وباء مهمل / عبد الفتاح ولد اعبيدنا

altأجمعت مصادر الأخبار المتنوعة المتطابقة، على استفحال حمى الوادي المتصدع في أوساط الثروة الحيوانية على مستوى ولاية آدرار، وعلى وجه الخصوص قطعان الابل والأغنام. متسببة في موت أكثر من ثلاثين شخصا ونفوق مئات من الابل والغنم في نقاط متعددة من الولاية المذكورة.

ولعل من الملاحظ أن هذا الداء وصل مداه إلى إنشيري وتيرس زمور وداخلت نواذيبو، كما يفهم من وقائع متعددة في أماكن أخرى من الوطن إمكانية وجود هذا المرض على نطاق أوسع. غير أن البؤرة الأكثر إثارة ظلت ولاية آدرار إلى لحظة كتابة هذه الحروف. ورغم التحرك المحدود الهزيل فقد فضلت السلطة التعتيم والتحايل بدل المواجهة الإعلامية والعملية الجادة. ولد حرمه الذي عرفه أهل أطار خصوصا، وأهل آدرار عموما سياسيا وطنيا جريئا، جاء نجله هذه المرة إلى ربوع عز والده مستهترا بالموضوع ومحتقرا لساكنة الولاية دون حياء أو حساب حازم "الدولة لم تأت بهذا المرض"، "لم يمت إلا ثلاثة عشر شخصا"، الأهم عنده للأسف البالغ عرين سيده الذي وزره وليس أرواح الناس ومصائرهم وممتلكاتهم المحدودة الثمينة الغالية. ما أبعد كلام خالنا ولد حرمه وزير الصحة الموقر من كلمة الفاروق عمر بن الخطاب: "والله إني لأخشى إن عثرت بغلة على الفرات أن يسألني الله، لما لم تسو لها الطريق يا عمر". فبمجرد أن هذه الولاية محسوبة الآن على إبنها البار معاوية -رغم نواقص وشوائب تجربته- والذي أطاح به سيدك عزيز يحسب الضحايا والأموات فيها بدم بارد واستهزاء بالغ بين، إلى هذا الحد؟!. وعود على بدء، فقد أوضحت تجربة الشمال مع الجهة الرسمية بمناسبة هذا المرض الوبائي القاتل ضرورة مراجعة الصلة الإدارية والمالية التي تربطه بالسلطة المركزية في نواكشوط. فمحصلة التعامل الرسمي الناقص إلى أقصى الحدود، تدعو إلى تطبيق اللامركزية على مستوى عموم التراب الوطني. فالولايات الأربع إنشيري، وآدرار، وتيرس زمور وداخلت نواذيبو، ينبغي أن يكون لها كيانها المستقل ماليا والمتحرر نسبيا، من القيود الإدارية، المبطئة للنشاط التنموي بشكل عام، والاغاثي بشكل خاص. والأمر ليس دعوة للانفصال التدريجي، وإنما تملي الضرورة بالحاح هذا التوجه الموضوعي المفيد. فالدولة المركزية تنهب ثروات هذه الولايات مقابل الاهمال والإزدراء والاحتقار المهين المؤلم، وعندما يحتاج إليها الناس في أحلك الظروف وأقساها وأخطرها، تتجاهل صرخاتهم ومعاناتهم، حتى لو ذهبوا إلى القبور، وأفنت الحمى بإذن الله جل ثروتهم الحيوانية المتواضعة. ولننظر على سبيل المثال لا الحصر إلى وضعية ولاية آدرار في ظل النظام القائم والملابسات الصحية والاجتماعية والمناخية التي تعيشها تلك الديار المهملة. فبعد تسريح أغلب أبناء وأطر الولاية عن قصد وسبق إصرار من صفوف الإدارة، إلا من رحم ربك من الإقالة والتصفية والتجريم باسم القرابة وهم الأقلون، تم التعامل مع الأوضاع على الأرض على منحى يكرس الاهمال والغبن المتصاعد. وفي هذا السياق يتحدث أكثر من إطار ومثقف من أبناء تلك الولايات، وخصوصا آدرار عن خط سياسي رسمي يكرسه نظام ولد عبد العزيز منذ 2005 إلى اليوم، ملؤه الإقالة والتجويع وتشويه السمعة والتهميش الممنهج!!!. حتى بات أهل آدرار، تجارا ومنمين ومزارعين ومواطنين عاديين، على خوف شديد مبرر من مصير مماثل لأحوال أهل الجنوب السوداني ودارفور وغيرهم من أمثلة التهميش والظلم في عالمنا المترامي الأطراف. فمع هطول الأمطار وإنجراف السيول وتأثر الطرق والخسائر المتنوعة في واحات النخيل وقطعان الماشية، لم تتدخل الدولة بشيء ذي بال لمكافحة المجاعة والاسهام المجدي في حملة زراعية حقيقية. وينعكس التعامل المذكور سابقا –مع المنحدرين من تلك الولايات- على مجمل النشاط التنموي الراكد في منطقة الشمال عموما. ولا يخفى من وجه آخر، خطر السموم والنفايات والنشاطات المنجمية والتنقيبية على ذلك القطاع الترابي الفسيح. حيث يتركز النشاط المعدني في الولايات الأربع دون غيرها من ولايات الوطن الغالي. ولقد مثلت موجة الداء الحالي (حمى الواد المتصدع) فرصة انكشاف النظام الرسمي في موضوع نمط تعامله مع الشمال بصورة عامة وآدرار بصورة أخص. فهذه الولاية التي تعودت على معدل أمطار مستوى لا يتجاوز في أغلب الأحيان، خمسين ملم. ابتلاها الله هذه السنة، بأكثر من مائتي ملم حركت الفيروسات والأمراض، بسبب البرك والمستنقعات المائية الآسنة. مما انجر عنه وتولد مع مرور الوقت هذا الداء الخطير الحالي. ويعلم الجميع تفاهة وقصور ما حصل من تحرك رسمي حتى الآن، ركز على استهداف الصحافة التي حاولت على استحياء، نشر ما توصلت به من أخبار، من مصادر ميدانية عليمة. فكان هم الوزير الزائر، صاحب الاختصاص، وزير الصحة الدفاع عن حياض السلطة، بدل التركيز على مهامه الصحية والاجتماعية الصرفة، ولكن حليمة لا تفتر عن عادتها القديمة. فما فتئ هذا الوزير يفرغ نفسه للسياسة في أكثر من مناسبة، حتى لم تسلم منه الجزائر وولاية آدرار التي برت عهد أبيه أكثر من مسقط رأسه "اترارزه". وبسبب هذه السياسات العاجزة الخائنة، تصاعدت وتواصلت الأضرار في صفوف البشر والمواشي على السواء في الولايات المنكوبة، وبؤرة المرض خصوصا، ولاية آدرار!!!. فإلى متى هذا الانتظار السلبي القائم، مقابل استمرار وجود وتفشي هذا الداء القاتل العضال!!!؟؟؟. وسيبقى الجواب معلقا ما دام الاهمال والتعتيم الاعلامي قائما على حقيقة المعاناة الحالية، المتنوعة الأوجه والدلالات. ومن آخر أخبار هذا الداء استمرار حالات الرفع والاحالة إلى المستشفى المركزي بأطار، واستمرار سقوط الضحايا من حين لآخر، واستمرار الدمعة السوداء والعمى في عيون الإبل، مع الدود والتبول الدموي عند الأغنام، وخصوصا في منطقة "أظهر". والنزوح الجماعي للأهالي من قرية "لمصيدي" على بعد 120 كلم من مدينة أوجفت، كمثال غير محصور طبعا. وتأتي الشكوى من ذبابة "أزرويل" في ذلك الموقع المذكور وكذلك أيضا في موضع "أمزماز". والموت الجماعي لبعض الابل في "تيزيكي" قرب تنمرورت في منطقة "اظهر" دائما. كما يحاول المرض عبور الحدود إلى منطقة الصحراء الغربية، حيث أوقف الصحراويون بعض قطعان الابل الموبوءة!!! (أكثر من 300 رأس)، فيما يسمى عندهم بالناحية الأولى عند "إدوكج"، وبشهادة بعض الدركيين الموريتانيين، نفقت أكثر 40 رأس من الابل في موقع "بير إيكن"، الحدودي، على ضفاف حدود ولايات: آدرار، وتيرس زمور وداخلت نواذيبو. إنه الوباء والاهمال فحسب!!!!. وإن لم نبادر بسرعة فسيصل الخطر إلى العاصمة، لأن مصدرا إخباريا وثيقا، أبلغ عن حالات متعددة، على بعد 90 كلم فحسب، على طريق نواكشوط نواذيبو، وقد تم الاخطار بها قبل أيام قليلة. وللتحديد كان ذلك بالضبط، بتاريخ يوم 14 دجمبر2010، فيما عاينت السلطات الصحية والامنية (فرقة من الدرك الوطني) حالات النفوق عند الإبل المصابة. وإن علمنا مدى العجز ونقص الاهتمام، ألا يجوز لنا بصدق وبحق، التساؤل عن المستقبل المنظور الغامض، الذي يتهددنا، نحن البشر وثروتنا الحيوانية في هذا الحيز الترابي من العالم، وخصوصا في تلك الولايات المنكوبة، والولاية الموبوءة آدرار؟!. خاصة إذا علمنا أيضا ومن المصادر الصحية المعنية عالميا، مثل منظمة الصحة العالمية، عدم وجود دواء ناجع ضد هذا الفيروس العنيد، الخارج عن السيطرة.

20. ديسمبر 2010 - 12:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا