"الحوار" على طريقة الجنرالات / أحمد ولد محمد المصطفى

altلموريتانيا مميزات كثيرة، وخصائص عديدة منها الإيجابي وفيها السلبي، ومن هذه الخصائص أن "جنرالاتها يحرصون على التشاور والحوار" بل هم رجال حوار ومشاورة ومنظمي منتديات عامة حول الديمقراطية والحكامة والاستقلال... وحتى الصناعة التقليدية...

أخيرا انتبه جنرالاتنا –بعد أن وصلت المواجهات مع القاعدة حد الغرق – إلى ضرورة تنظيم "حوار" حول إستراتجية تعتمد في هذا المجال، وعلى طريقة الجنرالات –دائما- أعلنت المواضيع وحدد المتحدثون، بل وحددت الخلاصات والنتائج، فخطاب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في افتتاح الحوار كان خطاب خلاصات ونتائج، حيث بدأ الموضوع بالمضي قدما في سبيل المواجهة مع عصابات الإجرام والمعتدين، مقدما حصيلة دامية لسلسلة المواجهات مع من أسماهم بالمعتدين، حصيلة كان ينبغي أن تدفع للتروي والحكمة والتفكير قبل الحكم، و"إنضاج الرأي قبل تجربة شجاعة الشجعان". ما الجديد الآن و"الحوار" في أنفاسه الأخيرة بعد أن أجهز وزير الدفاع على آخر رمق "لهذا المفهوم" بتحديده للسلاح كسبيل وحيد لمواجهة القاعدة، بل واعتباره أن أي سبيل آخر لا معنى له، وما فائدة أربعة أيام من النقاش وملأ الدنيا والنتيجة هي هي "مواجهة تنظيم القاعدة واستخدام السلاح في مقابل السلاح". إن على الجنرالات أن يتيحوا فرصة – تنظيم حوار- حول دور الجنرالات أنفسهم وموقع مؤسسة الجيش داخل الدولة - يكون مبنيا على أسس سليمة، ولا تسابق نتائجه مقدماته، وعلى النخبة الفكرية والعلمية والسياسية أن تنأى بنفسها عن المشاركة في مثل هذه الكرنفالات التي يراد منها في أحسن الأحوال تحويلهم إلى شهود على أمر كل الدلائل تؤكد أنه ليس في صالحنا ولا نمتلك القدرة عليه، وغير مضمون النتائج في النهاية. سادتي الجنرالات:  جيشنا أغلى من أن يتحول إلى درع لمرتزقة فرنسا، حيثما طوحت الخطوب بأحدهم أو رمته الأقدار في يد القاعدة أو في يد أحد مرتزقتها ندفع بأرواح جنودنا فداء له، فأبناء موريتانيا لحماية موريتانيا. هل يعقل أن الجيش الموريتاني –وخلال خمس سنوات- من النزيف الدموي ظل يعمل دون إستراتجية، ودون خطة عمل، للأسف يبدو ذلك الحكم –رغم استحالته منطقيا – حقيقة، فأغلب شهدائنا سقطوا بسبب كمائن بدائية نصبت لهم على الحدود مع دول الجوار، وهو ما يوحي أن جيشنا لم يكن يمتلك حتى تصورا عن المنطقة التي يرسل لها أبناءنا. إن بناء الإستراتجيات أمر ضروري يتوقف عليه نجاح العمل، لكن نجاحها يتطلب معرفة الواقع ومستوى الطموح، ومتطلبات كل منهما، علينا قبل بناء الإستراتيجية أن نجيب بصراحة على أسئلة عدة على رأسها: من نحن؟ وماذا نريد؟ ومن نقاتل؟ ولماذا نقاتله؟ وما الهدف من هجومنا أو تقاعسنا؟ وما النتائج المتوقعة في كلا الأمرين؟ إنها قضايا جوهرية تشير الأحداث السابقة إلى إهمالها بشكل كلي. وتكفي إطلالة بسيطة على كلمات الريس الموريتاني – بله تصرفات الجيش في مثلث الموت والإرهاب والتهريب- لندرك بجلاء أن أغلب هذه الأسئلة غير واضحة المعالم لدى سيادته، ولدى من يمتلك القرار داخل المؤسسة العسكرية، وما لم تتضح لسيادته وللجميع هذه النقاط فسنظل ندور في الحلقة نفسها. فسيادته أكد في "حواره مع الشعب" بأننا لسنا في حرب مع القاعدة، وإنما مع مجموعة من المجرمين واللصوص، وهو ما كرره –أيضا – أثناء مشاركته الأخيرة في القمة الإفريقية العربية المنعقدة في ليبيا حيث أكد للجزيرة أن موريتانيا "لا تخوض حربا ضد القاعدة وإنما تدافع عن نفسها في مواجهة عصابات الجريمة المنظمة" مشيرا إلى أن الأمر "يتعلق بحرب ضد عصابات إجرامية مسلحة تتاجر بالمخدرات وتقوم بنشاطات تخريبية ضد بلادنا". لكن المفاجئ في الأمر أن الرجل نفسه الذي تحدث بلغة التهدئة ومنطق الدفاع يوم التاسع أكتوبر عاد بعد أقل من أسبوعين –وفي افتتاح مؤتمره للحوار – ليتحول إلى الهجوم –ربما تأثرا بمنطق الكرة- وليقول إن موريتانيا "ماضية في حربها ضد المعتدين" مقررا في افتتاح مؤتمر الحوار دائما مضي موريتانيا في نقلها للمواجهة إلى قواعدهم داخل حدود دول الجوار، مبررا ذلك بأنهم قاموا بسلسلة من العمليات التي استهدفت المواطنين والأجانب على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، وليتخذ بعد ذلك من مناسبة افتتاح "حوار" حول العنف والتطرف والإرهاب" فرصة للتهجم على الخصوم السياسيين وانتقاد مواقف بعض الصحفيين. إن العقلية العسكرية التي تتلقى أمر "در يمين در شمال" وتنفذهما في وقت واحد، وهي في كل الأحوال "تنفذ الأوامر ثم تفكر فيها" كما تقول القواعد العسكرية، من الطبيعي أن يحدث تشويش في ترتيب "حوار تديره" فتتقدم نتائجه على مقدماته"، وأن تظل "فعاليات" المؤتمر تدور في الحلقة ذاتها، التي تبدأ من إدانة الإرهاب والتأكيد على خطورته، والحديث عن الخسائر الفادحة التي تعرضت لها موريتانيا بسبب هذه المجموعات المسلحة، ثم ضرورة المضي في المواجهة، مهما كلف ذلك من ثمن. سيأتي اليوم الذي يدرك فيه العسكر أن لهم حيزهم الذي ينبغي أن يتحركوا فيه، وأن للآخرين أدوارا يجب أن تترك لهم، وأن منطق السيطرة والتوجيه ووحدة مصدر الرأي والأمر قد تصلح لقيادة كتيبة أو وحدة، لكن لن تصلح قطعا لقيادة وطن. وأخيرا أود أن أسأل وزير الدفاع ما معنى حديثكم شخصيا وحديث الرئيس في افتتاح المؤتمر عن المضي قدما في المواجهة، في حين يتم سحب الوحدات من ميدان المواجهة وتوجيهها باتجاه العاصمة نواكشوط، وبالمناسبة أين البيان الذي وعدتم به بعيد "العملية العسكرية الاستباقية التي قامت قواتنا المسلحة لإحباط نوايا الإرهابيين؟ وما الرابط بين اختطاف الفرنسيين في النيجر والعملية في شمال مالي؟ وما هو دور العملاق الفرنسي "توتال" وعمليات التنقيب التي تقوم بها في "حوض تاودني" بكل ما يجري؟ هي مجرد أسئلة أرجو أن يكون لها معنى لتجد اهتماما من لدن وزير الدفاع قبل أن ندخل في عملية استباقية جديدة لإحباط نوايا متجددة لعدو متربص، لما تتضح لنا بعد طريقة التعامل معه، أحرى أن نمسك بالملف كله، أو نمتلك تصورا شاملا عن طبيعته، وميدان تحركه، ووسيلة الإيقاع به، وقبل ذلك مبررات التحرك ضده.

28. أكتوبر 2010 - 23:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا