الحياة السياسية في موريتانيا لا تخلوا يوما من الصخب و لا يمكن للناظر إليها بعين ثاقبة و بتمعن و بصيرة أن يغفل عن الدور الكبير الذي تلعبه فيها بعض الشخصيات رفيعة المستوى مصدرها مؤسسة حزبية هي التي تمد النظام بتلك القدرات البشرية من أطر و فاعلين و تسعى بشكل حثيث لزيادة الثقة فيه و إعطاء الصورة الحسنة عنه في المشهد السياسي الوطني و تمنحه المكانة العالية لدى الرأي العام الدولي.
و من هذا المنطلق بات من الضروري تسليط الضوء على المؤسسة الحزبية التي تلعب هذا الدور الكبير، تبيانا للرأي العام و إنارة للمتلقي لماهية هذا الدور و لأسرار النجاح البارز في كافة مناحي الحياة العامة للشعب الموريتاني على الصعيد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي.
و لأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية بات اليوم قاب قوسين أو أدنى من العودة بقوة للمشهد السياسي بعد أن عرف فتورا قويا في الأعوام الماضية بسبب الخلافات و الصراعات و بسبب تلك الأيادي الخفية التي كانت تريد له أن يتفكك سبيلا للقضاء على النظام و فسح المجال أمام قوى خارجية و أخرى داخلية تريد أن تستحوذ على المشروع و توجهه لمصالحها الضيقة، و لأنه كذلك ـ أي حزب الاتحاد ـ يشهد تحولا عميقا بسبب السياسة المتبعة من طرف قيادته التي تجرأت من خلالها على كشف ألاعيب البعض ممن خلقوا شرخا ما بين النظام و الحزب ظانين أنه يمكنهم من خلال ذلك أن يصلوا لمآربهم و يثبتوا أنهم الأولى بخلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فكان أن سقطوا في فخ التآمر و التلاعب، حتى كشفت نواياهم التي بيتوها.
لقد كان مطلع العام 2013 بداية لتلك اللعبة الخبيثة حين تم التلاعب بالحزب الحاكم و خلقت له بدائل، يظن أنها بدائل، لم يكن الهدف منها امتصاص غضب الشباب و لا استقطاب مغاضبين بقدر ما كان الهدف منها اظهار ضعف الحزب الحاكم و الظهور بمظهر الند له و لقادته في ذلك التاريخ، الذين لم يكن يخفى ضعفهم و انهماكهم بصراعات جانبية كادت أن تعصف بالحزب، إلا أن تيارات سياسية داخل الحزب و من خارجه كانت تفهم بالضبط ما يجري، ما جعلها تساهم بشكل كبير على اظهار قوة الحزب الحاكم، رغم أن الكثيرين من المحللين السياسيين رأوا في ذلك الوقت أن ما حصده الحزب في انتخابات 2013 كان بسبب غياب المعارضة الرادكالية عن الانتخابات، لكن تلك الفرضية أو ذلك التحليل غفل عن تواجد أحزاب أشد خطورة على الحزب الحاكم من الأحزاب الرادكالية، لأنها كانت تنافس الحزب من داخل منظومته السياسية التي تتمحور أساسا حوله كمؤسسة و قبلة لجل الموريتانيين.
و لأن خطة 2013 فشلت بسبب النتائج الباهرة التي حصدها الحزب في الانتخابات البلدية و التشريعية آنذاك، عمدت تلك القوى الخفية في 2015 على مناوشة الحزب من خلال نوع جديد من الأحزاب سمي بأحزاب المعارضة المقترحة أو المحاورة، قامت هي الأخرى بدور خطير اعتمدت فيه على أذرع من داخل النظام قامت باستقطاب اذرع من خارج النظام بل من رحم المعارضة الراديكالية للتأسيس لقوة سياسية جديدة يناط بها أن تساهم في مناهضة الحزب الحاكم، و تعمل على مساعدة القوى الداخلية لتسهيل لها مهمة الحصول على الثقة لدى النظام بأساليب كرتونية و مسرحية تم الكشف عنها من خلال فشلها سياسيا في اظهار قدرتها على قبول التمازج ما بين فصائلها المكونة من النظام و من خارج النظام، فكان لذلك الفشل تبعات ظهرت في مستوى الحشد و الخطاب الضعيفين، ما جر كارثة كبرى كادت تعصف بمصداقية الحوار الشامل بسبب ضعف التمثيل لتلك الأحزاب و عدم قدرتها على اقناع الشارع بمعارضتها للنظام، و كذلك تلهفها على الحصول على مناصب جعلت الرأي العام يكتشف فشلها بسرعة فائقة، و أدت بها إلى الهاوية السياسية، الا انها كشفت أيضا من خلال ضعف و سذاجة أربابها من داخل النظام، فما كان من النظام إلا أن تخلص ممن كانوا لها سندا معتبرا إياهم شائبة كانت تعيق مواصلة المسيرة، و تعيق أيضا العمل الحزبي بسبب افكارها الساذجة و مقترحاتها و خططها التي جعلت النظام رهينا لمعارضة راديكالية ليس لها من الوزن ما يجعلها تقف عقبة في وجه تغيير المشهد السياسي لصالح التعديلات الدستورية و لصالح المأمورية الثالثة و الرابعة و الخامسة.
إن أي مخطط لتحييد حزب الاتحاد أو محاولة تقليص دوره بات عرضة للفشل بسبب المخاطر السياسية التي تترتب على ذلك، و بسبب قوة و حصانة القيادة الحالية للحزب التي استطاعت ان تثبت جدارتها و قدرتها على تخطي الصعاب رغم التركة الثقيلة التي خلفها لها الاسلاف، ناهيكم عن أن تلك المخاطر السياسية تنعكس سلبا على كل ما تم بناؤه منذ العام 2005 و حتى يومنا هذا، و لذلك فليس للمشهد رجال قادرون على تهيئته لما بعد 2019 أكثر من أولئك الذين هيأوا له في العام 2006 و حبكوا خططهم بقناعة راسخة لديهم بأهمية التغيير 2008 و هم من يمكنهم العبور بالنظام و بالبلد برمته إلى ما بعد استحقاقات 2019 سواء كانت تلك الاستحقاقات على سبيل تجديد الثقة في النظام أو عن طريق تجديدها في قيادة جديدة للبلد لا محالة منبثقة عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
إن المراهنين على فشل الحزب في تهيأة الظروف المناسبة للاستفتاء و كذلك العبور بالتعديلات الدستورية إلى بر الأمان ليس لهم إلا أن يخسروا رهانهم لأن الحزب يرتكز على قيادة أثبتت على مر الزمن منذ 2005 إلى اليوم أنها محورية في تهيأة الظروف المناسبة و مقتدرة على إدارة البوصلة، و لا أدل على ذلك من أنها تمكنت من حل مشكل عميق و مأزق كبير أدخلها فيه البعض من التكنقراط الذين جاءت بهم الظروف ليتسلموا مناصب رفيعة في فترة كان النظام يحتاج فيها للتكنوقراط بيد أن الوقت الحالي لم يعد زمن أولئك، و الفترة تحتاج لسياسيين محنكين مقتدرين شجعان وقفوا بحزم و عزم في وجه أنظمة ظنت أنها لن تزول فزالت بإرادتهم و هيأوا الظروف حتى جاءوا بنظام غير وجه الحياة السياسية نحو الأفضل.
أما بالنسبة للنظام فإنه ليس من مصلحته الإبقاء على كتل سياسية لا تمثيل لها في البرلمان و لا وزن لها في الساحة السياسية ترتكز أساسا على مجموعة من شبه السياسيين الذين لا يفهمون معنى الاكراه الحزبي و لا يستسيغون بقائهم تحت إمرة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ليس لاختلاف في المذهب فهم في الغالب من الداعمين للنظام ـ على الظاهر أقله ـ لكن لأنهم يريدون الفصل بين الحزب الحاكم و بين النظام.
إن الاستفتاء سيكون بمثابة التحدي بالنسبة لتلك الأحزاب و الكتل الداعمة و التي لم تستطع لحد الساعة البوح بشكل صريح بمساندتها للتعديلات الدستورية لا بل إن تلك الأحزاب كانت تراهن على تمكن امتدادها داخل النظام من اقناع الأخير بالعدول عن التعديلات الدستورية و لكن فيما يبدوا من خلال التعديلات الجزئية التي طالت الحكومة و غيرت وجهة النظام و اسقطت جناحا كان ينظر اليه على أنه قطب سياسي قوي و مؤثر داخل النظام بيد أنه لا يتعدى كونه تشكيلة تكنوقراطية كانت تمارس السياسة بشكل أعرج و كادت تؤثر سلبا على قناعات النظام و خططه و برامجه بما فيها التعديلات الدستورية و المأمورية الثالثة التي لا يخفى على المراقب للساحة السياسية أنها من شبه المستحيل أن يتم التحضير لها دون القضاء على تلك التشكيلة أو على الأقل اضعاف تمثيلها في الحكومة، وهو ما تم بالفعل بفضل اسناد مهمة الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية لرجل سياسة يمتاز بقوة الحضور و بالمكانة السياسية العالية و قدرته الكبيرة على الاستقطاب و اصلاح ما افسدته تلك التشكيلة التي ذكرنا آنفا.
إن مغاضبة الشيوخ للنظام لم تكن في سبيل التذمر أو من أجل الدفاع عن مجلس الشيوخ بل كانت تلك الخطوة في سبيل اظهار للنظام أن تمرير التعديلات الدستورية يستوجب وجود رموز سياسيين في الواجهة لهم القدرة الكبيرة على إعطاء الضمانات الكافية لكل الأطراف المحاورة و المغاضبة من داخل و خارج النظام و بشكل منسجم يتيح الفرصة لإقناع الجميع بأن التعديلات الدستورية ليست عقابية و أن الهدف منها ليس القضاء على المكانة السياسية التي يتمتع بها الشيوخ بقدر ما أن الهدف منها هو تغيير نمط سياسي معين و نظرة معينة لتسيير الشؤون المحلية و إضفاء بعد التحسينات على النظام الديمقراطي للبلد، بطريقة تمتاز بالشراكة و تبتعد عن الاقصاء، فكما هو معلوم في تغيير النظم لا بد أن يكون التغيير بشكل هادف و مدروس مع مراعات الواقع و استشراف المستقبل بشكل لا يشل انسيابية الأنظمة و لا يخلف فراغا أو يقصي جزء مهما من المكونات الحيوية و الأساسية ضمان الاستمرارية.
أما من باب أهمية الحزب الحاكم فإنه ليس يخفى على أحد أنه متى كان قويا كان النظام راسخا ومتمكنا بشكل أكبر، ومتى تم استهدافه فإن نتيجة ذلك الاستهداف ستظهر على أداء النظام سياسيا و اقتصاديا و على مقومات بقائه في المنظور المتوسط خاصة ابان انتخابات 2019.
و كما يقال في الاتحاد قوة، وقوة النظام بقيادة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في حزب الاتحاد بقيادة الأخ ذ/ سيدي محمد ولد محم.