إجراءات الطريق إلى 2019 في سياسة السلطة الموريتانية / باب ولد سيد احمد لعلي

كان على الأغلبية الحاكمة في موريتانيا أن تعيد بناء نفسها بعد أن اسقط مجلس الشيوخ التعديلات الدستورية المقدمة إليه ، ليكون ذلك الإجراء بداية لقهر السلطة الحاكمة منذ سنوات بالقوة ، وبادرةٌ فريدة لتعاظم الأزمات والمشاكل الداخلية في بيت الأغلبية السياسي الداخلي ، وكان على الأغلبية ومن بالسلطة أن يراجع نفسه ويعيد بناء بيته مهما كلف الثمن لأن القوة التي كانت هي منبع كل شيء قد تهاوت وكادت تختفي وإعادتها

 أولوية ملحة حسب ما أبدته تعابير وجه رئيس الجمهورية في أول خرجة إعلامية له بعد إسقاط الشيوخ للتعديلات الدستورية برلمانيا ، وهو أمرٌ اكتمل فهمه بالنظر إلى ما لحق بتلك المرحلة من مستجدات سياسية محلية وخارجية وحسب التصريحات والأقاويل التي عبر عنها رئيس الحزب الحاكم سيد محمد ولد محم والوزير الأول يحيى ولد حدمين ، إذن فهما أمران (داخلي وخارجي ) مترابطان ومتلازمان في الوقت الحالي وإن كان أحدهما قد جاء بتفكير داخلي ، فإن الأمر الخارجي الثاني أملته ظروف كان على من بالسلطة استخدامها لصالحه .
أشياء لا تزال إلى حد الساعة جد ضبابية ومواقف من الصعب الحديث عن مآلاتها السياسية وقِطَعٌ من التوتر الداخلي متناثرة على أديم الوضع السياسي المحلي محاطة بتخوف يحفها كي لا تتحول تلك القطع إلى بركانين نارية تدمرٌ كل شيء ولا تبقي للمناصرة أو المقاطعة والمعارضة مجال في هذا الوطن المتسم بالتعددية السياسية وبحرية الرأي والتعبير .
وهو أمر يتطلبُ الوقوف بموضوعية على مختلف المسائل والأمور الداخلية والخارجية من أجل رصد وجه مختلف الأحداث التي تدور وتحدثُ الآن بشكل مناقض لكل التوقعات السابقة ، فبعد أن حسم الرئيس الموريتاني في أواخر عام 2016 مسألة المأمورية الثالثة في حفل اختتام ورشات الحوار الذي قاطعته أحزاب عدة معارضة وقال بالحرف الواحد أنه لن يترشح لمأمورية ثالثة وأن لا مجال في حكمه للمصالح الشخصية نكاية في مسعود الذي عاد بفعل تلك الضربة الموجعة إلى صفوف المتحاورين مكسور الجناح وفاقد لكل امتيازات ، بعد أن انسحب عندما لم يُوافق على قضية رفع سن الترشح التي كان يطالب بها ، وجاءت أيامنا الأواخر التي شهدت موجة من التصريحات من قبل رموز السلطة وكوادرها في بعض الأحيان ومن قبل شيوخ القبائل والموسمين بوسم الولاء للنظام في موريتانيا سياسيا في أحيان أخرى تطالب بترشيح ولد عبد العزيز لمأمورية الثالثة في ما يتعلق بجانبها اللارسمي ومرشحة له من خلال كلام لا يدع مجالا للشك من قبل الجهات الرسمية ـ كولد حدمين مثلا ـ فما الذي دفع لكل ذلك ؟.
هناك احتمالان رئيسيان يمكن أن نفسر بهما تصريحات ولد حدمين وولد محم :
- أولهما أن تكون هذه التصريحات فخٌّ سياسي يحاول به رموز النظام منع تمرد شيوخ القبائل على غرار مجلس الشيوخ ، فلو استمرت الأغلبية في ظل افتراض أن ولد عبد العزيز ذاهب عن السلطة ، لكان من الصعب التصويت على الدستور بنعم فقط لأن من سيأتي بعده مجهول من جهة ولأن معظم من حوله في تنافس دائم من اجل أن يكون هو المرشح الجديد الذي يدعمه هو، وهو أمر يحتِّمُ ظهور انقسامات بيّنة في السلطة وتمرد بفعل المستقبل الضبابي لها ، وقد تكون تصريحات ولد حدمين جاءت فقط من أجل تجنب ذلك وإعادة رصّ البيت الداخلي للأغلبية وعندما يُصوتُ على الدستور بنعم يعود الرئيس إلى إشاعة موقفه الأول الذي يفيد بعدم الترشح لمأمورية ثالثة .
- ثانيهما : أن تكون هناك دعاوي وأمور أقوى من قرار الرجل السابق الذي يفيد بعدم الترشح لمأمورية ثالثة تجعل منه يراجع نفسه ويعيد العزم من جديد لحكم موريتانيا في مأموريات إضافية ، وهناك إشارات تفيد بأن هذا الاحتمال حاضر ومرشح  بناء على معطيات محلية وداخلية قد نذكر منها مثلا
الكلام عن أمواله وأموال أهله وعن نفوذه المتراجع وعن واقع أغلبيته التي بدأت تتشكل في إطار ولاءات جديدة دونه عند فور إعلانه عدم ترشحه لمأمورية ثالثة ، وهذه أمور نفسية قد تجعل من قرار الانسحاب أمر صعب وغير مقبول نفسيا بالخصوص إذا ما علمنا أنه صرح بنيته دعم رجل يراه مناسبا وهي إشارة إلى أنه سيمارس السياسة بعد خروجه من السلطة فلا يمكن أن يقبل الخروج الكلي من حكمٍ يرى أنه صنع في الكثير وتسليمه لآخر قد يعدمُ كل تاريخه فيه ، وهذا طبع مستبدٌ في أدبيات الحكم السياسي بما يسمى جُزافا أو يعرف بالعالم الثالث، ويمكن أن ندعم هذا الاحتمال بآخر جاء غريبا بعض الشيء وبدعوى مغايرة وهو قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر ، فلا يوجد سبب مُبرر لقطع العلاقات الموريتانية مع قطر لبعدها جغرافيا من تأثيرات الأزمة السياسية على مستوى دول الخليج ولهامشية موقفها العربي اتجاه ذلك ، ولكن عندما ننظر إلى المعطيات السياسية الداخلية وما شابها من تطورات مربية قد نفهم أن الدافع لقطع العلاقات الموريتانية مع قطر والاصطفاف في الجانب السعودي له تداعيات أخرى لن تظهر إلا في سنة 2019 وهو أنه قد يكون من أجل أن تدافع السعودية عن موريتانيا دوليا في حالة ترشح ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة وأن تبرر ذلك بكل الوسائل المتاحة لها .
وعلى العموم فإنه إذا صحّت نية ولد عبد العزيز في الترشح لمأمورية ثالثة فإنه يحقُ للجنة الحوار أن ترفع سنّ الترشح التي كان مسعود ولد بلخير يطالب بها ، فالأولى وضعت ولم يوافق عليها والثانية كذلك رفضت برفض الأولى وفي حالة تحققت الأولى يجب أن تتحقق الثانية لأنهما اقترنتا رفضا في الحوار ويجبُ أن يتلازما قبولا وتحققا في تطورات ما بعد الحوار إن صح ذلك ، بغض النظر عن مختلف المواقف السلبية عن كل ما سيحدثُ لموريتانيا في حالة أنجحت السلطة الاستفتاء وقررت تغير رموز الدولة وشعارتها دون صيغة توافقية كلية.

 

15. يوليو 2017 - 23:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا