأسلحة التي اشرتها من الولايات المتحدة الأمريكية والتي بلغت 350 مليار دولار ،ولا يخفى على أحد نية السعودية من كل ذلك ، وحيث لا يمكن تفسير ذلك سوى بأنها غير دولة فاقدة للشرعية الداخلية ولابد لها من شرعية كبرى تسند عليها ظهرها في ظل تكالب الدول عليها وتفاقم الهوة الشاسعة بينها وبين شعبها
والطامة الكبرى أن السعودية رغم كل ذلك لم تجعل أمريكا في صفها بالكامل ولم تستطع أن تضمن منها إلا إقرارها بتطرف إيران وهو خطاب نسبي حسب أدبيات مصالح الإدارة الأمريكية وما تعامل الشعوب من خلاله ، يصرح الرئيس الأمريكي تبعا لذلك بأن أمريكا لن تحارب من أجل أحد ، وأنه ينبغي على الدول والشعوب أن تشارك في الحرب ضد الإرهاب والتطرف
جلوس هؤلاء الزعماء إلى جانب الرئيس الأمريكي وإصغائهم له وهو يقدمُ محاضراته عن السلام المتطرف والآخر المعتدل أكبرُ إهانة تاريخية للمسلمين "أن يكون من يجهل الإسلام أصلا وفصلا هو من يحدد طبيعة الاعتدال داخله والشذوذ فهذا أكبر قدر من الاحتقار" ، ثم يقول ترامب أنه يأمل في أن يكون خطابه الذي توجه به إلى قادة العالم الإسلامي في قمة الرياض، بداية للسلام في الشرق الأوسط، وحتى في العالم بأسره ، وطبعا السلام ذلك لن يتم إلا باعتبار حماس حركة إرهابية وإقرارهم بذلك خوفا ممن حضارته تقوم بأموالهم ، وجعل الكيان الإسرائيلي دولة عادلة تدافع عن مصالحها الشرعية...!
كراسيهم مقابل دعمهم هم ، والسلام المفقود هو الشعار الأكبر الذي يلعبُ عليه الجميع ، والنتيجة أموال السعودية بالمليارات توزع على أمريكا في غير سبيل الله وفي العالم الإسلامي مئات الثكلى والمحرومون والمجروحون حتى الدمار والفقراء والمهمشون حيث كان سيثمر توزيع هذه المليارات عليهم أكثر مما سيفيد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها .