شهر رمضان روضة المؤمن وجسر للنجاة !! / محمد المصطفى ولد الولي

قبل يوم أطل علينا من عليائه ضيف عظيم ، أفضل ظرف زماني وعى أشرف رسالة على مرالتاريخ ، فيه ليلة " خير من ألف شهر تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى مطلع الفجر .
إنه موسم الخير والبركات ، وجسر المؤمن الذي يعبر عليه من نزواته إلى ميدان البر الذي تتنوع فيه الطاعات وينشط فيه العباد ، 

وتصفد فيه مردة الشياطين ، وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ، وتعظم الأجور وترمض الذنوب ، فيه ترتفع المآذن وهنا من ليل القيام بنور الوحي حنانا بعد هجر وانقطاع ، وتنبعث أهازيج القراء وتشدوا براعمهم بكتاب الله غضا طريا كما أنزل ، إحياء لليالي الشهر الفضيل ،
( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينت من الهدي والفرقان ) . صدق الله العظيم                      
شهر من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، يسبر فيه المسلم أغوار نفسه ويعيش مع كتاب تشفي براهينه أعينا عميا فتبصر ، وتقرع حججه الآذان فتسمع وتعي بعد صكك وصمم ، يضيء قلوبا غلفا بأنوار الهداية والنور ، فتنساب حنايا المرء إلى التماس ما يشفي ظلة الصادي من معينه الوافر ، وأسراره التي تتغلغل إلى نواميسها الروحية وحكمها الربانية نفس المؤمن ، حيث تنفتح الفرص أمامه ، ويتضاعف له الثواب ، إذ الطاعة تعظم بحسب الزمان والمكان .
ومن نعم الله على عباده أن جعل لهم مناسبات ، ورياض يجنون فيها ثمرة العمل الصالح ، ويسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
كان السؤال الذي طرحناه بالأمس على  أنفسنا ، هل سندرك شهر رمضان المكرم أم لا ؟ وهل سنستغل إن أدركناه فرصته أم لا ؟ اليوم وقد أدركناه ينبغي علينا أن نحمد الله أولا وآخرا وأن نستحضر ذكرى أناس كانوا معنا في رمضان الماضي ، وهم اليوم أشلاء تحت الأرض ، قدموا إلى ما قدموا ، قد فارقوا الأحباب وعاينوا الحساب وباشروا التراب ، يتمنون أن يرجعوا إلى عالم الإمتحان ليدركوا ليلة من رمضان ، يتحسرون على صيام يوم أضاعوه ، أو قيام ليلة تركوها ...
فهنا يدرك الإنسان قيمة استغلال الأوقات الثمينة ، ونعمة المناسبات العظيمة ، فيستغلها بحذافيرها في مرضات الله تبارك وتعالى ، والناس في صيام رمضان وقيامه قسمين أوثلاثة :
1ـــــ العوام : وهؤلاء يصومون عن الأكل والشرب والجماع ، ولكنهم يطلقون الرسن في ارتكاب المحرمات ، يأكلون الربا ، ويغتابون الناس ، ويمشون بالنميمة على وجه الإفساد والتفرقة ، حديثهم لغو الكلام وساقطه ، إلى غير ذلك مما لايكاد يبقي لهم فتيلا من الأجر والثواب ، ونصيبهم من الصوم هو الجوع والظمأ.
2 ـــــ الخواص : وهم الذين يصومون رمضان ويصونونه عن كل ما نهى الله عنه ، وإذا صدرت المعصية من واحد منهم بادر إلى التوبة والانكسار بين يدي الله لعلهم يتقون .
3 ـــــ خواص الخواص : وهم المواظبون على كل صغيرة أو كبيرة من أو قاتهم ، حرصا عليها من الضياع في ما لا فائدة منه ، لا رفث في صيامهم ولافسوق ، يتمثلون قول الناظم :
يا معشرالصيام في الحرور    ومبتغي الجنة والأجور
فإن أردتم غرف القصور      تنزهوا عن رفث وزور
تسحروا فإن في السحور     بركة في الخبر المأثور
يصلون في أوائل الأوقات ، ويبادرون إلى أنواع الطاعات وجميع القربات ، يمدون يد العون والمساندة إلى الفقراء والمعوزين ، لا تشغلهم الدنيا وحطامها الفاني ، عن البذل في أوجه البر والإحسان ، يستقبلون رمضان بقلوبهم الخاشعة ، وأبدانهم الراكعة ، ونفوس هيأوها لا لإعداد المآكل وتنوع المشارب وملازمة النوم على الفرش ، إنما للبحث عن محطات تقربهم من الجنة وتباعدهم عن النار ، ومن بين تلك المحطات :
أ ـــ كثرة الإنفاق : عن بن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ، وأجود ما يكون في شهر رمضان ، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة" . رواه البخاري .
ب ـــ العيش مع القرآن قراءة وتدبرا وعملا بمقتضاه ، فتلاوته كما قال :ابن الجوزي رحمه الله " تلاوة القرآن تعمل في أمراض الفؤاد ما يعمله العسل في علل الأجساد " .
ج ـــ الإخلاص في الصوم واستشعار عظمته عند الله ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم في ما يرويه عن ربه " كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " . رواه البخاري .
وقد أبهم الباري جل وعلا عدد الأجر ومقداره لتذهب النفوس كل مذهب .
ومما يميز المستعد من المتخاذل ، حلول هذا النوع من المواسم ، فبعض الناس لا يتألم بآلامه ولاتتداعى له الأمراض ، ولاتمطره الأعذار إلا في رمضان ، فيتفنن في نحت المفطرات من فراغ النفس والهوى ، ليتخلف عن ركب القائمين ، ويحرم أجر الصائمين ، ولا يدخل من باب الريان ، بينما آخرون يستعدون لتأدية الدعيمة بالشوق والبكاء ، يقارعون الحر والعكاك ، ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة ، يسيل لعابهم على الإستفادة من مدرسة الإيمان والتقوى ، وإن لم يملكوا نقيرا ولا قطميرا ، سلاح الواحد منهم :" إن سابه أحد أوشاتمه فليقل إني صائم ، "
يودعون الشهر وقد اتلأبت لهم معالم الطريق ، وانقشعت عنهم غشاوة الذنوب والأدران ، وأعتقت رقابهم من النار ... بعد أن تنافسوا في الإختبار فنجحوا ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، ولمثله فليعمل العاملون .
اللهم بلغنا رمضان ، واجعل أيام شعبان وأواخر أيام شعبان جابرة للقلوب ، ساترة للعيوب ، ماحية للذنوب ، مفرجة للكروب ، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، وارزقنا صيامه ووفقنا لقيامه ، اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه وقد عفوت وغفرت لنا ، ورحمتنا يا أرحم الراحمين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين .

29. مايو 2017 - 8:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا