حضور العيد في الأدب العربي (ح2) / يعقوب بن عبد الله بن أبن

حضور العيد في الأدب العربي
الجزء الثاني : عادات الموريتانيين في الأعياد

    منذ دخول الإسلام إلى هذه الربوع، وأهلها يحتفلون بالأعياد الشرعية؛ كالفطر، والأضحى، وعيد المولد النبوي الشريف. وهي أيام فرح وسرور تلبس فيها الزينة، وتقام لها الولائم، ويتبادل الأصهار الإكرام والاحترام، ويحضر الأزواج، ويعد تخلفهم استهانة بالزوجات إلا لعذر. وقد أنشد أحد الأدباء في ذلك:

يَلاَّلك يَـحدْ فَـــطْرَكْ  *** راهُ شرگْ افْمالْ
وفْبوتلميتْ حَصرَكْ *** تِـــــتگارأرحَّــال
     ويروى أن الأديب محمد ولد محمد اليدالي، أرسل في طلب صاحبه واشترى منه بضاعته؛ كي لا يتأخر عن شهود العيد مع أهله. وقيل إن الأديب الولي بن الشيخ يبَّ عالج نفس الغرض في كافه الجميل:
يلّال مگْرب ذا الْعيد *** عاد ومَبْعد بَلْشانَ
مني بعدانَ، ما ابْعيد*** ش گاع اعلَ مولانَ
و على ذكر "بلشان" - ومن باب التداعي الحر-، فقد وردت في عدة مقطعات للشاعر ابوه بن لسياد اليدوكي، مثل قوله وقد أجاد في الجناس التام:
يا درة أشبهت في الحسن مرجانا*** لا تقطعي من حبال الوصل مرجانا
غراء ما إن يرى أسنانها ورع *** إلا وبات مــــع الشـــيطان وسـنانا
كانت ببلشان قبل اليوم فارتحلت ***عــــنها ومـا زاد ذا بلشان بل شانا
   ينتهز الموريتانيون فرصة الأعياد، للتزاور والتواصل والتسامح، فيدخل الرجل بيت الجار الجُنُبِ والصاحب بالجنب، مهنئا وطالبا التحلل من حقوق الجار الكثيرة، ورغم أهمية هذه العادات في نشر روح التسامح بين أفراد المجتمع، إلا أن الشيخ سيد أحمد بن سيد عثمان بن مولود الغلاوي، أفتى بعدم حليتها؛ لشبهة لقاء الأجانب، وذلك في نظمه الشهير الذي يقول في أوله:
يا طـــالبا بالوصل نيل الأجر *** ليـس بوصل العيد غير الوزر
أما دخـول الدور يوم الفطر *** فلـــيس ممـــدوحا بــهذا القطر
لأنـــــه يــــوم تـبرج النسا ***ومـــــن يـــــبحه لــلورا فقد أسا
إلا لمن غض عن المحارم *** طــــرفا ولـــــم يصغ لقول آثم
    تعنى لفظة العيد عند الإطلاق - في هذه الربوع- عيد الأضحى، وأحيانا يسمى "عيد الحم" أما أعياد الفطر والمولد فلا تتغير أسماؤهما، ومن تعظيم الموريتانيين للأعياد الشرعية أنهم كثيرا ما يبرمجون مناسباتهم الاجتماعية بالتزامن معها، ومن باب التورية بألفاظ العموم من الفقه، تأتى أبيات الشيخ محمد عالى بن زياد الأبهمي، التي وري فيها بحرمة صوم يوم العيد، وندبية صوم النصف من شعبان، من خلال استخدامه لاسمي رجلين أكرمه الأول وقصر الثاني في حقه فقال:
لله حـــــكم عــــلى الأيام مختلف*** فــــمنه مــاهو ممنوع ومطلوب
فحرمة الصوم يوم العيد لازمة *** ويوم شعبان فيه الصوم مندوب
ومن ذلك الباب أيضا، قول القاضي الأديب محمذن بن محمدفال (اميي) ، وقد أجاد في مراعاة النظير:
كِنْتْ أَمْنَادِمْ مُفِيدْ *** غِيرْ أثْرَكْ عِتْ اتْزِيدْ
أيَّامْ الفِطْرْ ابْعِيْد  *** يَـــخَيْ امْـــنَيْنْ أُفَــاوْ
وُفَاوْ أَيَّامْ العِــيدْ  *** وَ الْـــعِيدْ أهْلُ مَاجَاوْ
دائما يكون العيد مناسبة لرفع قيمة الاستهلاك والصرف، ومن الطريف أن هذا التلازم لم يخص التقاليد الموريتانية، بل تعداها إلى العلوم المحظرية، فها هو النحوي محمد بن مالك يجمع بين الصرف والقيمة والعيد في ألفيته الشهيرة بقوله في باب التصغير:
واردد لأصل ثانيا لينا قلب *** فقــــيمة صير قويمة تصب
وشذ في عيد عــييد وحتم *** للجمع من ذا ما لتصغير علم
  تتحد مختلف الجهات الموريتانية في مظاهر الاحتفال بالأعياد، فبعد الصلاة يخرج الرجال للتزاور، كما يبدأ الأطفال التجول في أزقة المدن، مرتدين ألبستهم الجديدة الجميلة، وربما طلبوا من بعض الكبار العيدية أو "انْديونَه" وهي كلمة ولفية تطلق على الدعاء الذي يعقب صلاة العيد، وقد خصتها غلبة الاستعمال بهدية العيد فصارت علما عليها. يقول صديقنا الأديب المبدع باركلل بن دداه:
امْبَارِكْ الْعِيدْ وَ السْمَاحْ لَعَادْ *** مَطـْــــلوبْ رَانَّ سَـامْحِينْ
و انْدِوْينِــتْنَ عَاطِــــينْهَ زَادْ *** مَانَّ بَاخْلِينْ لِلنَّاسْ كَامْلِينْ
  أما النساء فيخرجن في زينتهن زرافات ووحدانا، وغالبا ما يكون ذلك ضحوة يوم العيد كما يخرجن في المساء، فيجتمعن عند الطبل، يقول الشيخ الأديب المختار بن حامد :
وببدر تم مشرق في وجهها *** و بفرعها الليل البهيم الساجي
و بها غداة العيد بين الغيد إذ *** يخـــتلن في حلل من الديباج
وقد أشار الشيخ امحمد بن أحمد يوره، إلى خروج الغيد ضحوة العيد،  في أبيات عقد بها حكم المعلوم بالنحر والمعدود بالرمي، والطريف أنه بدلا من أن يذكر عزو الفائدة – كعادته- ، اختار ضبط وقت تحريرها، ولا يخفى ما في ذلك من الإبداع والتناغم مع الموضوع، وقد تصرفنا قليلا في البيت الأخير :   
يوم الأضاحـي يومه معلوم *** وغـــــير معدود وذا معلوم
و بعد يوم عيـــــدنا يومان *** يا صاح معدودان مـعلومان
و ثالـث الأيام عكس الأول *** و غـــــير ذا علــيه لم يعول
نظمت ذا ضحوة يوم العيد *** قبــــل خروج الغيد في الجديد
    من المعهود في القرى الواقعة في ولايتي اترارزة ولبراكنة، تنظيم حفل فلكلوري،بمناسبة العيد، يطلق عليه "طبل العيد" أو "اللامَ" وإن كان اللفظ الأخير يطلق على الاجتماع ،سواء كان في عيد أو غيره. يقول الدكتور الأديب جمال بن الحسن رحمه الله متعجبا من تقلب صروف الدهر:
سُبْــــحَانكْ يَالحَيْ المَجِيدْ  *** مَانِ لَكْ مِنْ فِعْلكْ شَاكِ
عِتْ آنَ نَسْمَعْ طَبلْ العِيْد *** تــَــاكِ وِ انــْــتَمْ الاَّ تاَكِ
     تبدأ تحضيرات الحفل بعد العصر ويبلغ أوجه قبل الغروب، حيث تتعالى أهازيج الفرق الفنية، ورقصاتهم الشعبية... وتصور لنا أبيات الشيخ الأديب أحمدُّ بن اتاه بن حمينَّ، التناغم الجميل بين الراقصات عندما قال:
غوان بيوم العيد تضرب بالدف *** و تضــــــرب في تَفنانها الكف بالكف
و ترقص في الميدان في ميلانها *** لذا العـــــطف في آن و آن لذا العطف
و يضربها الحلي الذي في قرونها *** على الخد في ذاك التثني على لطف
يغنـــــــــــين وَفقا في رخاء و شدة *** لضــــــاربة الطبل الرئيسة للصف
أما الشاعرمحمد محمود بن ففا، فقد صوب عدسته نحو الجمهور وصور لنا مشهدا حيا عاشه على هامش "طبل أحد الأعياد فقال:  
و غانية حســـــــناء في جانب الدف *** تمـــــيل لها الفتيان من فرج الصف
فلا هي ممن يحسن الرقص و الغنى *** و لا هي ممن يضرب الكف بالكف
كشفت حــــجاب الستر بيني و بينها *** و لا عيب في شيخ إذا كان ذا كشف
     عادة ما يكون يوم الزينة موعدا لاختيار المرأة التي "ستشيل رأس النعامة"، وهي عبارة ذات دلالة جمالية؛ وتعنى حيازة قصب السبق في الأناقة والأنوثة، أما أصل اشتقاقها؛ فيرى البعض أنه متعلق إما بسرعة النعامة أو في علو رأسها لطول رقبتها، وقد قيل فيه غير ذلك... أما "شالت نعامته" التي وردت في الشعر العربي؛ فتعنى التفرق والموت، يقول أبو الصلت بن أبي ربيعة مهنئا سيف بن ذي يزن:
واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ***وأسبل اليوم في برديك إسبالا
ويلعب الشباب الأدباء دور المحكمين، ويعلنون اسم خاطفة رأس النعامة، عن طريق نص شعري فصيح أو حساني، تتلقفه القيان وتسير به الركبان، ولا يصرح الأديب في الغالب باسم الفائزة، لكنه قد يضمن نصه قرينة يحصل بها تمييزها عن غيرها. وتوجد نصوص جيدة في ذلك اللون الأدبي، لدى بعض الثقافات العالمة، وسنورد نماذج منها تكون كالعنوان على غيرها، يقول الشاعر المجاهد سيدن بن أحمد الشيخ الوافي الكنتي  – حفظه الله- في إحدى قصائده يذكر بطحاء "تَلْمَدِ" الموجودة في مدينة الرشيد:
وشالت نـــــعام الغيد بالثغر والخد *** من النســـوة اللائي أقمن بتلمد
تميس كغصن البان أخضله الندى *** فيا لك من ميس ويا لك من خد
ويقول شاعر آخر وقد أجاد في حسن التعليل:
لقيت في الواد يوم العيد غانية *** شـــــــالت لرأس نعام الغيد والرقبه
وقد رمتني بسهم لا مرد له *** والرمي في العيد قد خصوه بالعقبه
وقال الشيخ محمذ بن أحمد العاقل رحمه الله في ذلك المعنى:
رأس النعامة في أحياء ديمانا *** يمش الهوينا على أحقاف بلشانا
ولأحد الشعراء الفاضليين :
رأيت فتاة الغيد في العيد شالت *** على ربرب البتراء رأس النعامة
وقد عبر الأديب الأريب امحمد بن شماد، على طريقته الإيگيدية عن وجهة نظره فقال:
امج للامَ عِـــــــمْرانَ *** وگفِتهَا هِي لگصيَّ
كِيفْ الْفاتْ عليَّ وَانَ  *** وَ لله مَـــافَاتْ إعْليَّ
أما الفنان الأديب لعور بن انگذي فقد بين في نصه، السر في إحراز إلفه للقب "راص انعامة" فقال:
رَاصْ انْعَامِتْ ذللِّى احْصَرْ *** رَاصُ بِـــيَّ تِخْرَاصُ
بَاگِ مِنْ رَاصُ مَا انْــــظَـفَرْ *** گِدْ ابَّاشْ اگبَظ رَاصُ
ويبدو أن الشاعر أبوه بن لسياد، لم يجد في "غيد اللامة" من تستحق اللقب فصرح بذلك قائلا:  
رأس النعامة بالتحقيق ما نيلا *** كلا و ما نيل بالحَنا و لا النيلا
ينتهز التجار فرصة الأعياد، فينزلون إلى الأسواق موضات جديدة من الألبسة ، تتلون أسماؤها حسب مستجدات الساحة الإعلامية و الأدبية، وقد شاعت موضة "الشارع" الشفافة، في الشوارع مطلع السبعينات، فلم يفوت الأدباء اقتناص التسمية من أجل إبداء وجهات نظرهم حولها، يقول الشيخ المختار بن حامد رحمه الله:
تجـــول الغـــادة في الشارع *** يذهــب من جمالها البارع
إذ تـــذرع الشــارع مختالة *** في مشيها كالفارس الفارع
لا هي بالمروءة استمسكت *** و لم تـــراع أدب الشــارع
وفي نفس السياق، كتب القاضي الأديب محمدن بن شماد رحمه الله، النص التالي وقد أجاد في الجناس التام والمتمعن للنصين يرى أنهما في غاية الانسجام.
الشَّارِعْ حَـــرَّم فَاتْ البَاسْ  *** الشَّفَافْ إعلَ بَعْضْ النَّاسْ
وَانَ بـَـــعْــدْ ولانِ قِـــيَّاسْ  *** بـِـيَّ گاعْ الْ مَـانِ بَارِعْ
فالحُـــكْمْ أُ لاهُ مَـاهِـــباَّسْ *** مَخْبـَــــرْنِ فَحـْكَامْ الشَّارِعْ
گِدْ اللِّي نَعْرَفْ عَنْ لَرْيَامْ  *** اللٍّي تِسَّــــدّرْ فِالـــشّـــَارِعْ
فالشـَّـــارِعْ تَحَدِّي لَحْكَامْ  *** الشَّارِعْ وَ آدَابْ الشــــَّارِعْ
وفي موضة حلي قادمة من السنغال تعرف بالمقداد،  يقول الأديب الأريب ول محمد العبد: 
كِثْرُ لِمْــــــقادِيدْ افْذ العِيدْ *** افرَگـــــبتْ كِلْ امْرَ مِقدَاد
أكْحَلْ غِيرْ أكحَلْ لِمْقاديدْ *** مِقدادْ افرَگبتْ مِنتْ أجْدَاْد
الباحث: يعقوب بن عبدالله بن أبن
في الحلقة الأخيرة من هذا المقال سأعالج  حضور العيد في دواوين شعراء البيظان
 

8. يوليو 2017 - 17:42

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا