عن الإسلاميين وأحزاب المعارضة بموريتانيا / سيد أحمد ولد باب

altفي الثاني من يونيو 2009 وقعت أطراف الأزمة السياسية اتفاق العاصمة السينغالية دكار لوضع حد للأزمة المتفاقمة وللاحتكام إلي منطق العقل والشعب بعد شهور من الأخذ والرد كان زمام الأمور فيها غالبا بيد دعاة التوتير والفتنة من كلا الطرفين.

ومع توقيع الاتفاق بدت الرغبة واضحة لدي قواعد التيار الإسلامي الموريتاني أو المقربين من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" علي الأصح واضحة في "فك الارتباط" غير المقدس مع أحزاب المعارضة السياسية أو ما عرف ساعتها بالجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بعد تجربة شهدت الكثير من الأخذ والعطاء وكانت فرصة من دون شك لتعارف واسع بين نخب ظلت إلي وقت قريب تتعامل عبر الإعلام وتستقي منه معلوماتها عن الآخر.. ومع اقتراب الحملات الانتخابية كانت دوائر المعارضة "التقليدية" وخصوصا الاجتماعية منها قد أخذت قرارها بشأن مهاجمة الإسلاميين الرافضين لدعم مرشحي الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية أو تكتل القوي الديمقراطية المعارض سابقا ،وغيرت تلك الدوائر مسار المعركة من حقها في المشاركة السياسية ونيل ثقة المواطن إلي محاولة بائسة لإجبار الإسلاميين علي التنازل عن حقهم المشروع في التميز كفكرة ومشروع وحزب بعيدا عن دوائر باتت أقرب إلي التجمعات القبلية منها إلي المشاريع السياسية الناضجة. أخذ الإسلاميون علما بالمعركة ،وتجاهلوا اساءة الأقربين واكتفوا بالبحث في ساحة سياسية متخمة بالمشاريع والأطروحات عن نصير لمشروع يدركون قبل غيرهم أن أنصاره قلة في ظل الوضع القائم حاليا بعد عقود مارس خلالها الممسكون بالسلطة والمعارضون لهم سياسة تمييع طالت مجمل العقليات والفئات. دفع الإسلاميون الفاتورة غالية – وهم مستعدون دوما لذلك – خسروا كثيرا من علاقاتهم التاريخية بأحزاب المعارضة التقليدية ودوائرها المتحمسة ،ولم يندفعوا لكسب ولاء الأغلبية أو زعيمها علي الأصح رغم ارتياحهم المعلن للعديد من الإجراءات التي اتخذها منذ وصوله إلي السلطة في انقلاب عسكري انهي محطة قال الإسلاميون إنها كانت الأقرب إلي الأحكام المدنية من مجمل الأحكام التي عاشتها البلاد. كان رئيس حزب "تواصل" محمد جميل ولد منصور من أوائل المعترفين بولد عبد العزيز رئيسا لموريتانيا – قرارات الحزب أملت ذلك- ،لكنه لم يهنئ الرجل بعد فوزه فرفاق الأمس لا يزالون تحت الصدمة بعد أن أظهرت النتائج المعلنة من قبل وزير الداخلية المعارض أن الشعب لا يريد قادة المعارضة حاليا –علي الأقل- كما أنه غير متحمس لحكم الإسلاميين علي الإطلاق،ينضاف إلي ذلك أن قادة التيار الإسلامي غير متحمسين للتحالف مع السلطة حاليا أو التوقيع علي شيك أبيض لرجل لم تختبره بعد سوي وحدات الجيش ومجموعة قليلة من النواب غير المجربين. ارتياح وتحفظ لم يستوعبه الطرفان،فلا الأغلبية راضية بالاعتراف دون الدعم المباشر والعلني ،ولا المعارضة مستوعبة للاعتراف المبكر بنتائج الانتخابات من شريك ظل حتى يوم التصويت من بين الأحزاب المناوئة للنظام العسكري القائم.

 

من المواجهة إلي المراجعة مع انقلاب الجيش الموريتاني علي نتائج الانتخابات الرئاسية 2007 باعتقاله للرجل الأول في البلاد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله كان التيار الإسلامي في مقدمة الرافضين لحكم الجيش والداعين إلي إعادة العمل بالدستور،وكان نوابهم بعيدين كل البعد عن بوابة القصر ولم يشاركوا في حمل الرايات دعما "لتصحيح الجيش".. شارك الإسلاميون داخل وخارج البلاد بقوة في مسيرة الرفض – رغم الشوائب التي صاحبتها- وظل زمام الأمر دولة بين فرقاء الطيف المعارض ليتولي حزب "تواصل" قيادة أحلك مراحل الرفض (ما قبل السادس من يونيو)،وكانت تصريحات قادة الحزب تكشف بجلاء أن التنازل ممنوع وأن الاستعداد قائم،وشعر مجمل الإسلاميين بالتحدي واستوعبوا جميعا أن المرحلة لا تقبل انصاف الحلول. من معقل حزب "تواصل" لوح زعيم حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير برد الصاع صاعين لقوات الأمن،ومن علي منصة الحزب قدم شباب "تواصل" هداياهم الثمينة لقائد الحزب وحلفائه من جبهة الرفض (عصي رجال الشرطة) بعد مواجهات أحزاب الجبهة والشرطة قرب سوق "كبتال" مساء الخميس الأسود قبل ساعات فقط من توقيع اتفاق دكار.. وبعد توقيع الاتفاق من قبل السلطة وشركاء الإسلاميين في أحزاب المعارضة وتحول الأنظار إلي انتخابات الرئاسة 2009 شارك الإسلاميون إلي جانب مجمل الأطراف بمرشح للرئاسة لم تسعفه الموارد المالية ولا العقليات القائمة في حصد المزيد من أصوات غير التواصليين رغم وضوح الخطاب ونضج التفكير والحماس الداخلي لدي مجمل العاملين في الحزب أو المتأثرين به. وبعد فرز النتائج وهزيمة قوي المعارضة مجتمعة في الشوط الأول ابقي الإسلاميون كل الخيارات مشروعة في التعامل مع السلطة أو البقاء في المعارضة ،وأداروا النظر إلي الداخل،فالعاقل يدرك أن النفس معنية بالأخطاء ومراجعة الذات أولي خطوات التحرر .. وبعد أسابيع من النقاش الداخلي والمراجعة المتأنية ،زكي الإسلاميون قيادتهم الحزبية واعربوا عن ارتياحهم للخطاب الذي قدمه مرشحهم في الحملة الرئاسية والمرتبة التي احتلوها،واعتادوا ترتيب الأوراق مع تحوير طفيف في بعض الملفات تقتضيه المصلحة الحزبية وظروف البلد وصادقوا علي الخطط الجديدة وموازنة العام القادم وقرروا الانطلاقة من جديد، فللحزب شؤون وأولويات جديدة بعد حسم ملف الشرعية في البلاد لصالح بقاء ولد عبد العزيز رئيسا لخمس سنوات قادمة. انشغل قادة المعارضة وأنصارهم بالتباكي علي نتائج الانتخابات والبحث عن "الثابت والمتحول" في أحرف الهجاء وازداد الشرخ اتساعا بين معارضة لا تري في غيرها حكما وبين حزب أسسه أشخاص يؤمنون بنسبية الحقيقة في السياسية وضرورة التدرج في مراقيها ويدركون أن لله في خلقه شؤون وللشارع في الناس رأى يطاع ويحترم ،وينبغي الدفاع عنه إذا اقتضت الضرورة ذلك.

 

الإسلاميون والآخر ..أي علاقة ؟ منذ شهور عديدة والسؤال المطروح داخل الساحة السياسية عموما والمعارضة خصوصا هو : هل سيتحالف الإسلاميون مع السلطة أم سيظلون وسطا بين الفرقاء؟  وبغض النظر عن جدية السؤال من عدمه فالمؤكد حتى الآن أن التيار الإسلامي يميل إلي المعارضة الهادئة و يعترف بالرئيس ويتعامل مع الحكومة ويرغب في اعطاء الجميع فرصة للعمل فالبلاد تحتاج والشعب يستحق والأزمات التي عاشتها موريتانيا انتجت شعبا فقيرا ونخبة مائعة وقادة متعطشون لتبادل الأدوار من خلال تغيير الولاءات واستغلال كل سانحة لصالح تعزيز مراكزهم المالية والسياسية بينما كتب علي المواطن أن يدفع الفاتورة من عرقه وماله وحظه ظلما وغبنا من قبل الممسكين بالسلطة ،أو متاجرة وخذلانا ومزايدة من قبل المعارضين .. اختلاف في المسميات والضحية واحد. يستغل الآخر كل تصريح أو تعليق أو حضور أو تلبية لدعوة من قبل قادة حزب "تواصل" للتأكيد علي قرب تحالف الإسلاميين والسلطة وكأن في الأمر خطيئة ينبغي التكفير عنها ويتناسى هؤلاء رغيتهم المعلنة في دخول السلطة والمشاركة في تسيير البلاد،والتباكي علي كل "قريب" غادر مكانه ،والجنوح نحو اللامعقول (الباء الطائرة) حينما يرفض الشعب أن يوليهم قيادة البلاد في أي محطة من محطات الحسم المجبر عليها .  ولعل السؤال المطروح أكثر هو : متى رفض هؤلاء الدخول في السلطة ؟ وما الذين يريدونه من وراء تأسيس الأحزاب السياسية؟ وأين هو عمل الخير في أجندتهم اليومية؟ !!. صحيح أن النظام القائم يفتقد لكثير من العمق وتنقصه الشورى في المواقف والإجراءات،ويعاني من ترهل في أداء الإدارة سببه ضعف الولاء للوطن لدي أغلب مسؤوليه،وعجز كبير لدي البعض الآخر،لكن صحيح كذلك أن هنالك ما تم القيام به وأن الرجل علي الأقل حسم ملف الشرعية في انتخابات يوليو 2009 والدفع بغير ذلك مضيعة للوقت والبحث عن "شوط ثالث" قد لا يفيد..

29. أبريل 2010 - 13:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا