العيد واحد الأعياد، وإِنما جمع بِالياء وأَصله الواو، للزومها في الواحد، وقيل للفرق بينه وبين أعواد الخشب، وعيدوا شهدوا العيد، وهو من عَاد يعود لأَنه يعود في العام، وأصل العيد ما اعتادك من هم أو حلم أو غيره. قال عمر بن أبى ربيعة:
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا *** إذا أقـــــول صـــحا يعتاده عيدا
كأنني يوم أمـــــسى ما تكلمني *** ذو بغية يبتغى ما ليس موجودا
بدأت البشرية الاحتفال بالأعياد في غابر الزمن، ويُعد الفراعنة من أكثر الشعوب اهتماما بالأعياد والطقوس الدينية، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد ذلك؛ قال تعالى في سورة طه على لسان فرعون:( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)، وأقوال أهل العلم في يوم الزينة، راجعة كلها؛ إلى أنه يوم معروف لهم، يجتمعون فيه ويتركون أعمالهم، سواء كان يوم عيد لهم، أو يوم سوق ويتزينون فيه بأنواع الزينة.
وبعد مرور ألف وخمس مائة سنة على عيد الفراعنة، أنشأ الحواريون عيدا خاصا بهم، جاء ذكره في الذكر الحكيم، من خلال حوار جرى بين الحواريين والمسيح عليه والسلام، وقد جاء مفصلا في سورة المائدة (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، قال البغوي في تأويل هذه الآية: عيدا ؛ أي عائدة من الله علينا حجة وبرهانا، أي أنهم سيتخذون اليوم الذي أنزلت فيه المائدة عيدا لأولهم وآخرهم، يعظمونه ويصلون فيه.
وقد اخترع المسيحيون بعد عيد المائدة، الكثير من الأعياد، منها على سبيل المثال لا الحصر عيد الفصح؛ وهو عيدهم الكبير يفطرون فيه بعد صومهم الأكبر، يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه يمدح آل جفنة:
قد دنا الفصــــح فالولائد ينظمـــ ن ســـراعا أكلة التيجان
يجتبين الجــــــادي في نقب الريـ ط علـيها مجاسد الكتان
ذاك مغنى من آل جفنة في الدهـ ر وحـــق تعاقب الأزمان
وعيد الشعانين وتفسيره بالعربية التسبيح، يحتفلون به في سابع أحد من صومهم، ويطلق عليه العرب اسم السباسب، يقول النابغة الذبياني:
رقاق النعال طَيِّبٌ حُجُـــزاَتـــــهُمْ*** يحيون بالريحان يوم السباسب
أما العجم فلا تحصى أعيادهم وطقوسهم ومن أشهرها عيد النوروز أو "النيروز"، وهو عيد الربيع ورأس السنة الفارسية، وقد ورد ذكره كثيرا في أدبيات الدولة العباسية، يقول البحتري مهنئا المعتضد بعيد النيروز:
إنّ یومَ النــــیروز ِ عادَ إلي العــهـــ ــــد الذي کان سنه أردشیر
أنتَ حولتـَه إلي الـــحالـــــــــةِالأو لي و قد کــانَ حائراً یستدیر
كما يحتفلون بعيد المهرجان، وبينه وبين النوروز 167 يوما، أي أنه في فصل الخريف وفي ذلك يقول الشاعر:
أحبّ الـــــمهرجان لأنّ فيه *** سرورا للـــــملوك ذوي السّناء
وبابا للــــــمصير إلى أوان *** تفتـَّـــــــــــح فيه أبواب السّماء
تنقسم الأعياد العربية في الجاهلية، إلى زمانية ومكانية، فالزمانية غير موحدة، فلكل قوم سنة وإمامها؛ بمعنى أن لكل قبيلة أيامها وانتصاراتها وفلكلورها الشعبي الخاص بها؛ الذي يختلف حسب التأثر والاحتكاك بالحضارات العريقة المتاخمة للجزيرة العربية. أما الأعياد المكانية فيتفقون على ما كان منها كالشعائر الدينية في موسم الحج.
ومن أقدم الشعراء الذين ورد لفظ العيد في شعرهم تأبط شرا، ومع أن محقق المفضليات، قد شرح لفظ العيد بأنه ما يعتاد الشخص من شوق وحزن، إلا أنني أظن أن صعلوكا مثله سيكون عيده بمثابة تخليد لإحدى بطولاته، مع أنه من الأرجح عندى من سياق ورود اللفظ أنه يخاطب الحلم الزائر، و الأبيات من القصيدة التى اختارها المفضل رأسا لمختاراته:
يا عــــــيد مالك من شوق و إيراقي *** و مَرِّ طيـــــفٍ علــــى الأهوال طراق
يسري على الأين و الحيات محتفيا *** نفســــي فداؤك من سار على ساق
على هامش موسم الحج السنوي تخلد العرب ثلاثة أعياد شهيرة هي: عكاظ وذي المجاز ومِجنة، فيلعبون فيها ويفخرون ويتنافرون، وقد شرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضوره إليها بنفسه الشريفة إبان عرضه لنفسه على القبائل .
و أشهر تلك الأسواق عكاظ، وهي سوق تجارية واقتصادية واجتماعية وأدبية، كانت مدّتها عشرين يوماً تبدأ من أول أيّام ذي القعدة لغاية العشرين منه، وكانت تسكن تلك السوق قبيلتا هوازن وعدوان، وأما البضائع التى تجلب إليها فهي : التّمور والخمور والسّمن والعسل والملابس والإبل... كما يقصدها الشعراء بأجود إنتاجهم الشعري؛ لأن فيها أشهر المحكمين وأغلبهم من بنى تميم، فيختارون أجود القصائد وأفضلها، فتسير بها الركبان. قال أبو ذؤيب :
إذا بني القباب على عكاظ *** و قام البيع و اجتمع الألوف
ذكر ابن كثير في سيرته، أن نفرا من قريش منهم عثمان بن الحويرث، كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا، يعظمون فيه الوثن، فينحرون له الجزور، ويأكلون ويشربون الخمر ويعكفون عليه، فدخلوا عليه في الليلة التي ولد فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأوه منكبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله، فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا، فجعل عثمان يقول:
أيا صنم العـــيد الـذي صف حوله * صناديد وفـد من بعيد ومن قرب
تنكست مغلــوبا فـما ذاك قل لنا * أذاك ســفيه أم تنــكست للعتب
فإن كـــان من ذنب أتــــينا فـــإننا * نبوء بإقــــرار ونلوي عن الذنب
وإن كنت مغلوبا ونكســت صاغرا * فما أنت في الأوثان بالسيد الرب
وروى أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قدم إلى المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْر)ِ ، وقال الحافظ بن حجر في تعليقه على الحديث، أنهما أعياد النوروز والمهرجان المجوسيان. وقد فرض الله عيدي الفطر والأضحى في السنة الثانية من الهجرة، فكثر استخدامهما بعد ذلك في الثقافة العربية، وتوسع الحقل الدلالي لهما، ومن الطريف أن الأضحى تؤنث يقول الشاعر:
ألا ليت شعرى هل تعودن بعدها *** على الناس أضحى تجمع الناس أو فطر
ويقول الآخر:
يا قاسم الخيرات يا مأوى الكرم *** قـــد جاءت الأضـــــحى و مالى من غنم
و قد وردت لفظة العيد في أبيات لأبى تمام، وقد أجاد في الجناس التام، ولفظة العيد الأخيرة نسبة إلى بني العيد من قبيلة مهرة القضاعية :
عامى وعام العيس بيـــن وديقة *** مســجورة وتنوفة صيهود
حــــتى أغادر كــــل يوم بالفلا *** للـــطير عيدا من بنات العيد
صار غرض تهنئة الخلفاء والأمراء بالعيد، مطروقا عند شعراء الدولة العباسية، و شعراء الدول التي خرجت من رحمها، وسنورد أمثلة من ذلك تكون كالعنوان لغيره، :يقول أشجع السلمي يهنئ أحد البرامكة بالعيد وكان منقطعا إليهم بوده:
لا زلت تنشر أعـــيادا وتطويها *** تمضى بـــــها لك أيّـام وتثنيها
مستـــقبلا جدّة الدّنيا وبهجتها *** أيّامــــها لك نـظم فى ليــاليها
العــــيد والعــيد والأيّام بينهما *** مـــوصولة لك لا تـفنى وتفنيها
كما هنأ البحتري الخليفة المتوكل بعيد الفطر في قوله:
بالبر صمت و أنت أفضل صائم *** و بســــنة لله الرضية تفطر
فانعـــــم بعــــيد الفطر عيدا إنه *** يوم أغر من الزمان مشهر
و يعد الشاعر العباسي ابن الرومي، من المكثرين في غرض التهنئة بالعيد،- رغم جدته آنذاك- فقد وجدت في ديوانه أربع قصائد في ذلك الغرض. وقد خصَّ عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، حاكم بغداد، بثلاث منها. فنراه يقول في مقدمة مدحته الدالية إثر الصلح بينه وبين أخيه سليمان، مازجاً بين العيد وهذا الصلح:
للناس عيدٌ ولي عيدان في العيد *** إذا رأيتك يابنَ السادةِ الصِّيدِ
ويقول في دالية أخرى يهنئه بعيد الفطر:
قد مضى الصّوم صاحبا محمودا *** وأتى الفــــطر صاحبا مودودا
ذهب الصّوم وهو يحـكيك نسكا *** وأتى الفطر وهو يحكيك جودا
ويقول في ثالثة:
عيد يطابقُ أول الأسبوع *** وقعت به الأقدار خير وقوع
أما الرابعة فقد خصَّ بها أبا الصقر فهنأه بيوم أضحى كان فيه نيروز:
أسْعـَدْ بعـــيدِ أخي نـُسْكٍ وإسلامِ *** وعيدِ لهو ٍ طـــليق ِالوجهِ بسام
عيدان ِ أضـــحى ونيـــــروزٌ كأنهـما *** يوماً فعـــالكَ من بؤس ٍ وإنعامِ
من ناضحٍ بالذي تحيى النفوسُ به *** وحائلٍ بــــينَ أرواحٍ وأجــــسامِ
كذاكَ يومـــــاكَ يومٌ ســــــيبهُ ديمٌ *** على العــــفاةِ ويومٌ سيفهُ دامِ
رأيتُ أشرافَ خلقِ اللهِ قد جــعلوا *** للـــناسِ هاماً وأنتمْ أعينُ الهامِ
أنتم نجـــــــومُ سمــاءٍ لا أفولَ لها *** وتلكَ أشـــرفُ من نــيرانِ أعلامِ
وخافكمْ كلُّ شيءٍ فاكـتسى نفقاً *** كأنه في حـــشاهُ حــرفُ إدغامِ
وفي أوج ازدهار الدولة الحمدانية نجد المتنبى يطرق غرض التهنئة بالأعياد، فيزيده رونقا وجمالا، ويشغل به الشعراء بعده. وذلك بعدما هنأ سيف الدولة، بعيد الأضحى سنة اثنتين و أربعين و ثلاث مئة (953 م ) بقوله:
هنــــيئا لك العــــيد الذي أنت عيده *** و عيد لمن سمى و ضـحى و عيدا
و لا زالـــــت الأعـــياد لبسك بعده *** تــــسلم مـــخروقا و تعـــطي مجددا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى *** كما كــــنت فيهم أوحدا كان أوحدا
وهنأه مرة أخرى بعيد الفطر فقال :
الصوم و الفطر و الأعياد و العُصُر *** منيرة بك حتى الشمس و القمر
تـــــري الأهلة وجــــــــها عم نائله *** فــما يخص به من دونها البشر
ومن الطريف أن المتنبي، لما ترك سيف الدولة وذهب مُغاضبا إلى مصر، ضاق ذرعا بعدم تلبية كافور لطلبه بالحصول على ولاية، فهَمَّ أن يتركه، لكنه لاحظ تشديد الرقابة عليه، فقد تم وضعه تحت الإقامة الجبرية، فلبث زمانا إلى أن قدم فاتك قبل العيد فمدحه ووصله الأخير بخيل ورماح ومال، فانتهز فرصة انشغال كافور في إعداد عطايا وخلع العيد، وإرسالها إلى الأعيان، فهرب وأغذ السير، حتى قيل إنه قطع في ليلة واحدة مسافة أيام ونجا من مطاردة خيل كافور.
اهتم شعراء الدولة الأندلسية بالعيد، خصوصا في غرض تهنئة الأمراء والأعيان، لكنهم أضفوا عليه بصمتهم المتميزة، فأخرجوه من البلاط، إلى الحدائق و البيوت، فصار الشعراء يتناولونه في الإخوانيات والغزليات الجميلة، ومن ذلك قول أبى البقاء خالد البلوى يخاطب إلفه برسالة هناء:
أهنئ بالعيد من وجـهه ***هو العيد لو لاح لي طالعا
وأدعو إلى الله سبحانه *** بشــــملٍ يكون لنا جامعا
وقول الوزير الحسيب أبى عمرو بن أبي محمد، مرتجلا ومخاطبا أعيان الطلبة عندما عادوه يوم العيد بعد وعكة صحية ألمت به:
لـــــله درّ أفـــــاضــل أمـــــجاد *** شرف النّديّ بقصــدهم والنادي
لمّا أشـــــاروا بالسلام وأزمعوا *** أنشــدتهم وصدقت في الإنشاد
في العيد عدتم وهو يوم عروبةٍ *** يا فـــــرحتي بثــــلاثة الأعـــياد
وقد عد النقاد من الانسجام المرقص قول ابن رشيق صاحب العمدة، في المعز بن باديس سلطان أفريقية، وقد غاب يوم العيد وكان يومًا ماطرًا:
تجـــــهّم العـــــيد وانهلت بوادره *** وكان يــعهد منك البشر والضحكا
كأنه جاء يطـــوي الأرض من بعد *** شــــوقًا إلـــيك فلما لم يجدك بكى
ومثله في حسن التعليل قول ابن نباتة المصري:
تهنأ بعيد النحر وابق مـــمتعا *** بأمــــثاله ســـامى العلا نافذ الأمر
تقـــــــلدنا فـــــيه قلائد أنعم *** و أحسـن ما تبدو القلائد في النحر
و من سلامة الاختراع ؛ وهي أن يخترع الشاعر معنى لم يسبق إليه ولم يتبعه أحد فيه ، قول ابن حجاج:
وإني والمولى الذي أنا عــــبده *** طريفــان في أمر له طرفان
بعيدا تراني منه أقــــرب ما ترى *** كأني يوم العيد في رمضان
الباحث: يعقوب بن عبدالله بن أبُنْ
يتواصل إن شاء الله
في الجزء الثاني سنسلط الضوء على عادات الموريتانيين في الأعياد