تمثل العلاقات الدولية مجالا سياسيا وعلميا في نفس الوقت، وهي بهذا الفهم مجموعة من المظاهر والتفاعلات الناجمة عن احترام الأعراف والقوانين الدولية،، لكنها أيضا مجال يتصل بعدة أبعاد سوسيو اقتصادية وجغرافية وحتى ثقافية، لأنها وان كانت تتعلق بالتعامل فيما بين الدول والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات، فإنها أيضا تعكس تفاعلات دولية تروم تحقيق المصالح
المادية أو المعنوية أو هما معا وفق ضوابط المعيارية أو ألوضعية، وتتباين توجهات المدارس في العلاقات الدولية فالبعض يرى بضرورة تسيير هذه العلاقات وفق متطلبات التضامن والتعاون، على أسس احترام القانون الدولي والأمن الجماعي، فيما يرى البعض الآخر ضرورة التركيز على التعاون الثنائي كميدان أولى بالاهتمام في العلاقات الدولية.
ومن المعلوم أن أدوات الدبلوماسية تنحصر في التفاوض والإخبار ألمشروع والتنظيم والتمثيل، والمتأمل لكل هذه الوظائف الأربعة يدرك أنها تصب في تحقيق مصلحة الدولة سواء على المستوى المركزي بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون أو على مستوى البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الدول الصديقة والشقيقة، فالدبلوماسية مجرد واحدة من الأدوات المستخدمة في العلاقات الدولية .
وبما أن هذه الوظائف الدبلوماسية الأربعة تصب في اتجاه واحد هو مصلحة الدولة مع ضمان التعاون مع الدول الأخرى واحترماها فإن السؤال وارد حول سبل اتخاذ القرار بشكل عام في سياق هذا الرباعي الوظيفي، فالسلوك الدبلوماسي ليس كغيره من أنماط السلوك العادية، فهو يرتبط بمصلحة أمة بأكملها في الحاضر أو المستقيل وهو ثمرة تفاعلات محلية وإقليمية ودولية وله تداعيات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وبالتالي فاتخاذه لايتم إلا بعد توفر العديد من المعطيات وبعد النقاش واستنطاق الأحداث والتطورات بالإضافة إلى الاستشارات التي تستمد من الشخصيات ذات التجربة أو مكاتب الدراسات فضلا عن رأي المهنيين العاملين في السلك الدبلوماسي المواكبين تطور الملفات الدبلوماسية.
من هذا المدخل ينبغي فهم السلوك الدبلوماسي وتأمل خلفياته ونتائجه المتوقعة، ذلك أن المعطيات التي على أساسها تتخذ القرارات لاتكون دائما متاحة للجميع، وكثيرا ما تتطلب قواعد التحفظ ومصلحة الوطن إحاطة هذه المعلومات بالكثير من السرية، وليس من الحكمة أن يتفاعل المواطن مع الشأن الخارجي بانطباعية بريئة أو بتحامل عنيف أو بشوفينية متطرفة.
إننا في عصر الصحفي المواطن، ولم يعد التواصل الجماهيري مطوقا في دائرة يتحكم فيها الصحفي والجمهور والسياسيسون ومستخدموا منابر هذه الوسائل، بل أصبحنا في عصر صار المواطنون قادرون على توجيه دوائر الاهتمام ويؤثرون في المسار الاقتصادي والسياسي في المنظومة المحلية والدولية، وفي خضم تفاعل العلاقات الدولية يمكن استغلال هذه الآراء والانطباعات للمساس بمصالحنا الوطنية وهي مظهر من مظاهر ضعف الوطنية، فالمواطنون والسياسييون والمثقفون مطالبون بالمزيد من اتخاذ الحيطة والحذر في تقييم التطورات في السياسة الخارجية، وليست السياسة الخارجية بمنفصلة عن التجاذبات المحلية والنشاط السياسي الوطني فالترابط بين المحلي والدولي مسلم به في العلاقات الدولية.
والمواطنون مطالبون بتوخى الحذر كي لا تستغل مواقفهم البريئة ضد سيادة بلادنا ومصالحنا الوطنية، فالجمهورية الاسلامية الموريتانية ذات دور بارز في السياسة الخارجية للدول العربية، والإفريقية بدبلوماسيتها الرسمية والموازية، ولاداعي للمبالغة في التحليلات الموغلة في الانطباعية التي قد تؤدي إلى العديد من التصعيد الذي لاطائلة فيه، بل إن هذه المواقف الانطباعية قد تشكل فرصة سانحة للذين يريدون المساس بأمننا واستقرارنها وتماسكنا ثقافيا واجتماعيا فلنتحد جميعا من أجل الوطن ونستثمر تباين وجهات النظر في إطار داخلي يبتعد عن تصدير المواقف إلى الخارج لغايات لاتخدم مصالحنا الوطنية ولا تستشرف التطور الإيجابي.