قيادة السعودية لأهل السنة ورباعية القاهرة وشتاء الخليج ومصر وأزمة التحولات الديمقراطية ؟!
كان الجهاد في أفغانستان وهزيمة الاتحاد السوفيتي المنطلق الأساسي والإعلان الأبرز لعجز وفشل وخوف أنظمة الحكم في الخليج ومستغلها أو مسعر نار أزماتها الجديدة النظام مصري الذي يعتبره المحمدين في السعودية والإمارات المنقذ لهم من تداعيات ومخاطر ثورات الربيع العربي، والتي يمثل فيها نظام الجنرال السيسي
اليوم وهم طوق النجاة والمنقذ لأنظمة الحكم المتهالكة والمأزومة داخليا والمهددة بالسقوط والانقراض شعبيا، وبفعل تداعيات وإكراهات العولمة وانتشار ثقافة حقوق الإنسان وأحقية المواطن في المشاركة السياسية في الحكم وتدبير شؤون الوطن، وهي الأمور التي تجلى التعبير عنها واضحا جليا ومزلزلا عبر وسائط الإعلام والاتصال في الثورات العربية(الربيع العربي، الذي أشعلت السعودية والإمارات نار الثورة المضادة له)، وقامت وسائل الاتصال الفاعلة والنافذة والتي لا يمكن حصارها ولا تحيدها، وهي الوسائط التي يرجع لها الفضل في خلك الوعي بتلك القيم المدنية والحضارية والثقافات الحديثة في السياسة ونظام الحكم، وحشد كل الطاقات ودفعها نحو إمكانية التغير والعمل على محاربة الظلم والفساد والاستبداد؟!
لقد كانت ومازالت المنطقة العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة هي المنتج والمنطلق لمظاهر كل الأزمات الكبرى والعوامل والروافع الحضارية، وحتى تلك الحديثة الموسومة بالمدنية كالديمقراطية والتنمية وعوامل استقرار الحكومات، وأسباب اضطراب سير المؤسسات، وتصاعد مظاهرة العنف السياسي، وبروز الجماعات والأحزاب اليسارية واليمينية المتطرفة.
كما كانت مصدر لعوائق التنمية وكساد الاقتصاد وتفاقم مظاهر الفساد الإداري والمالي، واضطراب الأوضاع النقدية، وانتشار مظاهر التضخم، وانخفاض حجم الإنتاج إن لم يكن غيابه تماما، وإفلاس المؤسسات المرتبطة بسياسات الأنظمة العشوائية الانفعالية الحاكمة لتلك البلدان، وركود المبادلات التجارية القائمة على التبادل في السلع والخدمات الأمر الذي نتج عنه الارتفاع الجنوني في الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وانتشار البطالة، وتصاعد موجات الإضرابات المجتمعية، وتلك الإقليمية والدولية، الأمر الذي نتج عنه التعجيل بمظاهر زعزعة استقرار تلك الأنظمة الهشة أصلا بفعل ركودها وجمودها .
ولقد عرفت دول الخليج في منظومتها الخليجية البائسة والحائرة والعاجزة مولدا وطبيعة وبيئة ما بعد الثورة الارانية والتآمر الأمريكي الاراني الخليجي لإسقاط الحكم في العراق أو على الأصح الدولة السنية الأقدر على قيادة وحماية أهل السنة والنظام السياسي في العراق وأفغانستان قبلها، فقد ولد المجلس في بيئة مضربة شعبيا ومتأزمة سياسيا، تجلى ذلك في أنظمة حكم غير مؤهلة ولا منسجمة فكريا وضعيفة سياسيا، فاقدة لثقة شعوبها في كل السياسات والمؤسسات والأحزاب وحتى البوصلة الحضارية، الأمر الذي ساهم في ظهور وتفعيل دور الجماعات المتطرفة، فازدادت حدة الخوف من خطر الإسلام السياسي الحاضر والفاعل في الحياة الخليجية ومصر حضورا لا يمكن أن يقصى أو يحيد مهما كانت قذارة وبشاعة الحروب التي تشن عليه وقساوة المواجهة المفتوحة معه.
دول الخليج الخارجة في السياسة والحكم عن دورة الحياة، خارجة لتوها من حروب استنزاف فاشلة وكارثية اقتصاديا عجلت بظروف، ظهور العجز الكبير في الميزان التجاري، وغزو السلع الأجنبية الرخيصة الثمن والرديئة الصنعة لكل الأسواق الخليجية، الأمر الذي أدى إلى ظهور تأثيرات ضغط حجم الضرر الذي لحق بمعظم الفئات الاجتماعية من انتشار الوعي من جهة والبطالة من جهة أخرى، وتزايد القلق والخوف من المستقبل .
واردات مصر المتهالكة لدول الخليج المأزومة: لقد جاءت مصر المثخنة بالجراح إلى مجلس التعاون الخليجي ضيفا ثقيلا ومكلفا سياسيا واقتصاديا فهي خارجة لتوها من ما يسمى بالسلام الذي لم يحقق لها السلام الخارجي ولا السلم الداخلي ولا التفاهم السياسي إقليميا ودوليا، ودون أن تحقق مصر أي من الهداف التي كانت تبحث عنها في السلام مع الكيان الصهيوني، وهي التي عاشت سنين نحسات مقاطعة من محيطها في ظل أكذوبة السلام وتبعاته الحروب الداخلية والأوضاع المتأزمة وظلت حكوماتها المتعاقبة، عاجزة عن احتواء أو تفكيك الجماعات والأحزاب المعارضة ومنها جماعات الإسلام السياسي وجماعات اليسار والتي تمارس كلها المعارضة وصراع دائم من بين قوى المعارضة في داخل البرلمان وخارجه، في الوقت الذي واجهت فيه كل الحكومات المتعاقبة في مصر ارتفاع الأسعار وتدهور وضعية الفلاحين، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وتزايد عدد العاطلين عن العمل، وتزايد المظاهرات والإضرابات العمالية، والاندلاع أعمال العنف ومن ثم الثورات الشعبية .
عوامل مجتمعة وظروف مضطربة ساعدت وبشكل كبير في بروز وتوسع نفوذ جماعات الإسلام السياسي والأحزاب اليسارية والتي لجأت جميعها إلى قدر كبير من العنف في مواجهة عنف الدولة وطغيانها وفشلها في تحقيق أي من المطالب الشعبية، وفي عملية بحث عن سبيل للوصول إلى السلطة المغتصبة دائما .
السعودية وزعامة وقيادة أهل السنة: هل تمتلك السعودية الرؤية والفكرة والقدرة والاستعداد لقيادة أهل السنة ومنهم أهل السنة، وهل أحست السعودية في سياستها والتحديات التي واجهتها بمنافسة جادة وحادة من محور تركيا وقطر على زعامة أهل السنة وفي وجه الشيعة وإيران الناهضة المتحدية بنموها العلمي والعسكري وامتداداتها الأيديولوجية والمذهبية في المنطقة، فكانت المواقف الناقمة الحاسدة الموجهة لقطر بدل المنافسة العملية والجادة للعدوة إيران؟!
أهل السنة مصطلح فكري وعقدي فقهي أطلق في القرون الأولى وفي عالم أهل الفرق والمذاهب على الأشاعرة والماتوريدية، وهي الفرق التي تجسدت فيما بعد فقهيا وعقديا في المذاهب الأربعة الفقهية ثم في المدارس الصوفية، وأهل الفروع الفقهية، وهي المدارس والطوائف التي كانت على جفاء حارق وقاتل وفي أحيان كثيرة على عداوة معها وحتى مع جناح المدرسة الحنبلية الذي تبنته السعودية منذ ظهورها كدولة مهيمنة وحاكمة لبلاد الحرمين، فانتهجت منهجا يعادي كل الفرق الإسلامية والمدارس الفقهية إلا جناح المدرسة السلفية الحنفية الذي اختارته الدولة السعودية وتبنته، واشتد نكير دعاتها وفقهائها على بقيت المذاهب والمداس والفرق الأخرى التي ينتمي لها ما يقارب90% من العالم الإسلامي، وأنفقت السعودية في سبيل ذلك المال والجاه والسلطان وحتى حرب الخليج الثانية؟
بعد حرب الخليج الثانية وجدت السعودية نفسها مكشوفة الظهر حضاريا فالشعوب الإسلامية من أهل السنة منقسمة انتماء مابين تيارات دينية وأخرى مدنية قومية وعلمانية كلها تناصبها السياسات السعودية العداء تاريخيا وواقعيا، فالإسلام السياسي وبما فيه المنتمين للمنهج السلفي والمدرسة الحنبلية، يواجه العداء والتشويه والحرب القذرة والمسعورة من السعودية وبالقدر نفسه الذي تعادي به السعودية مدرسة الإخوان المسلمين وما تفرع عنها أو تأثر بها من مدارس وجماعات الإسلام السياسي، وتيارات المدرسة السلفية الجهادية وحتى العلمية، وهو نفس الحظ والنصيب الذي نالته المدارس الصوفية والحركات القومية والتيارات العلمانية، المنتمية كلها لعالم أهل السنة، والمتورعين عليها ؟!
قطر الحنبلية المذهب السلفية التوجه القليلة العدد الصائبة الرؤية والتفكير الناضجة في العمل السياسي والمنافسة في اقتصاد المستقبل الطاقة(الغاز) التقطت الخيط بذكاء حضاري ونضج سياسي وساندتها في كل ذلك تركيا السنية الحنفية المذهب دار الخلافة الإسلامية الناهضة القوة الضاربة تاريخيا والصاعدة علميا وعسكريا وسياسيا المستوعبة للإسلام السياسي والصوفي، وكل أنواع تشكيلات الأمة، فكان كل المتاح للحاكمين الجديدين الشابين العلمانيين المعاديين للإسلام السياسي محمد السعودية ومحمد الإمارات الذي يضرب السعودية في الظهر من تحت الحزام في اليمن(الحراك الجنوبي)، كما يضربها المنقذ المزعوم من الإسلام السياسي الجنرال السيسي في الظهر من تحت الحزام في سوريا، ما يمتلكونه هو إعلان تلك الحرب الخبيثة الظالمة الجائرة المنافية لكل القيم الإسلامية والإنسانية على قطر القليلة العدد الكبيرة العمل والطموح المتحدية بإعلامها الناضج وسياساتها الفكرية الإستراتجية والعلمية والاقتصادية الحاضرة والفاعلة والمؤثرة، وما يمكن لها أن تعقده وتحققه من علاقات وتحالفات لا مع جماعات الإسلام السياسي، والتيارات العلمانية والقومية، وإنما أيضا مع القوة الإقليمية والدولية الفاعلة وبأدوات العضر ووسائل التأثير فيه ؟