بين قناة الجزيرة والسيف والقلم / اسماعيل ولد الشيخ سيديا

كاميرا وقلم وميكروفون وإعلاميون ومكتب وحجز في قمر صناعي؛ وسائل مادية وبشرية متوفرة في عالمنا بوفرة؛ لكن البصمات والجمهور والرسالة أمور تختلف باختلاف القنوات الإذاعية مرئية أو مسموعة.
في العقود الماضية ظللنا في جنوب الكرة الأرضية وتحديدا في العالم العربي نتلقى أخبار الحيز الذي يؤوينا من غرف أخبار البي بي سي في لندن 

وال أر أف إي في باريس وال سي أن أن في واشنطن. ثم ظهرت قناة الجزيرة في شبه جزيرة صغيرة مطلة على شبه الجزيرة العربية تحكمها عائلة لا تؤمن بالديمقراطية التعددية كنظام حكم.
اتضح رويدا رويدا أن فكرة الجزيرة مبهرة؛ وأن شبكتها الإخبارية قادرة على مزاحمة برقيات قلاع ظلت تحتكر المعلومة كاذبة أو خاطئة من شمال الكرة الأرضية؛ ثم أصبح لجنوب المعمورة المغلوب على أمره مصادره.
لم تسلم الجزيرة كغيرها من وسائل الإعلام من شطط أخواتها؛ فأخطأت واعتذرت وصنعت من الحبة قبة؛ وسجن مراسلوها وقتلوا وحوكموا؛ ثم مالبثت أن بلغت سن الرشد فتعددت ألسنتها وخطوطها التحريرية وتخصصاتها؛ فكونت وبينت واحتضنت وصنعت إعلاما بلمسة عربية فصيحة والتبست بقيم عالمية؛ مستعينة بخبرات عربية عجنتها المهنية والمهاجر.
مشكلة قناة الجزيرة ولدت مع قناة الجزيرة؛ فجمهورها القاصي كان يتمناها وجمهورها الداني يعتبرها كفرا بواحا. ظهرت نسخ غير مطابقة للأصل من الجزيرة؛ تستخدم أساليبها ووسائلها؛ حتى الفرنسيون أبناء الثورة وحقوق الإنسان استلهموا روح الجزيرة واستخرجوا قناة فرنسا24 من أثير الجزيرة.
العربية؛ اسكاي نيوز والإخبارية والميادين وغيرها كثيرة؛ قنوات عزفت على سيمفونية الجزيرة الخالدة"الرأي والرأي الآخر" وحاولت أن تكون مثلها حتى باستقطاب إعلامييها.
حين أراد التونسيون إزاحة دكتاتوريتهم الظالمة كانت الجزيرة أول من أنبأهم أن صاحبهم هرب؛ وكانت الجزيرة حاضرة في كل مراحل استنساخ الشتاء التونسي الدامية.
وثق الراحل أسامة بن لادن في الجزيرة؛ وتأبط صحفيوها الكبار أدواتهم لتحصيل السبق في مشارق الأرض ومغاربها؛ وتحولت القناة عن جدارة لأكبر مطبخ في تاريخ المنطقة لميزان القوى. على شاشتها سقطت أقنعة وصعدت أخرى؛ ورفعت مظالم وصنعت أخرى وبرزت فكرة المباشر التي زادت الطين بلة؛ حيث كان سقوط كابول وبغداد وغليان ميدان التحرير والموت المباشر في رابعة؛ وأشلاء غزة وحمص وعدن وبنغازي من أجمل سيئات قناة الجزيرة.
وثائقيات الجزيرة وتقاريرها وحفاظها على لغة الضاد قلبا وقالبا أشياء ضمن أخرى جعلت من القناة تراثا وإرثا عربيا وإنسانيا تجاوزت به حدود القطرية والقطرية.
أخذ عليها الآخذون أنها لم تتحدث كثيرا؛ عن الإمارة التي تحتضنها؛ وأنها لم تستطع أن تولد في أرض تحب الإعلام الحر، بل اتخذت من منطقة تحكمها عائلات بالدين والدنيا ولا تريد للعرب أن يتحدثوا عنها من أرضها.
تحولت قناة الجزيرة مع مرور الوقت إلى أيقونة في المخيال العربي؛ ودخلت سماء الإعلام العالمي من بابه الواسع وصارت برقياتها بآلاف البرقيات؛ وافتتاحياتها بآلاف الافتتاحيات. وحين تم حصار قطر؛ طولبت بإغلاق الجزيرة ! لست مؤمنا بشمولية حرية الإعلام بقدرما أومن بشمولية الخصوصية في تلك الحرية.
ولئن كانت قناة الجزيرة مجرد أوراق وأقلام ورجال ونساء يكتبون ويقرؤون ويظهرون ويصورون لا سلاح لديهم سوى الكلمة؛ فلقد أظهروا كيف تستطيع أن تخوض حربا ضد الظلم والدكتاتورية والفقر والتخلف دون سيوف ولا رشاشات.
أيا كانت مخرجات الأزمة السياسية بين قطر والذين يحاصرونها فإن قناة الجزيرة قلم سيال لن تجففه السياسة وسيف خرج من غمده في زمن عز فيه السيوف والفرسان ولن يعود إليه.

26. يونيو 2017 - 11:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا