عندما ننظر في الاتجاهات المحيطة بنا، نلاحظ بسهولة أننا لم نتمكن بعد، من فرض صيغة حكم ثابتة لوطننا.
فالسنغال تنهج نهجًا ديمقراطيًا محاكيًا للنمط الغربي، وكذلك مالى، والمغرب ذات خلفية ملكية محسَّنة، أصبحت بعد الربيع العربي قريبة من نموذج الملكية الدستورية.
الجزائر يحكمها عسكر يفرضون الاستقرار ونموًا اقتصاديًا معتبرًا، رغم أنهم أقرب إلينا في ميدان التلاعب بالدستور.
أما موريتانيا فأقل ما يقال عنها، أنها بلا بوصلة.
فبعد أن صرَّح ولد عبد العزيز أنه لا يتجه إلى مأمورية ثالثة، جاء وزيره الأول في زيارته الميدانية الأخيرة لبعض مناطق الشرق الموريتاني، ليعيد الحيرة والتيه لسابق عهده، مؤكدًا أن النظام باقٍ.
من حقنا أن نقول إن هويتنا مهددة، فالعربية تزاحمها لغة أجنبية ولهجات محلية، لا تضاهي طابعها المقدس ولا سَمتها الوحدوي، والإسلام بعد أن أُسيء إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لم يلق هذا المسيء بعد ما يستحق من حكم وعقاب.
للأسف لا توجد مؤشرات مريحة، لتأكيد خلاصنا النهائي من حكم الفرد، بل نحن تحت قبضته وإملاءاته وتخبطه، مما ولد أخيرًا، أزمة دستورية هيكلية، فأصبح مجلس الشيوخ، إحدى غرفتي البرلمان، في خلاف عميق مع رأس النظام، ربما لأنه يرفض حل غرفته، وبعد أن استحال ذلك بالطرق العادية لجأ النظام القائم للتعسف، وفرض إرادته بصورة مقززة، لا هي قانونية على رأي الكثيرين، ولا هي سلسلة استشارية.
إذا كان ولد عبد العزيز يريد أن يجعل من بنات فكره وأهوائه بوصلة وحيدة لدولة بكاملها، فتلك هي أم المعضلات وقمة تكريس الاستبداد وحكم الفرد.
إن مصلحة الجميع تحت عنوان هذه الدولة، أن تكون لهم هوية دينية ولغوية ثابتة، يركنون إليها ويُجمعون عليها، وصيغة حكم تناوبي تمنع الاستبداد وتكرس الشورى والعدل والتنمية الشاملة، الواعدة بالإزدهار والتقدم لصالح الجميع دون تمييز مطلقًا بإذن الله.
لقد كان جديرٌ بالوزير الأول، ضمن جولته الأخيرة المثيرة بامتياز، أن يؤكد على التمسك بقيم الإسلام، وأن القضاء كفيل بمعاقبة المسيء، وأننا متمسكون بالنهج الديمقراطي، وأن الاقتصاد سينمو ويتعزز بعيدًا عن الزبونية والمحسوبية، أما أن يهدد ببقاء نظام ولد عبد العزيز، ضمن تلاعب شبه صريح بأمل التناوب، فإما بقاء الشخص المنتهية ولايته أو فرض مرشح آخر يخدم نفس الأجندة، فذلك منطق لا يحترم الدستور ولا الشعب ولا قيم التناوب والترشيح المستقل.
لقد اختار ولد حدمين التطبيل لولي نعمته والانحياز لخاطر ورضوان المتغلب، مهما مس ذلك في المقابل من المصلحة العامة وخاطر الشعب الموريتاني برمته.
ولعله من الضروري الحازم أن نحذر من فتنة عميقة خطيرة، إن أصر ولد عبد العزيز على البقاء في الحكم، لأن كثيرًا من المؤشرات تدل على رفض هذا السيناريو، من طرف عدة جهات سياسية نافذة، وهو ما قد يحوِّل حياة الموريتانيين إلى جحيم سياسي لا يطاق، تعززه الأزمة المجتمعية والمعيشية المتفاقمة يومًا بعد يوم، فهل يسير عزيز على خطى ولد حدمين، الذي ربما أقيل ولد محمد لغظف إرضاءًا له، أم أن يحيى حدمين مأمور فحسب.
وباختصار، نحن فعلاً بلا بوصلة، وبلا صيغة حكم ثابتة، وبلا هوية تقريبًا محل احترام من طرف الجميع، وإنما تقيدنا القبلية والجهوية والشرائحية والعرقية، على حساب الرقي المشروع إلى مستوى مفهوم الدولة.
إننا نسبح في كل اتجاه، والفرد المتغلب هو راعي القطيع، أما المجموع الضحية فلم يتمكن بعد من حسم مصيره، ليتفق على نمطٍ جامعٍ للتعايش وتكريس حياة حضارية منظمة.
أين دور النخبة، لرفع هذا التحدي وإلزام المعنيين بالابتعاد عما يمزق الشمل ويزيد الفوضى.
الدين السمح الجامع، الإسلام، تمت الإساءة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وما زالت السلطة والقضاء معًا متأخرين في الرد الحاسم على هذه الإساءة المدوية، والدستور هُتكت حرمته، وأصبح عرضة لل "المبادرات" والمناكفات الساقطة، والشخص الحاكم أًصبح فوق كل اعتبار، حيث أضحى حكم الفرد المتخبط في أوجه، فهل ننتبه قبل فوات الأوان.
ألم تكن الأزمة السياسية في اليمن وغيره من الدول العربية سببًا لتمزق الجيش وذهاب قوته وحلول الفوضى والصراعات الدموية محل الاستقرار السابق مهما كان هشًا.
وقد قالت العرب يومًا في أحد أمثلتها البليغة، السعيد من اتعظ بغيره.