لا شك أن الاحتفاء بالأدب و روافده و الأدباء و عطائهم المساهم في نهضة العقول سنة محمودة و سعي مشكور يفي بمتطلبات التميز الذي ينشده أهل البلد للرفع من شأنه، و مناسبة لتكريم الجيل الذي ألهب الحماس و أطلق شرارة النهضة فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وفاء لذاكرة الأمة في حاضرها و مضيا إلى بناء قواعد مستقبلها.
و لكن حري بهذا الاحتفاء أن يكشف في كل مرة النقاب عن حصيلة مشتهاة من نتاج الإبداع الرفيع و المخرج المتميز ينهل منه الحضور و المشاركون و تستلهم أجيال الحاضر من الشباب المتعطش إلى رفع اللواء و وضع بصمته كخلف لفريد سلف؛ حصيلة إنتاج رفيع ينافس الوافد و يحمي من محتوياته التي تشكل خطرا على الهوية و المعتقد و مسطرة الأخلاق و النهج السلوكي القويم.
في كلمته القيمة، التي خلت من كثير تقعر في اللغة، رسم الشاعر أحمدو ولد عبد القادر لوحة نقدية "تجريدية" بالبعد الثلاثي جاء في مضمونها ما معناه أن الرعيل المؤسس لم يترك جانبا من جوانب الإبداع إلا هيأ الأسباب لانتشاله من درن الخرافة إلى رحاب التعبير فكانت تسمية المعترك الأول تحمل إلى جانب الأدب ـ الذي كان و ما زال يقتصر في أذهاننا على الشعر ـ السردَ بأنواعه و الفنون التشكيلية و النحت و الموسيقى و المسرح أبو الفنون و السينما (الفن السابع). و استطرد الشاعر مضيفا بامتعاض أن جذوة المشعل لم تَحتفظ كما ينبغي بوهجها و أن النقص باد في المنتج و المخرج على كل الأصعدة مما يقوض حركة النهضة المنشودة.
و بالطبع فإن هذا المهرجان كأغلب النسخ التي سبقت ينعقد وسط غياب صارخ:
· لأي مخرج أدبي ذي شأن، شعرا كان أو سردا،
· أو عمل نقدي أو إبداعي يسلط الضوء على قضايا الثقافة أو يقدم مقاربات و دراسات أو مبادرات تمهد الطريق للإبداع و تدعو إلى النهوض بشتى الفنون التي أضحت جزء من الثقافات و اقتصادا معينا على الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام،
· أو عمل مسرحي في غياب دار للمسرح، أو سينمائي في جهل بها، أو موسيقي في غياب أوبيرا، يذكر فيعتد به و يعتمد للمشاركة في التظاهرات الدولية من حولنا،
· أو حضور ذي بال، على المنابر الفكرية و العلمية الإقليمية و القارية و العالمية، إذا ما استثنينا ما يكون بين الفينة و الأخرى من حضور يسجل لبعض شعرائنا وسط غثاء المهرجانات الشعرية العربية الرخيصة في أغلب دوراتها الكرنفالية و التي تعتمد في النقد و التقييم و الغربلة و التصويت للفوز بالمراتب الأولى على الهواتف ضمن عملية تجارية ربحية لشركات الاتصال العالمية.
و بالطبع فإن الأدب و الفن في دائرة الثقافة الأشمل جزءان أصيلان من عملية التنمية و دعامتان أساسيتان لقيام كل نهضة ناجحة. و هما أيضا وجهان لا تُخفي ملامحُهما حقيقة و واقع الأمم في مراحل ازدهارها أو إخفاقها و ظهور علامات أفولها.
و لا يمكن، بأي حال من الأحوال، فصل واقع الثقافة المتردي و ضعف عطائها و تهميش أصحابها ـ باعتراف الصفوة ـ عن واقع التنمية المزري في ظل الفساد العصي على الحرب المعلنة عليه، و بحكم ميثاق "السيبة" و عقليتها التي يترجمها التهميش و الغبن و الكسل البدني و التبلد الذهني و انتشار لغة المجاملة و المدح و الهجاء و منهجية العبثية و الهزلية و استحكام النفاق في السلوك و الممارسة. فكيف لنبض الأدب النقي الرفيع الذي ينشد إصلاح الأمة و تنمية البلد أن يحيى و كيف لحروفه أن تلمع في ظل مثل هذا الحصار الجائر؟