الحصار أو المقاطعة أعمال وممارساه يأباه الإسلام ولا يقرها بأي وجه من الوجوه، بل إنه ليحرمها ويعد الفاعلين لها واقعين في الكبائر موعودين بالعقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولئن كان الحصار أو المقاطعة قد وقعت في مكة زمن الشرك والجاهلية والكفر فإن الله حرمهما في الإسلام، والكبائر والذنوب في ميزان الإسلام تعظم بحسب الزمان والمكان والحال،
كما هو حال حصار أو مقاطعة دول الخليج لجارتهم قطر صاحبة حق الإسلام والجار والرحم والقربى، وفي شهر رمضان شهر القرآن شهر الطاعة والعبادة والتوبة والإحسان ؟!
بلاد الحرمين الملكة العربية السعودية مأوى أفئدة المسلمين، فيها المدينتين التي يعتصم فيهما الإسلام كما يعتصم العلو في رأس الجبل، مكة والمدينة، والتي بأرز إليهما الإسلام كما تأرز الحية إلى جحرها، فهم عواصم الإسلام ومواطن مهبط وحيه والحاضنتين لرموزه ومقدساته، البيت الحرام والروضة الشريفة والجسم النبوي الطاهر، ترنوا إليهم أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويتجهون إليهم في صلاتهم، ويأتون إليهم للحج والعمرة والزيارة من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكر اسم الله، وهم يتطلعون للسماع من علمائهم لأصول الإسلام ومبادئه وناضجات فقه وفتاوى علمائه، في تفاصيل أحكامه وصنوف مناهج تطبيقه في هموم الحياة وتفاصيل دوراتها ؟!
ذلك أن خصوصيات وميزات ألدين الإسلامي أنه ليس مجرد تنظيم للحياة ولكنه دين واقعي يتعايش بأصوله ومبادئه وأحكامه مع الواقع بعيداً عن الافتراضات الخيالية والمثل العائمة التي لا تتوافق مع طبيعة النفس البشرية، ولا تستجيب لمتطلبات عمارة الكون! .
وقد جعل الله السيرة النبوية الشريفة هي المثال الحي للتطبيق العملي للمثل والأخلاق والمبادئ والأحكام الإسلامية كلها، بل هي المنهج الإسلامي الكامل بكل مكوناته في واقع الحياة، وبعيدا عن اعتبارها أحداث وأرقام ماضية يتسلى بحكايتها ويترنم بتفاصيلها مداح ومنشدون، وهي بهذا وبكل ما اشتملت عليه من أحداث وتوجيهات نور ساطع في سجل التاريخ البشري يقتبس منه من أراد في أي جيل دروساً تهدي الحيارى وترشد التائهين لأحسن السبل وأقومها، وبموازينها ومقاييسها توزن المواقف والمناهج والممارسات والمثل والقيم والأخلاق، وحتى حقيقة وطبيعة ووظيفة العلماء، وباعتبار أنها هي التجسيد العملي للقرآن في واقع الحياة؟.
وهي تقدم لنا في تفاصيلها المنهاج والقصطاص المستقيم الذي يبغي أن نسير عليه في عملنا واجتهادنا وعلاقاتنا وسلمنا وحربنا ورضانا وغضبنا، وتفاصيل وأحكام القيم الناظمة للحياة والعلاقات فيما بيننا، وبيان الثابت إنسانيا من الحقوق والواجبات التي لا يسمح الإسلام بالتفريط فيها وتضيعها تحت أي ظرف من الظروف، كالعدالة والبر بالناس والإحسان إليهم وإطعام الجائع وسقاية العطشان وكسوة العريان وإنقاذ الغريق ودفع الظلم عن المظلوم ونصرته، وتحريم الحرمان ومنع استخدام أرزاق الناس وأسباب مقومات الحياة أي ما يسمى بالحصار، الذي هو سلوك جاهلي وظلم وطغيان يحاربه الإسلام ويحرمه، مهما كانت الأعذار والحجج والتبريرات، وهو نمط من الطغيان يمارسه أهل العتو والفجور في حق أهل الإيمان من أتباع الرسل وحاملي قيم الدين، تجسد ذلك في أوضح صورة فيما يعرف بحصار الشعب، أي حصار قرش المشركة الكافرة للنبي - صلى عليه وسلم- ومن معه من بني هاشم وبني المطلب والمؤمنين بدعوته والمتطلعين لحمل هموم المظلومين من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وما أشبه الليلة بالبارحة في حصار القطر اليوم ومبرراته، القوم هم القوم كأنهم قريش؟
قال ابن إسحاق: "لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا به أمناً وقراراً، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم، وأن عمر قد أسلم؛ فكان هو وحمزة بن عبد المطلب مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وجعل الإسلام يفشو في القبائل: اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلك كتبوا في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيداً على أنفسهم.
فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم وبنو عبد المطلب إلى أبي طالب بن عبد المطلب فدخلوا معه في شِعْبه فاجتمعوا إليه، فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا، لا يصل إليهم شيء إلا سراً متخفياً به من أراد صلتهم من قريش. وقد كان أبو جهل بن هشام فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ومعه غلام يحمل قمحاً يريد به عمته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الل- صلى الله عليه وسلم- ومعه في الشعب، فتعلق به، وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله! لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فجاءه أبو البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فقال: ما لك وله ؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم! فقال أبو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت إليه؛ أفتمنعه أن يأتيها بطعامها ؟ خلِّ سبيل الرجل. قال: فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البختري لَحْيَ بعير فضربه به فشجه، ووطئه وطئاً شديداً وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فيشمتوا بهم؛ ورسول الله- صلى الله عليه وسلم -على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً سراً وجهراً مبادياً بأمر الله لا يتقي فيه أحداً من الناس" .
قال السهيلي: "وذكر ما أصاب المؤمنين مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الشعب من الحصار لا يبايَعون ولا يناكَحون.
وفي الصحيح أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر، حتى إن أحدهم ليضع كما تضع الشاة. وكان فيهم سعد بن أبي وقاص رُوي أنه قال: لقد جعت حتى إني وطئت ذات ليلة على شيء رطب فوضعته في فمي وبلعته وما أدري ما هو إلى الآن. وفي رواية يونس أن سعداً قال: خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول فإذا قطعة من جلد بعير يابسة أخذتها وغسلتها ثم أحرقتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فقويت بها ثلاثاً. وكانوا إذا قدمت العير مكة يأتي أحدُهم السوقَ ليشتري شيئاً لعياله فيقوم أبو لهب عدو الله فيقول: يا معشر التجار! غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئاً؛ فقد علمتم مالي ووفاء ذمتي؛ فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها حتى يرجع إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع وليس في يديه شيء يُطعمهم به، ويغدو التجار على أبي لهب فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعاً وعرياً" .
هذا هو شكل الحصار الفاجر الظالم الذي فعله كفار قريش، ولكنه لم يصل في فجوره وطغيانه إلى غلق الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية، وحتى حصار الصهاينة للفلسطينيين لم يحصل في الفجور والحرمان إلى مواصل إليه حصار السعودية لقطر، وأحكام الحرمة الباتة للحصار والمقاطعة معروفة في الفقه الإسلامي مدروسة ومسطورة في أحكام أبواب حقوق الجار وموجبات الشفعةـ وفي القوانين الدولة وخاصة في قوانين حقوق الإنسان وقوانين البحار وقوانين النقل الجوى والبري، وكافة الأعراف الأممية ؟
ولقد كنا نتوقع على الأقل من المملكة العربية السعودية في هذا الزمن الذي يتعرض فيه المسلمون من أهل السنة لهذا الابتلاء والبلاء العظيم من الفرقة والشتات والحروب الداخلية والخارجية، ونهب الموارد وتضيع الخيرات ـ وهي الدولة التي كنا نحسب أنها قائمة في جوانب من حياتها العلمية على بقية من منهج السلف وأثارة من حرمة وإشعاع الحرمين، أنها بذلك مؤهلة للعب دور الحامي لبيضة الإسلام الساهرة على حماية القيم ونصرة المستضعفين والمظلومين من أهل السنة المضطهدين بل من بني الإنسان، وأن ما فيها من بقايا منهج السلف الصالح، ووجود الحرمين يعطيها مناعة من لعب أطفال هوى مردة العلمانيين، وشياطين العلمالة للصهاينة ، كنا نحسب أن المملكة العربية السعودية، والحالة هذه أنها ستعمل على لملمة جراح الأمة، وأن تعمل على توحيد جهود كل الشعوب المسلمة من أهل السنة والدول العربية لمواجهة الأخطار والتحديات التي تهدد المسلمين والعرب في ديارهم.
ولقد كنا نتوقع كذلك من علماء المملكة العربية السعودية أن يدفعوا بولاة أمرهم في هذا الزمن الإسلامي والعربي الرديء إلى أن يعملوا على جمع كلمة المسلمين السنة شعوبا ودولا وحركات سياسية في حلف واحد لمواجهة الأخطار المحدقة بهم، أما أن تطل علينا المملكة بهذه الصحيفة الجديدة ألائحة الآثمة الكاذبة الخاطئة الغريبة التي ترتب فيها أعداء الأمة ترتيبا غريبا عجز عنه أهل الأحزاب من مشركى قريش، فتضع على رأس تلك اللائحة باعثة الوعي في الشعوب العربية وناصرة المظلومين المضطهدين من أهل السنة دولة قطر ورأس الحربة في مقاومة التغريب والتهويد والعدوان جماعة الإخوان المسلمين وفضائية التحريض على الوعي والمقاومة والنضال قناة الجزيرة ووعد الله المبارك في الأرض المقدسة المسجد الأقصى وما حوله، حركة حماس المتفرغة لمقاومة العدو الصهيوني المحتل، فأن تفعل السعودية مثل ذلك، العمل المحرم المشين فذلك يعني بأنها، لا تمتلك وعيا ولا انتماء، وأن علماءها يسيرون في المنهج والفقه على غير هدى من الله ولا من الوعي والسياسة الراشدة، وأنها في السياسة قد قرأت الأحداث التي هزت المنطقة في السنوات الأخيرة قراءة خاطئة تائهة، وبأنها استخلصت من تلك القراءة استنتاجات غريبة وغير متوقعة لا تختلف في أي شيء عن الاستنتاجات الغريبة التي يرددها وزير دفاع الكيان الصهيوني ومعتوه أمريكا التراب في خطابات حملته الانتخابية عنهم وعن المنطقة ؟
لقد برهنت المطالب 13 عشرة من دول الحصار لقطر أن دول الخليج الثلاث تنقم على قطر نجاحها وحيويتها و فاعليتها وموقفها من النضال والمقاومة ومن ثورات الربيع العربي و إسناد المقاومة في فلسطين و دور قناة الجزيرة في تحقيق الإنجازات الحضارية، ومطالب التحرر والنهوض، فلقد حققت شبكة الجزيرة للعرب والمسلمين مكاسب عظيمة جليلة منها :
1 ـ إنجازها وإعجازها في الحفاظ اللغة العربية، ورد الفاعلية والحيوية لها وجعلها لغة الثقافة والمثقفين في زمن العولمة .
2- أنها زادت من نسبة الوعي لدى المواطن العربي، ودفعته إلى ساحة النضال وشرف المقامة للاحتلال والوقوف في وجه الطغيان والاستبداد، والفساد والضياع .
2 ـ أنها تبنت قضايا العرب والمسلمين، وكشفت أسباب الحيرة والضياع، وبصرت بأسباب العزة، وحرضت على الأخذ بأسباب النصر والمنعة .
3 ـ انحيازها للشعوب دون الحكام، وتعريتها للفساد والظلم الممارس في النظام السياسي، وفساد الحكام .
4 ـ أنها استطاعت أن تثبت بأنه بإمكان فضائية عربية أن تنافس كبريات
الفضائيات العالمية بعقول عربية وفعل عربي جعل الآخر يتبعه ويستمد من صناعته الإعلامية الخبر والتحليل .