في التاسع عشر من يوليو 2009 أنهى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الجدل الدائر بشأن شرعية وجوده في القصر الرمادي خالفا نفسه بنفسه في سدة الحكم وقاطعا الطريق أمام دعاة تغييره بالقوة أو الانتخاب ومنهيا أحلام معارضيه بإجهاض أول انقلاب عسكري يتم الإعلان عنه قبل تنفيذه ويمرر بدعم من أهم المؤسسات الدستورية في البلاد.
كانت اللحظة مفصلية في تاريخ الموريتانيين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية لكونها جنبت البلاد أتون حرب أهلية كان الجميع يراها قاب قوسين أو أدنى من شارع مثقل بالجراح ومنهك من طول صراع أبنائه على السلطة. سارع الإسلاميون إلي الاعتراف بنتائج الانتخابات وكانوا في مقدمة المهنئين للخصم الفائز ضمن خلق سياسي قررت هيآتهم القيادية أن يكون عنوان اللحظة بعد يومين فقط من إعلان نتائج الاقتراع ، ودون انتظار مواقفهم حلفائهم داخل الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بعدما تحللوا من قراراتها قبيل توجه الناخبين إلي مكاتب التصويت. سال حبر كثير عبر صفحات الجرائد ومواقع الإنترنت،وانحاز محللون كثر إلي نظرية المؤامرة والجزم بتحالف مسبق بين الإسلاميين وعزيز وانحازت قواعد "الرؤساء" الخاسرين إلي منطق الشتم والتخوين والدفع باتجاه عزلة شعورية لقادة وأنصار الإسلاميين بعيد قرار الاعتراف بنتائج الانتخابات قبل أن ينحاز الجميع إلي منطق الاعتراف ذاته – وان تعددت الصيغ - دون تشكيل لجان تحقيق أو إعادة لفرز الأصوات. تعاملت الأغلبية بازدواجية مريبة مع مواقف الإسلاميين وكان التردد واضحا منذ إعلان قادة تواصل لمواقفهم ،وانقسمت الأطراف داخل الأغلبية إلي مستغل للموقف من أجل تأكيد فوز الرئيس وسلامة الانتخابات الرئاسية التي أعادته لسدة الحكم ،وبين خائف من دخول قادة التيار الإسلامي إلي نادي الأغلبية تماما كما كان حال الكثير منهم إبان حكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله خوفا على الامتيازات والحظوظ. ورغم مضي أكثر من سنة على انتخابات يوليو 2009 ومواقف الأطراف السياسية منها فلا تزال العلاقة بين الإسلاميين والرئيس ترواح مكانها رغم الرسائل الإيجابية بين الطرفين كلما أحسا بأزمة يواجهها البلد، وغير الودية في أحيان كثيرة بفعل مواقف بعض قادة الإسلاميين من معاوني الرئيس وأعضاء حكومته ، ومواقف غير بريئة من بعض أنصار الأخير تجاه الإسلاميين. ومع ذلك يدرك العديد من قادة التيار الإسلامي وحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية خصوصا ، أن مواقف كثيرة تم اتخاذها لصالح المشروع الذي يؤمنون به ، وأن مواقف الرجل من الهوية الجامعة للبلد والدين الناظم للمجتمع والأخذ على أيدي بعض الفاسدين ،وإعادة الاعتبار للدولة وبعض مؤسساتها العسكرية والأمنية أمر بالغ الأهمية لمسار مجتمع هش وهوية ضائعة وبلد بدد الفاسدون خيراته وأذاقوا شعبه فنون الظلم والحرمان.ويشعر الإسلاميون كذلك أن الاستقرار السياسي داخل البلد،ونشر العدالة بين الناس والجرأة في حل الأمور العالقة ،وعدم الانجرار وراء الغرب ودعاياته المغرضة هو أهم ما يحتاجونه في مسيرتهم السياسية والفكرية بعد سنوات من الاضطرابات الأمنية حاولت فيها مجمل الأنظمة السياسية المتعاقبة على سدة الحكم أن تجعل منهم كبش فداء كلما أحست بخطر داهم أو شماعة تعلق عليها فشلها في احتواء غضب الداخل وضغط الخارج مستلهمة بعض تجارب الجوار ومنقادة وراء بعض أصحاب الإيديولوجيات الظالمة والحاقدة على الدين ودعاته. لامس ولد عبد العزيز شغاف إسلاميين كثر وهو ينحاز إلي دول الممانعة في دعمها الصريح للقضية الفلسطينية ،وألهم حماس إسلاميين كثر – رغم معارضتهم القوية لانقلابه - وهو يطهر أرض شنقيط من سفارة الكيان الصهيوني بعيد سنوات من التطبيع تحمل الإسلاميون فيها ثقل الأمانة وكانوا في طليعة مناهضي العلاقة المشينة مع إسرائيل.. ارتاح الإسلاميون بعد أن قررت الحكومة أن تنحاز في العديد من برامجها للفئات المهمشة والمحرومة ،وشاركوا في العديد من الأنشطة الإغاثة دعما للمنكوبين وسط وجنوب البلاد،وسارعوا إلي طرح العديد من المشاكل العالقة على الرئيس ومعاونيه تحملا للمسؤولية ومساعدة في حل أزمات خانقة كادت تعصف باستقرار البلاد. غير أن للعلاقة بين الإسلاميين والرجل منغصاتها وللفتور بين الطرفين مبرراته في ظل علاقة دقيقة بين الفعل وفاعليه والحكم والمحكوم به في بلد لما تنضج نخبته السياسية بعد ولا يزال الداعم فيه أسير المدعوم وخادم لكل أفكاره وتوجهاته،ومنقاد له دون تشاور ومنساق ضمن أجندته دون روية ، وهو ما لا يمكن تصوره مع نخبة سياسية كالإسلاميين . ولعل عزوف أغلب الإسلاميين عن المناصب، وانشغالهم بالمستقبل عن الحاضر، وانتمائهم لفكر يمجد النفس دون إلغاء للآخر مع حرية واسعة في التفكير والتعبير داخل صفوفهم تعتبر احدي عوائق التفاهم مع الرجل أو محيطه على الأقل غير المستوعب لذلك. كما أن البطانة المحيطة بالرجل ليست بالحريصة على مصالحه وحكمه كحرصها على الاستفادة من ثروات البلد ووظائف الدولة ومنافع الحكم بغض النظر عن الرئيس ومستقبله والشريك وقربه وتأثيره على الصورة العامة في الشارع السياسي وهو ما يعيق أي تقارب بين الطرفين حتى الآن.