كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الوحدة الوطنية ، وأصبحت موضوعا لمبارزة سياسية بين القطبين الكبيرين : المعارضة من جهة والموالات من جهة أخري. الأولي تدعي أن الوحدة الوطنية قد قضي عليها هذا النظام ، وتقدم أدلتها علي لذلك من خلال خطاب متشاءم ، ودعاية مغرضة ...والموالات تشجب وتندد بذلك الخطاب وتلك الدعاية ، معتبرة أنها مصدر القلق الوحيد علي الوحدة الوطنية ، فكثرت الندوات والمحاضرات
التي أنعشها مفكرون ومثقفون كبار في الفنادق وعلي الشاشات التلفزيونية ، ورغم موسوعية ،وقدرة ،وبراعة المحاضرين ، لم أجد في ما قدموا ما يشفي لي الغليل في الموضوع مما أعتبره جوهرا حقيقيا لإشكالية الوحدة الوطنية المطروحة اليوم؟.إذ لم يتنبهوا إلي أن الوحدة الوطنية بحاجة إلي التجديد ،وأنها الآن في مرحلته.
إن الوحدة الوطنية لمجتمعنا تقوم علي مقوم أساسي واحد هو الدين الإسلامي ، وإذاكان الدين الإسلامي بما هو عقيدة وعمل يتم تجديده عند رأس كل قرن من الزمان ، فإن الوحدة الوطنية أولي بالتجديد ولن نعرف مصداقية القول بذلك إلا إذا وقفنا علي نشأة هذه الوحدة ، وتشكلها عبر العصور .
نشأة الوحدة الوطنية
إن الوحدة الوطنية للمجتمع الموريتاني الحديث ، لم تأت وليدة الصدفة ، بل إن التاريخ يشهد أن هذه الوحدة التي نتحدث عنها حاليا ، قد مرت بمرحلة مخاض عسير دام أربعة قرون تقريبا ، أي منذ نشأة حركة المرابطين ،في( 426 ـ 541)هجري = (10 ـ 11)م إلي نشأة مجتمع البيضان في القرنين (10 ـ 11)هجري = (16 ـ 17)م ،فبين هاتين المرحلتين تلاقت مكونات عرقية ودينية كثيرة في هذه البلاد ....ولم يكن الانسجام بينها بالأمر السهل ، فظلت طيلة تلك القرون الأربعة تعيش ثنائية حياة المد الزجر ، الحرب والسلم ، الاستقرار والهجرة ، الكثرة والإنقراض ،إلي أن تجلي هذا الصراع وظهر فكانت الغلبة فيه بالإضافة علي وحدة الدين عاملا مباشرا لحصول الوحدة بين مكونات تلك المنطقة (شنقيط قديما = موريتانيا حديث) ، ولسنا الآن بحاجة إلي الحديث عن مكونات ذلك المجتمع ، حتي لا تذهب بنا الروايات التاريخية كل مذهب ، وحسبنا أن نقتصر علي ذكر المكونات الرئيسية لذلك المجتمع وهي أولا : المكون الصنهاجي القديم الذي امتزج منذ فترة غير قريبة مع مكونات زنجية من ممالك حكمت أغلب تلك البلاد مثل مملكة السونغاي ، ومملكة الصوصو...ثانيا : مكون قبائل بني حسان الهلالية الوافدة إلي المنطقة .... وقد نشب صراع قوي بين هذين المكونين ، وأدي هذا الصراع إلي تعميق الشرائحية التي نعرفها اليوم داخل هذا المجتمع ....وقد كان الدين الإسلامي هو العامل الحاسم الذي أدي إلي سيطرة مجتمع البيضان ، وذلك من خلال انتشارالحسانية القريبة من اللعة العربية التي هي لغة الوحي (الدين الإسلامي) ،وانقراضت اللهجات الأخري كالصنهاجية الخالصة ، وكالآزيرية المزيجة من الصنهاجية والسونوكية.
