وها هي السعودية تستعد للإقلاع بأجنحتها الثقيلة / محمد محمود ولد بكار

 كان لابد من عامل ثالث لتكتمل وحدة الشروط الضرورية لأن تواصل السعودية السير بطريقة أخرى وهي تتقلد زعامة العالمين العربي والإسلامي. إنه عامل الحيوية بعد عاملي القوة والرشد. إنها فرصة فريدة تتراءى للسعوديين في هذا الخضم لتخرج دولتهم على العالم ببزتها الجديدة: الرؤية لما بعد النفط ولما وراء الدبلوماسية التقليدية خلف شاب يرفل في العقل ويكلل هامته السعد.

لقد أظهرت الأزمة مع الجارة ـ قطر التي تثير الشطط باستمرار  ـ أنه لابد من تفعيل الدبلوماسية السعودية نحو المزيد من الفاعلية، خاصة أن الانسجام قائم على خطورة دور قطر الذي تقوم به بالوكالة، فأمام أول إجراء ضدها ظهر ما كان وراء الأكمة، فقد نطت كل من إيران وتركيا، وإسرائيل في الخفاء لنجدتها وهي الدولة المسؤولة عن الأحداث دراماتيكية في عالمنا العربي. إنه وضع من الإكراهات والمخططات انغرست فيه السعودية بسبب دورها المركزي طيلة العقود التي انشقت فيه أرضها  عن الذهب الأسود. وقد ظلت تسير في ضوء المنطق نفسه: من الملك فيصل إلى الملك عبد الله. وقد تغيرت أشياء كثيرة خلال، وبعد ذلك لابد من أخذها في الاعتبار، لقد كان الملك عبد العزيز تأتيه الصحف من البحرين بواسطة الإبل ليقرأها كهواية، وظل يتعامل مع مجتمع بدوي يسبقه بالعقل بقرون من الزمن. وكان الجيل الثاني يسيّر جيل التلفاز قبل أن يبلغ ذروته صحبة نخبة من الراشدين. لكن الوضع أصبح يختلف، فأغلبية الوطن من  الشباب  الذين يحمل كل واحد منهم من أربعة إلى خمسة حسابات من خلال هاتفه الجوال مفتوحة على العالم على فضاء اتويتر والفيس بووك والواتساب وميسنجر وغوغل غيرها، وبنقرة واحدة يلف العالم. رهانات تنتمي لمستوى آخر ونمط آخر من التفكير له سنه. فليست قوة الشكيمة وحدها من يمكنها الحفاظ على وضع الأمور في  نصابها باستمرار، لكن أيضا التعاطي مع الشباب ومشاركتهم في جزئيات من تفكيرهم، نعم، لا محيص. إنه إذن القرار الذهبي في الوقت الذهبي: تحول يأخذ بتلابيب الحيطة والرشاد: يرعاه الكبار ويدعمه اللاحقون. إن السعودية اليوم تمشي على رؤوس أصابعها في عالم ملغوم من حولها وقد دحرجت إليها مصر (زعامة القرار العربي) إضافة إلي زعامتها التلقائية للعالم الإسلامي . إنه وضع أكثر تعقيدا من المعتاد، ليس لأنه سيستوعب الدخل السعودي لحد كبير، لكن كيف ستصل معه السعودية  إلى التطور الذي وصلت له كثير من البلدان من دون النفط مثل ماليزيا وتركيا ونمور آسيا والصين والهند وباكستان وغيرها، ووصلت له بعض الدول النفطية مثل إيران، وقد تنَبّه له شاب يبلغ واحد وثلاثين خريفا: إنها الثورة الفكرية، وناصية القرار السليم. إنه الخروج من نسق معين ظل هو الاتجاه، إلى نبراس الحصافة. لكنه أيضا تخطيط وعمل دؤوب يتطلب  براعة في القرار في  اللغة وفي الخطاب وفي الطاقة الشخصية، فنحن نرى قادة العالم يتحولون بين الفينة والأخرى إلى شباب بدءا بالمغرب والأردن والإمارات وقطر وصولا إلى فرنسا وغيرها. فمن المهم جدا خلق الروابط الشخصية التي يسقط فيها جدار السن بين القادة. أما بالنسبة للغة فطبيعي أن يملك ولي العهد حسابا على تويتر أو صفحة على  الفيس بوك، وأن يلبس الجينس، وأن يتكلم بلغة الشباب فيخلق مزيدا من التعاطف بقصد الحشد لعملية البناء التي يلوح بها ،بالسواعد والعلم والعمل والجد. وبالنسبة للخطاب فقد اقترن اسم هذا الشاب بالإصلاح بمساحة  كبيرة للتغيير يتلهف لها الناس  في أفق  2030أي الانتقال من رؤية لأخرى أكثر انفتاحا ومواءمة  مع الوضع المتقلب في أسعار النفط وفِي مواجهة المخططات لزعزعة الوضع ،ومن استراتيجية لأخرى أكثر واقعية:  الانتقال من الاستهلاك إلى الإنتاج، أي المزيد من كل شيء. إن شعار ما وراء النفط سر من أسرار التطور الحقيقية  التي يجب أن ينسجم حولها السعوديون ويدعمونها ويعضون عليها  بالنواجذ ويجعلوها شعارا فخورا على صدورهم. ليس ذلك جولة بسيطة بالحديث بل لا بد له من رجل لا يفري أحد فريه   يملك شرعيات متعددة يحقق طموح الغالبية ويلتف حوله شعبه جاعلين منه رأس حربتهم الحقيقية ورهانهم التاريخي.
إنه بناء القوة وتخفيف الأجنحة، فلابد له من وعي بأهميته أولا، ثم قوة وقدرات كامنة  ثانيا. إن في تعيين محمد بن سلمان الطريق الأقرب في البحث عن ذلك : شاب حيوي تجاوز الطموح المشاع بين أبناء  جلدته إلى تطوير بلده . إننا في أصقاع العالم العربي والإسلامي يهمنا استقرار وتطور السعودية، ليس لأجل ما تبذله في مساعدة بلداننا من دون شروط ولا أذى، لكن لأن بها مقدساتنا ومناسكنا وقبلتنا. إن بها قلب الإسلام النابض، فمن يشاهد الملايين تصلي في سكينة ووقار وفي جو نظيف ويتخطفهم النسيم البارد والماء البارد في وضع ملائم مصنوع باليد و  تؤدي مناسكها دون خوف ولا ضجر ، مع إخفاء الجهود الشاقة والتكاليف الباهظة لذلك، يعلم علم اليقين أن استقرار ونجاح أمر السعودية ليس مسألة تخص السعوديين وحدهم بل تخصنا معهم. ونتمنى لهم كل التوفيق.

24. يونيو 2017 - 18:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا