مؤتمر الحزب الحاكم .. اندفاع نحو التغيير أم عودة للماضي؟ / سيد أحمد ولد باب

 

altمع الساعات الأولي من صباح يوم الأحد القادم ستكون الخارطة النهائية لقيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قد اتضحت معالمها، أو على الأقل باتت أغلب رموز الحزب معروفة لدى الكثير من صناع الرأي والمهتمين بمسار الحياة السياسية في البلاد.

بعد شهور من حراك داخلي أججت ناره صراعات قبلية وجهوية وفئوية مستحكمة ومسار أحداث لم توقف مجمل الأطراف في تجاوز مطباته بسلام… ورغم أن الحدث حزبي بامتياز إلا أن التغييرات المتوقعة داخل قيادة الحزب الحاكم والخطط المستقبلية له وقدرة الفاعلين فيه على التأثير في مجرى الأحداث السياسية والأمنية بالبلاد – بغض النظر عن رؤيتنا السالبة تجاه العديد منهم – تفرض قدرا من التعاطي الإيجابي مع المؤتمر والحزب نقدا للمسيرة وتبيينا للأخطاء ودفعا باتجاه ترشيد حياة سياسية باتت تحتضر في بلد كل سكانه تقريبا من السياسيين.. ارهاصات النشأة في الخامس من مايو 2009 ولد حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا وسط أجواء أزمة تعيشها البلاد بعيد استلاء الجيش على السلطة في السادس من أغشت 2008 مما شكل أرضية غير صحية سمحت للعديد من "طحالب" السياسة بأخذ مواقعهم داخل قيادة التشكلة السياسية الأبرز في موريتانيا مستفيدين من شطارة في النفاق اعتادوا عليها ،أو جهلا بالخارطة السياسية من قبل القائمين علي المشروع، أو رغبة لدى الرئيس الخاضع لامتحان الشرعية في لملمة الجراح الداخلية والإبقاء على أكبر قدر ممكن من التماسك الداخلي وسط أجواء من التفاؤل بتشكيل حزب سياسي يكون عامل وحدة للأغلبية ويصحح مسار حزب "عادل" الذي أنفلت زمامه من بين أيدي العسكريين رغم وضع رئيسه في المعتقل بعد أن انشغل قادة المؤسسة أو الثنائي "عزيز وغزواني" على الأصح بترتيب الوضع الأمني عن السياسي إبان الشهور الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ووزيره يحي ولد أحمد الوقف. حالة من الارتجالية لم تترك لرئيس المجلس الأعلى للدولة الحاكم ساعتها محمد ولد عبد العزيز بدا من التعبير عن عدم رضاه وهو يطالع لائحة المكتب التنفيذي للحزب المقترحة من قبل معاونيه قبل ساعات من استقالته من قيادة الحزب لموانع قانونية،بل ذهب أبعد من ذلك إلي درجة القول بأن غالبية الأعضاء تم اختيارهم من دون أسس واضحة وأن المهم هو القادم وما تقرره القواعد الشعبية مضيفا اسما أو اثنين علي اللائحة بعيد صعوده للمنصة ومتعهدا بمراجعة شاملة وفق الثقل الانتخابي والنجاعة السياسية للمسؤولين عن إدارة الحزب. ورغم أن الحزب حدد أولويات مكتبه التنفيذي في خمس كليات أساسية فقد نجح في بعضها وفشل فشلا ذريعا في البعض الآخر ضمن مسيرة ناهزت السنة تقريبا مستفيدا من تعلق الموريتانيين بأحزاب السلط وعجز المعارضة السياسية عن الفعل السياسي في كثير من الأوقات. ومع تخلي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن قيادة الحزب بعيد انتخابه رئيسا للبلاد كان رفيق درب "الجنرالين" ووزير الدفاع السابق محمد محمود ولد محمد الأمين قد تسلم قيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بطاقمه غير المتجانس وغير الفعال في امتحان صعب،يقال إن أقل تحدياته هو حشد إمكانيات مادية هائلة للقيام بحملة الانتساب وضبط المنتسبين الذي بلغ عددهم حوالي 500 ألف منتسب داخل البلاد وحدها ، وتلميع صورة حكومة بلغ العجز ببعضها مبلغه، وقتل الطموح الزائد لدى البعض الآخر بتجيير الدولة والأحزاب لصالح مصالحه مع قدر من الخلافات الجهوية كادت انتفاضة وزراء "أترارزة" تكون نواتها الأولي قبل أن يقرر الرئيس ورئيس الحزب وضع حد لها بعد ساعات فقط من مقاطعة المعنيين لمؤتمر "أركيز" الشهير..

أشواك على الطريق

حاول قادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم خلال الشهور الماضية دخول المعترك السياسي من مختلف الأبواب -في خروج علي التقاليد التي كرستها أحزاب السلط سابقا-ناشطين في الحملات الدعائية لصالح الحكومة رغم ضعف أدائها ،ومثرين نسبيا الحالة الثقافية في البلد من خلال الندوات ،ومتحالفين مع بعض أحزاب المعارضة في انتخابات مجلس الشيوخ تلطيفا للأجواء وتقديرا للحظة السياسية وميزان القوي،ومنافسين لأحزاب أخري على القواعد الشعبية ولو بأسلوب صبياني في بعض الأوقات كما حصل في مدينة نواذيبو من مهرجانات متزامنة مع أنشطة أحزاب المعارضة وصد عن سماع الرأي الآخر بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر،وهو المشهد الذي كاد يتكرر إبان مظاهرة المنسقية قبل بروكسل قبل أن يقرر الرئيس وقف "حوار الضرار" الذي دعته له أحزاب الأغلبية في نفس التوقيت.

ربط الحزب علاقات وازنة مع بعض الأحزاب العربية في سوريا والسودان والجزائر والمغرب وتراجع انفتاح الحزب الحاكم علي الجوار الإفريقي ربما لانخراط أغلب النخب السياسية الإفريقية في الحملة الدولية ضد انقلاب السادس من أغشت 2008،وأعاد الحزب تنظيم كتلته النيابة وغير قيادتها السابقة،واستقطب عددا من النواب الجدد وخصوصا من شركائه في الأغلبية مع ضعف في الأداء الإعلامي صاحب مسيرة الحزب منذ تأسيسه لم تنفع معه محاولات الترقيع والتغيير التي شهدتها لجانه الإعلامية خلال الشهور الماضية. كما أثرت الخلافات داخل الحزب على الصورة التي ترسم عادة في ذهن المواطن العادي عن أحزاب السلطة،وبات الحديث الإعلامي والسياسي عن التغييرات الممكنة في القيادة والخلافات المزمنة بين القادة وموقف الرئيس الموريتاني من مجمل تلك الأحداث ،دون أن تجد تلك الحقائق أو الشائعات من يضع لها حدا في ظل ضيق في الأفق لدي البعض ودفعا باتجاه التوتير من أطراف أخري مستفيدة من ظهور الخلافات وحالات الاصطفاف داخل الحزب بين مجمل المجموعات. ثبات أم تغير؟

واليوم وقد اقترب موعد الحصاد السياسي يرى ولد محمد الأمين ورفاقه أن الكليات الخمسة تم انجاز غالبيتها وتحديدا اكتمال البناء الداخلي بعيد عمليات الإنتساب والتنصيب،وتنظيم الأغلبية وتوسيع دائرة العمل السياسي المشترك مع الأحزاب الأخري ، من خلال إنشاء ائتلاف أحزاب الأغلبية الذي يضم اليوم أغلبية الأحزاب الداعمة للرئيس محمد ولد عبد العزيز مع يد ممدودة للمعارضة من أجل الحوار حتى ولو ظل الحوار بعيد المنال رغم ارتياح بيجل ورغبة ولد الوقف وايجابية حزب "تواصل" ...

لكن ما لايدركه قادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية "الحاكم" فعليا هو ما إذا كانت تلك "المنجزات" كافية لتجديد الثقة لغالبية أعضاء المكتب التنفيذي أم أن عين السخط لم تبد لرئيس الحزب السابق ورئيس البلاد الممسك بالملف غير النصف الفارغ من الكأس. منطق السياسة يقضي بالإبقاء حاليا علي رئيس الحزب محمد محمود ولد محمد الأمين إلي غاية انتخابات نوفمبر 2011 مع مراعاة عادلة للتمثيل العرقي والفئوي في نواب الرئيس يعيد للحزب بعض التوازن المفقود ويتم بموجبه الاستغناء عن بعض الرموز الذي انتدبوا إبان المرحلة الانتقالية إضفاء للمصداقية علي خطاب التغيير الذي تبناه رئيس البلاد وتعزيزا للمسحة الأخلاقية داخل الحزب من خلال اختيار شخصيات قادرة علي إيصال صوت الشارع السياسي إلي القيادة والعدل في تزكية المرشحين في الانتخابات القادمة من خلال تقديم الأكفأ والأكثر خدمة للناس بعيدا عن "لوبيات الفساد" التي عصفت بالحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي أيام الرئيس ولد الطايع وأنتجت نخبة جشعة متحكمة في مال البلاد ورقاب العباد ترقية وتنزيلا بحسب المزاج أو تماشيا مع خدمة الدفع المسبق... كما يحتاج قادة الحزب إلي إبعاد أعضاء الحكومة عن المناصب التنفيذية الحساسة لضمان فاعلية في الأداء يفتقدها المنشغل بالعمل الإداري ،وازدواجية تمنع العديد من أبناء الوطن من خدمة بلدهم إذا ما تم اشتراط الولاء لحزب معين كأساس للتوظيف في المناصب الإدارية، كما أن الشفافية تقتضي إلغاء كل حماية سياسية عمن يتولون إدارة المال العام دون أن يكون ذلك تشريعا للحرمان من الحقوق السياسية لمن يقع عليه عبء المسؤولية بقدر ما يشكل ضابطا مهما في بداية مشوار تشكل الدول...

5. يوليو 2010 - 13:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا