سجلت أسعار خامات الحديد مكاسب دامت أسبوعين متتاليين، وأدت إلى عودة الأسعار إلى عتبة 65 دولارا للطن، مسجلة أفضل أداء للأسعار منذ إبريل الماضي.
هذا التحسن العام لسوق خامات الحديد العالمية جاء بعد سلسلة من التذبذبات في ظل الضغط على الأسعار، وسط مخاوف متعلقة بالزيادة في الإمدادات، والمعروض من المادة الخام عالميا بسبب زيادة الإنتاج العالمي، وخاصة الإنتاج لدى الأربعة الكبار و الصين .
وقد تزامن هذا التحسن في الأسعار مع انقشاع غبار معركة الصين للتخلص من صناعة الصلب المعتمدة على خردة الحديد، والتي اتضح على الأرض أنه من أهم نتائجها حتى الآن إغلاق مصانع تصل مجموع طاقتها الإنتاجية إلى 120 مليون طن سنويا.
و تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنة المنصرمة بلغ حجم إنتاج سوق الخردة الصيني حوالي 143 مليون طن، وهذا الكم الهائل من الخردة في حالة استخدامه وإعادة تصنيعه كبديل عن خامات الحديد عن طريق مصانع أفران القوس الكهربائي يوفر على الصين حوالي 200 مليون طن من خامات الحديد، وهذا ما يبرر سعي الصين الحثيث للرفع من نسبة إنتاجها، وبجودة عالمية من صناعتها للصلب المعتمدة على الخردة، لكن هذا السعي الصيني يطرح أكثر من سؤال حول مصير طلبها على الخام الأجنبي، وبالتالي مستقبل الأسعار على المدى البعيد ...ما ذا لو حذت الصين حذو أمريكا بزيادة نسبة الخردة كبديل عن المادة الخام إلى معدلات قياسية؟
لكن هذا التحسن تزامن أيضا مع تخفيض مجموعة سيتي غروب (Citigroup Inc) من توقعاتها حيال الأسعار، حيث توقعت في تقرير لها صدر مؤخرا أن يصل معدل الأسعار خلال هذه السنة إلى (61 دولارا للطن ) بدل (70 دولارا للطن ) في توقعاتها السابقة، كما توقعت أن يصل معدل الأسعار خلال النصف الثاني من السنة الجارية إلى 49.5 دولارا للطن بدل 62 دولارا للطن سابقا.
كما توقعت الشركة السويسرية العالمية للخدمات المالية (UBS) أن تهبط الأسعار إلى مستوى ما بين 50- 55 دولارا للطن خلال ديسمبر القادم بسبب تأثير المخزون المتزايد على مستوى الموانئ الصينية، كما توقعت غولدمان ساكس (Goldman Sachs) أن تهبط الأسعار خلال النصف الثاني من السنة الجارية بسبب زيادة المعروض عالميا.
مؤسسة مورغان ستانلي الأمريكية (Morgan Stanley) بدورها خفضت من توقعاتها حيال أسعار خام الحديد، حيث توقعت أن يصل معدل الأسعار خلال هذه السنة إلى 63 دولارا للطن، كما توقعت أن يكون معدل الأسعار خلال الربع الحالي 50 دولارا للطن .
وعلى الرغم من كل هذه التوقعات المتشائمة، إلا أن المتتبع للسوق الصيني المحرك الأكبر للطلب على المادة الخام يلاحظ وجود عاملين رئيسيين في السوق قد يشكلان دعما قويا للأسعار؛ مما قد يدفعها لمواصلة الارتفاع ولو مؤقتا:
العامل الأول-: زيادة أرباح صناع الصلب الصينيين
حيث كشفت البيانات الصادرة عن السوق الصينية في الآونة الأخيرة عن زيادة معتبرة في الأرباح لصالح صناع الصلب الصينيين، وتحقيق صناع الصلب أرباحا أفضل من السابق قد يشجعهم على زيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة معدلات الطلب على المادة الخام، وهذا ما سيخلق الفرصة للسوق للتخلص من المخزون الهائل على مستوى الموانئ الصينية الذي بلغ نهاية يونيو الماضي 144.13 مليون طن.
العامل الثاني-: التراجع المتوقع للإنتاج الداخلي الصيني من المادة الخام
تصل تكلفة الاستخراج لدى غالبية المناجم الصينية إلى حوالي ( 80 -100 دولار) للطن، وفي أحسن الأحوال (50-60 دولار للطن) ، و يعتقد جل المحللين الصينيين أن بقاء الأسعار فوق عتبة 75 دولارا للطن هو الحد الفاصل بين الحياة والموت لغالبية المناجم الصينية الصغيرة، وواقع الحال يشير إلى أن الأسعار كسرت عتبة 75 دولار منذ حوالي أربعة أشهر، وهذا قد يؤدي إلى إغلاق غالبية هذه المناجم من جديد، وبالتالي التقليل من الإنتاج الصيني الداخلي.
الإنتاج الصيني الداخلي الذي بلغ حوالي 508 مليون طن خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الجارية بزيادة قدرها 10.4% ، يعتقد السيد جين سيباستين جاك (Jean-Sébastien Jacques) الرئيس التنفيذي لمجموعة ريو تينتو، و غيره أن نقصه هو أحد أهم العوامل التي يتوقف عليها مستقبل الأسعار في الأجل القريب.
إن زيادة معدلات الطلب على المادة الخام لدى صناع الصلب الصينيين في ظل تراجع متوقع للإنتاج الصيني الداخلي من المادة الخام قد يعيد التوازن بين العرض والطلب في السوق الصيني، وبالتالي يخلق الظروف المناسبة لاستمرار تحسن الأسعار الأخير. وتبقى التوقعات حيال الاقتصاد الصيني، وسوقها، وكل ما يتعلق به تخضع لتأثير قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أكثر مما تخضع لقوانين اقتصاد السوق الحر، وهذا ما يتجاهله أو يجهله غالبية المحللين الغربيين.