فى هذه الأيام نودع رمضان، بروحٍ تُنادى بمحبة وشوق، ليت السنة كُلها رمضان.
و على مشارف العيد، نقول للصائمين، هنيئًا بالصيام والقيام وليلة القدر، تقبَّلَ الله.
ونقول للجميع عيد فطر سعيد، ولا تنسوْا زكاة الفطر، فإنها مطهرة وزكاة للبدن.
وكل عام وأنتم بخير.
وداع الصديق يصعُبُ أحيانًا، فمن باب أولى وداعُ رمضان.
هذا الزائر السنوي، أعاده الله علينا وعليكم مِرارًا وتكرارًا بإذن الله، ومن منِّه وفضله، يُمثلُ باختصار طبيبًا للنفس والبدن على السواء.
فهو شهر القرآن والصيام والقيام ،والإنفاق طيلة الشهر وفي آخر الشهر.
إنها العيادة الرمضانية التي تسمو بالنفس وتُداوي أمراض البدن، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا".
هنيئًا مُجددًا لمن لم تَفُتهم هذه الفرصة، وليكن في الأمر عِبرة وعِظة وتذكِرة، للذين يتعذَّرون بأعذار أحيانًا غير صادقة، عسى أن يُقبِلوا على الطب الرمضاني الشامل، في السنة القادِمة بإذن الله.
إن طبيبًا يُتيحُ علاج النفس والبدن في آنٍ واحد، جديرٌ حقيقٌ بأن لا يُتجاهَل.
فالمصلحة للصائم ظاهرة بينة، في التقريب من الله والمغفرة والسُمو والعِتق من النار ومحو كثيرٍ من أدواء وعلل البدن بإذن الله، اللهم آمين.
إن راحة الأمعاء والبدن من تراكُم المواد الغذائية طيلة إحدى عشر شهرًا، والإقبالُ على الله، والفرحُ بالإفطارِ كُلَّ يومٍ، والفرحُ بالإفطار العام عند نهاية كل شهر، كل هذا دواء للبدن من الأمراض والاكتئاب، وفرصة لمضاعفة الأعمال الصالحة من كل صنف.
فهي مدرسة وعيادة لا تخفى فوائدها الجمة العجيبة، وأجواؤها الساحرة الجذابة، وما خفيَ أعظم، ففي الحديث: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
فله بابه الخاص في الجنة "الريان"، الذي إن دخل منه الصائمون أُغلِقَ، فلا يدخل منهم غيرهم، مكرمةً ورِفعةً وتمييزًا من الله.
ويُقال بأن أحد الصالحين، وهو الدارانِيُّ، صام يومًا، فلما نام سَمِعَ هاتفًا يسأله: هل ترضى مُقابِلَ ثوابِ صومِكَ هذا، مائة ألف درهم "لا أعرف هل قيل في الرؤيا درهم أو دينار"، فردَّ بالنفي، فقال الهاتف: فبِمَا ترضى من المال مُقابِلَ صوم هذا اليوم، فَرَدَّ مكررًا بالنفي، فقيل له: فبمَا ترضى مُقابِله؟، قال برؤية الله، فقيل له: "صُمْ فستراه".
إنَّ صوم رمضان بركته عظيمة في الدنيا والآخرة، فلنحمد ربنا على ما أعاننا عليه، ولندعو الله للمزيد، وما ذلك على الله بعزيز.
ولنُضاعِف الاستغفار والإنفاق والإحسان على الأَضعف منَّا.
كما أنَّ الوقتَ ما زال يسمحُ باحتمال إدراك ليلة القدر، فقد أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتماسِها، في 25،27،29، من العشر الأواخر، والعشر الأواخر عمومًا وأوتارُها خُصوصًا، فلنبذِل المزيد من الجُهد للظفر بأجرِ ونورِ هذه الليلة العظيمة، التي يُفرَقُ فيها كل أمرٍ حكيم، فتُحَدَّدُ فيها الأقدار للسنة القادمة، وفي إحدى لياليها في وقتٍ سابقٍ، أُنزِلَ القرءان جُملةً غير مُفصَّل من السماء السابعة إلى المساء الدنيا، وتتنزَّلُ فيها الملائكة والروح، الذي فَسَّرَهُ ابن كثير بأنه جبريل عليه السلام.
وفي هذه الليلة يَسودُ السلام، قال ابن كثير "هي سالِمة، لا يستطيعُ الشيطان أن يعمَلَ فيها سوءًا، أو يعمل فيها أذًى".
وهذا يدحض شرعًا، بعضُ الشائعات عند عامِيَّتنا، بأنه في ليلة سَبْعٍ وعِشرين يُطَلقُ عُقالُ الشياطين.
رمضان أمانٌ كُلُّه من الشياطين كما في الحديث النبوي "إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة وغٌلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين".
وفي ليلة القدرِ هذا الحال السِلمي الوارِدُ ذِكرُه سالِفًا، وهي مُتوَقعة في عموم العشر الأواخر، مما يدفعُ هذه القِصص الشعبية غير المُؤسسة شرعًا.
إنَّ ليلة القدرِ مِنحةٌ عظيمةٌ أُعطِيَّها محمدٌ صلى الله عليه وسلم، بعد أن اضطلع على طول أعمارِ بعضِ الغابرين وإقبال بعضِهِم على الطاعات على امتداد حِقَبٍ زمنية مُتطاوِلة، فأُعطِيَّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بعد سُؤله، هذا الخير العميم.
فعملُها يَعدِلَ أجرَ وعملَ أكثر من ثمانين سنة، أرشَدَ الله إليها الجميع وتَقَبَّلَ منهم.
ولتكن هذه الأيام قَبلَ العيد فُرصةٌ للأغنياء للالتفاتِ لإخوتِهِم المُسلِمين الفُقراء، وخصوصًا الصائمين، ليفرحَ الجميعُ بعيدِهِم دون تمييز.
وللأسف يُلاحَظُ طيلة السنوات الماضية، وحتى في هذا الرمضان الحالي، تقاعُسَ بعض رِجال الأعمال، عن الإنفاق اللائق، حتى على ذوي أرحامهم، وفي هذا الشهر الكريم بالذات، مما يعني تفريطَ البعض في جانبٍ من التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم، قُدوَتُنا وخاتم الأنبياء والمُرسَلين، عليه أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم.
فلقد كان جوادًا، وكانَ أَجودَ من الريح المُرسَلة في رمضان.
آن لبعضِ "أغنياء" موريتانيا أن يَتَّعِظوا، فالكراهية أغلَبُها ومبعَثُها بين الناس الحِرمان والتجاهُل، فليكُنْ إنفاقُ العيد على المُحتاجين، فُرصَةً لعِلاج بعض هذا النقص المُشين.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.