إن تحديد طبيعة واحتياج الجمهور يعد من أهم الأمور التي يجب على التاجر أو المحاضر أن يهتم بها، فعلى التاجر أن يتعرف على الجمهور الذي سيفتح في منطقته محلا، فمن الأخطاء الفادحة أن يقرر تاجر يبحث عن الربح فتح محل لبيع ألعاب الأطفال في منطقة عسكرية لا يسكنها إلا الجنود ولا يوجد بها أصلا أي طفل، أو أن يقرر تاجر آخر فتح مجمع تجاري فاخر في حي شعبي لا يسكنه إلا "فقراء دكاكين أمل".
ومن الأخطاء الفادحة أيضا أن يقرر فقيه أو داعية يبحث عن الحسنات من خلال الوعظ والتعليم، أن يقرر هذا الفقيه إلقاء محاضرة عن الطلاق لصالح طلاب ثانوية، أو أن يقرر آخر إلقاء محاضرة عن الزكاة أمام جمع من الحمالين خلال جلسة استراحة قرب جدار مخزن كبير.
إن تحديد طبيعة الجمهور واحتياجاته يعد أمرا ضروريا بالنسبة للتاجر الذي لا يبحث إلا عن الربح، وهو كذلك بالنسبة للمحاضر الذي يريد أن يقدم محاضرة مفيدة، ومن هنا فإن تقديم محاضرة عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون أمرا في غاية الأهمية إذا كان الحضور عبارة عن مجموعة من المدونين تجمعوا في أحد مقاهي العاصمة، أما إذا كان الجمهور هو عبارة عن رئيس ووزراء ونواب وكبار المسؤولين في الدولة، فعندها يكون الحديث عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي جهدا ضائعا، ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك.
لقد كان على الوزير الفقيه أن يتحدث أمام الرئيس وبطانته في مواضيع أخرى، وكان عليه أن يحذرهم من خطورة الفساد، وأن يزهدهم قليلا في الدنيا وفي جمع المال الطائل، وأن يدعوهم إلى تذكر حال الفقراء في الشهر الكريم، الذي ألقى الوزير الفقيه محاضرة في أول أيامه، وكانت عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي، أمام جمع من كبار المسؤولين الذين لا يمتلكون حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي، اللهم إلا إذا كانت حسابات مفتوحة بأسماء مستعارة.
كان على الوزير الفقيه أن يستغل الظرف الزمني ( أول يوم من أيام رمضان)، والظرف المكاني (القصر الرئاسي)، أن يستغل ذلك لتقديم محاضرة تكتب له في ميزان حسناته، و تنفعه غدا في يوم عصيب بخمسين ألف سنة.
كان على الوزير الفقيه أن يحدث كبار المسؤولين عن خطورة نهب المال العام، وكان عليه أن يطلب منهم تنظيم مبادرات في هذا الشهر الكريم لإفطار الصائمين من الفقراء في أحيائهم وفي مناطقهم التي لا يتذكروها إلا عندما يتعلق الأمر بمبادرات التعديلات الدستورية، أو مبادرات المأمورية الثالثة.
كان على الوزير أن يعلن في محاضرته بأنه سيتبرع بنسبة قليلة من راتبه للمساهمة في علاج المرضى الذي يقدمهم برنامج "ويؤثرون على أنفسهم"، وكان عليه أن يحث بقية الوزراء للتبرع لأولئك المرضى في هذا الشهر الكريم، وبذلك يكون الوزير الفقيه قد سن سنة حسنة سيكتب له أجرها وأجر من عمل بها من الوزراء وكبار الموظفين.
كان على الوزير أن يستغل هذه المناسبة العظيمة لتقديم محاضرة عن حرمة المال العام أو عن أهمية الإنفاق على الفقراء، أما أن يتحدث الوزير الفقيه عن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي أمام الرئيس وكبار الموظفين، فإن مثل ذلك سيكون مجرد جهد ضائع، ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك.
المؤسف أن هذه لم تكن هي المرة الأولى التي ينشغل فيها الوزير الفقيه بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي عن مواضيع أخرى أكثر خطورة. لقد طلب الوزير الفقيه من الأئمة أن يخصصوا خطبهم ليوم الجمعة الموافق 12 مايو 2017 لخطورة مواقع التواصل الاجتماعي، مع أن الموضوع الأنسب الذي كان يجب أن يتحدث عنه الأئمة في تلك الجمعة التي شهدت جريمتين بشعتين ( دهس زوج لزوجته ليلة الجمعة واغتيال محام في فجرها) هو مخاطر الانفلات الأمني.
فلماذا تجاهل الوزير الفقيه في يوم الجمعة الموافق 12 مايو مخاطر الانفلات الأمني وانشغل بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي؟
ولماذا تجاهل الوزير الفقيه في أول يوم من أيام الشهر الكريم مخاطر الفساد ونهب المال العام لينشغل مرة أخرى بمخاطر مواقع التواصل الاجتماعي؟
حفظ الله موريتانيا..