ومنذ ذلك الوقت عرفت مكونات هذا المجتمع المختلفة (أعراقه ،وفيئاته) بعضهم البعض وعاشوا مع بعضهم أحلي الأيام وأمرها : شعبا واحدا همه الأساسي أن يعيش بسلام وأمان ، ولذلك ظل يدا واحدة للدفاع عن حوزته الترابية ، وضد الإعتداء علي أي من مكوناته ، يوحده القانون الإجتماعي في الإسلام ،لكن هذه الوحدة لابد أن يعتريها ما يعتري العقيدة من زيادة ونقص .......فإذا كان الإيمان وهو الذي تنضبط فيه العلاقة بين العبد وربه الذي خلقه، يزيد وينقص متأثرا بتبدل الأحوال،أو بطول المدة والمراس ...فحدث ولاتستغرب أن الوحدة الوطنية التي تنضبط فيها علاقة فئات وأعراق المجتمع تتقوي وتتعزز ، وتضعف وتهن ، وهي لذلك بحاجة إلي التجديد،لكن السؤال الذي يطرح نفسه ، هو متي تكون هذه الوحدة بحاجة إلي التجديد ؟ وكيف يتم تجديدها ؟.
إن الإجابة علي السؤال الأول تتطلب منا أن نسأل هل من زمن محدد لتجديد الوحدة الوطنية ـ كما هو الأمر بالنسبة للدين الإسلامي ؟وإذا لم تكن هناك مدة محددة فمتى نعرف أنه أصبح من اللازم تجديدها؟.
الواقع أن الحاجة إلي تجديد الوحدة الوطنية تظهر عندما يبدأ كيان المجتمع يتصدع ، وتصبح كل فئة إجتماعية تنظر إلي نفسها وحقوقها وواجباتها بمعزل عن الأخري ، ويتسرب الشك إلي عقول بعض الناس بحصول التمييز بين الأعراق في الحقوق والواجبات ، هذا بغض النظر عن حقيقة الادعاءات أو عدمها ، المهم أن تحصل مثل تلك الإدعاءات ،وتجد صدي في نفوس عامة الفئة أو العرق مهضوم الحقوق ، المهمش .. !!.
مرحلة تصدع الوحدة الوطنية
"ومن ذلك ماحصل في موريتانيا سنة 1966 حيث بدأ حراك الزنوج خجولا مقتصرا علي إبراز الخصائص الثقافية والإجتماعية لهم "الأمر الذي أحدث لا حقا صدي في نفوسهم .
وهوالصدي لا يحصل دفعة واحدة ، بل بالتراكم حيث يتفطن المهتمون من حملة لواء الدفاع عن الفئة أوالعرق إلي كل صغيرة وكبيرة تحصل في المجتمع فيؤولونها ويوظفونها لخدمة إدعاءهم ويحاولون إقناع العامة بأنها دليل علي الغبن والجور والظلم المسلط عليهم ،وفي العادة يواجَه هذا الإدعاء بالرفض من الداخل ،وعندما يمضي زمن علي بداية هذا الشعور، يكون قد حصل بالتراكم اقتناع بأن الأمر حقيقي ،فتنحبس الأنفاس المظلومة !! وتنظر بسخط إلي العرق أو الفئة الظالمة ، فيبدأ صدي الدعاية بالتحول من شعور باطني إلي فعل حقيقي واقعي ،وبحسب الظروف والإمكانيات ..يأتي الفعل وغالبا ما يكون مجرد تعبير عن حال فاض من النفوس؟،"مثلما فعل زنوج موريتانيا حين استطاع مثقفوهم من قوميات البولار والسوننكه والوولف توحيد صفوفهم في حراك مناوئ لعروبة موريتانيا ورافضٍ لانضمامها للجامعة العربية عام 1973 ومؤكدٍ على العمق الافريقي لبلادهم ـ الأمر الذي يعكس الرغبة في فتح صفحات قديمة من التاريخ قبل نشأة الوحدة الوطنية ـ وتطور ذلك الحراك لاحقا في العام 1986 لتتمخض عنه وثيقة سرية وزعت في شوارع العاصمة الموريتانية نواكشوط ، أعلنت عن تأسيس "قوات تحرير الأفارقة الموريتانيين" المعروفة اختصارا بـ"أفلام" ".
وكذلك "تأسست حركة الحر في 5 مارس 1978 عندما تبني بعض مثقفي هذه الشريحة مسؤولية الدفاع عنها ، معتبرين أنها مسلوبة كل الحقوق ومضطهدة ومستعبدة ...فما كان منهم إلا تنادوا في ذلك التاريخ لتأسيس هذا التنظيم الذي وإن لم يرخص فإنه ظل موجودا يناضل ضد ما يدعي أصحابه ،أنها العبودية بأبشع مظاهرها وتراكم مخلفاتها عبر العصور: معتبرين أن شريحة لحراطين ـ في إشارة إلي التراتبية التي ذكرنا آنفا ـ ظلت منذ نشأة هذا المجتمع مهمشة ومظلومة ، واليوم آن لهذه الشريحة أن تسترجع حقوقها ، فكانت حركة الحر بنضالها المستمر منذ تأسيسها هي التنظيم الذي عهد إلي نفسه بالدفاع عن هذه الشريحة".
وفي ظل تتابع وتطور الأفعال المعبرة عن حدوث ذلك الشرخ بين مكونات المجتمع ، ما يكون من أمر الفئة أو العرق الظالم في نظرهم؟! إلا أن يواجه خصمه الجديد بكل قوة ، ويقمعه بقسوة ظنا منه أن ذلك سيكون مجديا في توقيف التمرد عند بدايته ، "مثلما حصل مع الزنوج الموريتانيين سنة 1987 وسنة 1990 ، حينما قاموا بمحاولات انقلابية فاشلة علي نظام ولد الطايع،فانتهت بقمع شديد لهم : تصفية عدد منهم وتهجير المئات إلى السنغال ومالي المجاورتين".
لكن العكس هو الذي يحصل ، حيث يتحول كل قمع إلي دليل جديد علي وجود تلك المعانات ؟، حتى لو لم يكن ادعاءها في الأصل حقيقيا ، حينها يتحول الظلم الموهوم إلي حقيقة واقعية ، فتنحبس الأنفاس ثانية لكن السبب الآن خارجي : قوة ضاغطة ظالمة، أما الأولي فسببها داخلي : إحساس بالغبن لكن مع بقية أخلاق وشيء من التقوي(العرفان لشيء من ماضي الحياة السوية)، وفي هذه المرحلة ، يصبح المجتمع علي كف عفريت نتيجة زيادة سقف المطالب لدي الفئة أو العرق المضطهد والمظلوم ؟ "مثلما فعل الزنوج سنة 1989 إثر الأحداث الآنفة الذكر حيث رفعوا سقف مطالبهم ونادوا بانفصال مدن الجنوب عن السيادة الموريتانية... وذلك انطلاقا من دول الجوار التي شكلت حاضنة حقيقية لهم بعد أحداث 1989 ،قبل أن يحولوا العاصمة الفرنسية باريس مقرا دائم لقوات تحرير الأفارقة الموريتانيين وفي ظل هذا التصعيد يتوقع يظل البلد مهددا ".وعندما يبلغ التأزم مرحلة متقدمة ، لم يبق إلا واحدا من خيارين :إما أن يتم تجديد وإعادة بناء المجتمع فينجوا ، وإما أن ينفجر.
مرحلة تجديد الوحدة الوطنية
وأما الإجابة علي السؤال الثاني : كيف يتم تجديد الوحدة الوطنية ؟ فيجرنا قبل الإجابة إلي الإقرار بحتمية وجود مجدد ،وهو بالضرورة قائد المجتمع ورأس نظامه ، لكنه ليس أي قائد ، بل إنه يتميز بكثير من الخصال المطلوبة للقيام بهذا الدور،ويمكن أن نجملها في خصلتين :القوة والحكمة.
الدور إذا بيد قيادة المجتمع (النظام): فإما أن يكون علي قدر المسؤولية ويتمتع بالحكمة الفائقة..وإما أن يكون عاجزا فيعوض عن عجزه بالضغط والقوة المفرطة،فيزداد حبس الأنفاس والضغط الداخلي ...لكن هذه المرة لا يكون بمقدور أحد كتمان الأمرـ السخط علي الشريحة أوالعرق المتغلب ـ والسيطرة عليه في الداخل مثل ما حصل مرات عديدة ، فتقع الكارثة والعياذ بالله : الحرب الأهلية ،بعد انعدام الثقة بين مكونات المجتمع ، والتشرذم المكبوت منذ فترة حتي بلغ درجة الإنفجار.
كيف نعيد بناء المجتمع ونجدد والوحدة الوطنية؟
إن معالجة مسألة الوحدة الوطنية هنا ،ومحاولة إنقاذ المجتمع من وضع كارثي محقق ،هي عملية إعادة بناء المجتمع من جديد. إنها تجديد للوحدة الوطنية ، وهي عملية تقتضي أن نشهد علي أن هذا المجتمع هو مجموعة من الفئات والأعراق المختلفة ، لا أن نظل نكرر شعب واحد ،أمة واحدة ، مجتمع واحد .
فالمشكلة المطروحة اليوم والتي لا يعلم الكثيرون أنها بدأت تطرح منذ قرابة خمسين سنة مضت هي :السخط الضمني علي تلك الوحدة ،فلابد إذا أن نؤكد أولا أن هناك فرقا ما بين أطياف هذا المجتمع ، وهوما يمكن أن يقرأ ضمنيا من خطاب المعارضة حول الموضوع حينما تقول إمعانا في نقد النظام: إنه فكك المجتمع ـ لكن رب ضارة نافعة ـ خصوصا إذا كان النظام قويا وقادرا...لذلك يمكن القول إن المعارضة ـ أي معارضة ـ كلما كانت شديدة ضد النظام ـ أي نظام ـ كان ذلك من حسنات النظام ودلالات قوته ، لأنه يستخدم المعارضة ـ غالبا ـ من حيث لا تشعر ، ويستغلها من حيث لا تعلم لخدمة أجندته السياسية، بل ويدفعها أحيانا وقصدا إلي ما يريد ،وهكذا كان تشنيع المعارضة في مسألة الوحدة الوطنية والذي يهدف للإساءة إلي النظام وكذا احتضانها وتبنيها لكل حراك عنصري أو شرائحي ، قد جعل مكونات المجتمع ترتاح بأنها أصبحت متميزة عن بعضها.
لكن تأكيد اختلاف مكونات المجتمع هذا ،هو الخطوة الأولي والضرورية جدا لإعادة بناء المجتمع من جديد (تجديد الوحدة الوطنية) وهي المهمة التي ينهض ولد عبد العزيز للقيام بها منذ وصوله إلي السلطة كما سيتبين لاحقا.
ولد عبد العزيز هو :المبعوث لتجديد الوحدة الوطنية
يمكن أن تستشف مصداق ذلك القول من خلال بيان أن هذه المهمة تحتاج إلي جهود كبيرة قد يعزب بعضها عن الطرف الرئيسي مما يعني وجود عدة أطراف معه ، لكن يظل الطرف المعني المبعوث هو الفاعل وهو مركز كل النشاطات المؤدية إلي أنجاز تلك المهمة ،ومن ذلك ما سنقف عليه من دور للمعارضة ، ولعامة الشعب الموريتاني إضافة إلي جهود وسياسة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
إن المعارضة لا تعلم أن في خطابها ... خطوة إيجابية لا تريدها ...وهي حتى يطمئن كل طيف إلي أنه موجود معلوم الوجود ،لما يسمع في الخطابات السياسية أنهم يتميزون في الساحة السياسية ...وأن لهم أهدافا يتظاهرون من أجلها ،حينها يظهرون في عين الآخر مساوون لغيرهم في الحقوق والواجبات... ليقرؤ بعد ذلك من حكمة تعامل النظام معهم: أنه لا سبيل إلي طلب تلك الحقوق بالخراب والدمار والممات . والأولي أن يجملوا في الطلب ، وأن ينحازوا للسلم والأمن والاستقرار؛ حينها تتداخل المعاني ،فيفهم كل واحد قصد الآخر(الإعتراف ) ، فيتلون المشهد بألوان الطيف ،فتكتمل الصورة ، فيعود المجتمع إلي سابق عهده : مجتمعا واحدا له تاريخ واحد ، وحاضر مشترك ،ومصير أوحد : لا تفاوت بين أطيافه إلا من حيث الحضور والفاعلية في خدمة الوطن وترقية المجتمع.
لقد طُرح مشكل الوحدة الوطنية في موريتانيا مؤخرا، لما كثر الحديث عن وجود عدة مظاهر لتفكك المجتمع وانفراط العقد الضمني للوحدة الوطنية ، لدرجة أن البعض يتنبأ بما هو أسوء ويُحمِل الرئيس محمد ولد عبد العزيز المسؤولية كاملة عنه ، بحجة أن هذا الحراك لم يوجد إلا في عهده ، وأن تلك الظواهر لم تحدث إلا بسببه!! ولذلك اخترت أن يكون عنوان المقال سياسيا ، لا أكاديميا كأن يكون الوحدة الوطنية في مرحلة التجديد.
إنني أعتبر ذلك التحليل وتلك النظرة سطحية جدا مع احترامي لأصحابها ، فلا أتهمهم بالعجز عن القراءة العلمية للأحداث والوقائع واستدعاء التاريخ ، بل أرجح أن يكون التصامم والتجاهل هو السبب :خدمةَ لموقف سياسي معين!! .
فالصحيح هو عكس ذلك تصور وتلك النظرة السطحية ؛لأن الأحداث ذات السياق الواحد متصلةَ حتي ولو أظهر طول المدة بينها الانفصال .ولا يسعنا في هذا الإطار إلا أن نقول بأن هذه الإحداث الجديدة الموجبة للحديث عن الوحدة الوطنية ، كانت ستأتي حتما... ولو أنها حصلت في ظل نظام لايتمتع بقوة الإرادة والحكمة التي تميز هذا النظام لكان الوقع أشد وأفظع ـ حسب اعتقادي ـ ولو أن الإنفلات كان قد حصل في هذه الفترة لكان ولد عبد العزيز بقوة إرادته وصدقها وبحكمته قادرا علي لملمة المجتمع ومعالجة الأوضاع ...لكنه لحكمة من الله استبق الأمر وعاجله قبل أن يصل مرحلة الخطر التي يكاد ينفجر الوضع فيها ، وذلك لما منح الحريات ،وأزال عقدتي الدونية والتفوق،وركز في الانجازات وخدمة الوطن علي مالا يمكن أن نفرق فيه بين عرق وعرق ، ولا بين فئة وفئة ... فمنع بالحرية زيادة التراكمات ...الإثنية ، وفرج بها عن أنفاس كانت محبوسة ومهجرة.
فلقد عاد "صمب تيام" من منفاه الاختياري ومن معه سنة 2013 إلي وطنه موقنا أنه وطنه وأنه لامانع من البحث بالطرق السلمية عن إثبات الذات الزنجية كمكون أساسي ومهم في كيان المجتمع الموريتاني ، فاستجاب ودخل مع مكونات هذا المجتمع في حوار وطني شامل سنة 2016، وخصهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بلقاء خاص "تميز بالصراحة والاحترام المتبادل،وقد تناولت المباحثات بينهم الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بالبلد، فضلا عن قضية أمن وحرية حركة أفلام ومناضليها".هذا بالإضافة إلي إقامة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز صلاة الغائب علي أرواح الذين تمت تصفيتهم في الأحداث المذكورة آنفا وتم التعويض لذويهم ، وكل ذلك لجبر الصدع والضرر والشرخ الذي حصل منذ فترة بين المكونات العرقية لهذا المجتمع، وبذلك وغيره مما سنذكر لاحقا يكون فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو بالفعل : بطل الوحدة الوطنية ومجددها.
وظهرت حركة إيرا،لامتصاص مابقي من الغليان الداخلي ،حتى لا يتطور ذلك الحراك القديم ،وحتي لا يصل إلي مستوي يهدد وحدة وكيان المجتمع ، ومن الطبيعي جدا أن يكون لهذا الإمتصاص بعض المظاهر والتجليات ، ممثلة في بعض الأحداث (العنصرية) التي تحمل معني ما يراد له أن يٌمتص وينتهي إلي الأبد .وتأسس حزب نداء الوطن ، لامتصاص ما حصل من غضب داخلي في شريحة "البيظان البيظ " كردة فعل علي حراك "لحراطين" في "إيرا" حتى لا تحصل عندهم تراكمات تظل مكبوتة لتفعل فعلها فيما بعد .وظهر حراك لمعلمين واعتبر مثقفوهم أن تلك الشريحة لم تنل ماتستحق من التقدير والإحترام رغم جهودها الكبيرة والتي لاغني للمجتمع عنها ـ في إشارة إلي السخط علي التراتبية المذكورة آنفاـ وكان من تداعيات الحراك الجديد أن أحرقت كتب الفقه المالكي من طرف حركة إيرا ،وأن ظهر من أبناء المجتمع الموريتاني المسلم المحافظ للأسف من سب رسول الله صل الله عليه وسلم ، إثر دفاعه عن شريحته، وسجلت حالات إلحاد في وسائط التواصل الإجتماعي ، لكن ردة فعل المجتمع ضد المسيئ إلي الرسول صل الله عليه وسلم ، قد امتصت تلك الحالات إذ لم نعد نلاحظ تدوينات منت ابراهيم ، وأعلن الآخر في الغرب توبته قبل أن يُقدر عليه، مما يعني أن النتائج التي نراها سلبية لإتاحة هامش من حرية التعبير ، قد تكون هي الحل لما هو أعظم (شرخ عقدي محتمل) في هذه الحال ، وأعظم في حالة (الشرخ العرقي )، وأعظم في حالة (الشرخ الشرائجي).
فلو أن الضغط الشديد ظل مستمرا ، وظلت الحريات مصادرة ، لانتشرت الردة وتغلغل الإلحاد سريا داخل المجتمع ، حتي إذا وصل درجة من الانتشار تُجاوزه هاجس الخوف ، انفجر المجتمع فجأة بالردة والإلحاد ، أما الآن فنحن نتحدث عن مسيء واحد لعنه الله وغضب عليه، فأصبح عبرة لمن تسول له نفسه أن يرتد من هذا المجتمع عن دينه.
وفي الأخير وبعد هذا التحليل المقتضب،أصبح بإمكاننا أن نقول بأن فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو بحق: بطل الوحدة الوطنية ومجددها الحقيقي ، بعد الشرخ الذي ظهرت إرهاصاته في بداية النصف الأخير من القرن الماضي ، وأنه ليس هو المسؤول عن مظاهر ذلك الشرخ المعاصرة ـ كما يروج البعض ـ لأنها مجرد امتداد لأحداث مضت ، وحتي لو أنه كان فعلا هو سببها ،وأنه هو من صنع حركة "إيرا"،و"حزب نداء الوطن"،وتسبب في كل تلك المظاهر، فإنه سيظل بالفعل هو البطل المجدد للوحدة الوطنية ، لأن من صنع أمرا فهو متحكم فيه وقادر عليه ،فإن اقتضي الواقع البسط كان لهم لينا ،وإن اقتضي القبض كان عليهم قاسيا ،وبين هذا وذاك ، يري ويفهم الجميع ممن كانت لديهم أفكار قذرة (...) أنه من غير الممكن ترجمتها واقعا ملموسا ،وأنه لا مبرر لها في الأصل ،لأن وحدة وكيان المجتمع خير لكل فئة وكل عرق وكل شريحة من الفرقة والانقسام والتشرذم ، وأنه لا معني لمطالب حقوقية في ظل حالة الفوضي الاجتماعية ، وانعدام الأمن والإستقرار السياسي.