عن مجلس اللسان العربي في موريتانيا / د.التقي ولد الشيخ

في بداية الأسبوع الماضي طلب مني بعض من يستسمن ورمي ويحسن بي الظن ـ عافاه الله من داء التغفيل ـ أن أُرافقه لحضور إفطار دُعي له ينظمه "مركز حماية اللغة العربية" لبعض سدنة الحرف حسب تعبير صديقي الطيب حدَّ التغفيل وبعد التعلل في غير تكلف استطعت أن أتنصل من طلب رفيقي ذلك، لكنه ما نشب أن أعاد الكرة ملتمسا مني حضور إفطار تنظمه الشخصية العلمية والأدبية

 الرصينة ذات العطاء المعرفي المشهود شيخنا الشيخ الخليل النحوي على شرف لفيف من المهتمين باللغة العربية والمنافحين عنها وتعلن فيه انطلاقة أنشطة "مجلس اللسان العربي" ولا أكتمكم سرا إذا قلت لكم إن فَتْر طلب صاحبي ذلك قد ضاق عن مسير معاذيري لعظم المناسبة الثقافية وتقدير مكانة صاحبها الخليل النحوي الذي يسر المرء أن يحل"ضيْفَناً" عليه لولا أنه بقي في قوس الصبر عن حضور ما لم أُدع له منزعٌ؛ وقد عودت نفسي على أن لا أحشرها في المكان غير المناسب وأي إحراج يعرض له المرء نفسه أكبر من الجلوس إلى مائدة لم يسعه انتقارها!
ألح صديقي وألح معتبرا أن دعوة أمثالي لمثل هذه المناسبات ومن مثل تلك الشخصيات هي دعوة تلقائية، وفي قوله ذلك طيبوبة زائدة وقفز على الأعراف العلمية وإهمال لمتطلبات الذوق الراقي ونزوع إلى فطرة بدوية طرفية شعارها:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى   لا ترى الآدب فينا ينتقر
ولأياً أقنعت صاحبي بوجاهة ما أراه مما بسطت آنفا لأقول له إنني من معتنقي نصف مذهب القائل:
يا أيها الإخوان أُوصيكم   وصية الوالد والوالــــده
لا تنقلوا الأقدام إلا إلى    من عنده قد ترتجى فائده
إما لعلم تستفيــــــدونه     أو لكـــريم عنده مائده
فلا أعدم سببا في السعي للأُولى طالبا ولا أجد مسوغا للسعي إلى الثانية واغلاً.
وقد أكون متشبعا بما لم أُعط ـ في نظر البعض ـ إذا زعمت أنني ممن خدم اللغة العربية جِبلَّة وأن مجهودي ذلك قد يوازي مجهود بعض أعضاء ذلك المجلس الموقر من فلاسفة وعلماء اجتماع وفقهاء ووجهاء وأشخاص غير مصنفين بمقدورهم أن ينازعوني أحد ثوبي أو كليهما!
ومع أنني أعرف إخلاص أُستاذنا الخليل وتفانيه في خدمة اللغة العربية فلم تكن عدوى تغفيل محاوري لتصرفني عن الفطنة لما يواجهه مثل مشروعه ذلك من عقبات وإكراهات أقلها فداحة الإذعان لمحاصصة تفرز جهةً وعرقاً ومذهبا ولا تحرز لغة ولا نحوا ولا صرفا.
وعنِّي فقد تعودت على الإهمال والإغفال في مثل هذه المواسم والمنابر التي يضعك أغلبها بين أمرين؛ إما أن تقف متفرجا على تصدر المتعاطفين مع اللغة العربية صابرا على شديد أذى التقعر والتفاصح والتردي في مهاوي العاميات والرطانات، وإما أن تتكلف ما ليس لك بخلق من التمسح بالأعتاب والولوج فيما لا يعني حتى ولو كان ذلك بهدف خدمة غرض نبيل، وهنا يكون خيار الأسدي واردا للنجاة من مثل تلك الخيارات:
تجهز فإما أن تزور ابن ضابىء  عُميرا وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا خسف نجاؤك منهما   ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
في سنة فارطة ـ والأمر للأمر يذكر ـ قُدِّر لي أن أتعاون مع الجامعة في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها ومع شرف تلك المهمة فقد كنت أجد على الجامعة وأرى أنه قُدِر علي في مجال أرى لنفسي فيه فسحة فكتبت أبياتا ثلاثة علق عليها فيما بعد الدكتور الفاضل عادل باناعمه والأبيات هي:
عكفت على الفصحى صغيرا ويافعا   وفازت من أيام الحياة بخيرها
فلم أر فضل السبق فيــــــها لسابق        أبنَّ بمغناها وسار بسيرها
سوى أنه عــــــــنها سيبقى محلأً         يدرسها للناطقين بغيرها
وتعليق الدكتور هو:
لأنك يابن الأكرمين مؤمل    لخدمتها فاصبر على حر ضيرها
فما فتحت بابا لمال وإنما     يلذ لذي التقوى الخضوع لسيرها
فكن طيرها الشادي ويا رب روضة  أجلُّ مغانيها أهازيج طيرها
ألم أقل لكم إنني تعودت!

 

26. يونيو 2017 - 11:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا