تستعد القوى المعارضة للتعديلات الدستورية، وعلى رأسها منتدى المعارضة لتنظيم مسيرة وسط انواكشوط اليوم لرفض هذه التعديلات، ومناهضة الحديث عن مأمورية ثالثة للرئيس ولد عبد العزيز، إلى هذا الحد لا يبدو في الأمر جديد، فمسيرات المنتدى باتت نسخا طبق الأصل من بعضها، لا يتغير فيها غالبا إلا أعداد المشاركين الذين يتناقصون يوما بعد يوم، بفعل الملل، والإرهاق الذي أصابهم من مسيرات عبثية، تنتهي كما بدأت، لا يكون لها ما بعدها.
أما الجديد هذه المرة فهو حديث قادة المنتدى عن خطوات "غير تقليدية" ستقوم بها المعارضة ضد النظام، لمنع تنظيم الاستفتاء، وهنا يسبح الفضول في فضاء التوقعات، ويجنح الخيال في عوالم الأوهام فلا يجد ما يمكن أن تقوم به المعارضة مما هو غير تقليدي، فهذه المعارضة بطبعها تقليدية، لا تعرف الإبداع، ولا تمارس التجديد، فرموزها هم أنفسهم منذ أنشئت أحزابهم، جاثمين على الناس، لا يطال التجديد إلا سياراتهم الفارهة، ومظهرهم البراق الذي يحسدهم عليه قادة الأغلبية، في مفارقة تستحق التوقف عندها، عندما يكون قادة المعارضة في بلد ما مترفين، ومعظم قادة الأغلبية من بسطاء القوم، فاعلم أن تلك المعارضات لديها مصادر تمويل خاصة، والتمويل دائما مشروط.
لا ينبغي أن نظلم قادة معارضتنا الباسلة، فهم بالفعل ينوعون في أساليب مقارعة النظام، بدليل أنهم جربوا سابقا أسلوب الاعتصام، لكنهم للأسف تفرقوا بسرعة، وهربوا من أمام سيارة واحدة من سيارات خراطيم المياه، تاركين أحذيتهم، لا يلوون على شيء، لقد جربوا أيضا نقل أنشطتهم للداخل، لكنهم اكتفوا بإقامة 24 ساعة في عاصمة من عواصم الولايات، ولم يكلفوا أنفسهم عناء زيارة الفقراء في مثلث الأمل مثلا، أو آدوابه، وقرى في العديد من الولايات، في حين يحرص النظام الذي يحاربونه على التواصل مع هؤلاء المهمشين أولا.
لقد جربوا كذلك نشر الإشاعات، وبث الأخبار المغلوطة، وأشهرها إشاعة عجز الرئيس ولد عبد العزيز بدنيا عن أداء مهام عمله، جربوا كذلك العمل متحدين جميعا في هيئة واحدة، وجربوا العمل متفرقين شذر مذر، .. ابتدعوا من الأسماء أحسنها، ومن العناوين أجملها، الجبهات، والمنسقيات، والمنتديات، والزعامات...الخ، لكن تغيير المسميات لم يحدث التغيير المنشود.
إن من ينظر إلى المعارضة في موريتانيا يجدها استثناء من بين جميع معارضات الدنيا، فالمعارضات في العالم تستجدي الحوار، والأنظمة ترفض، والعكس عندنا، والمعارضات في العالم تراهن على الشعوب، والأنظمة تراهن على القوانين، والعكس عندنا تماما، والمعارضات في جميع الدول لا تنشر إلا الحقائق، والأنظمة تلجأ للتزوير، والمغالطات لتبقى في السلطة، وهذا عكس ما هو حاصل عندنا، والمعارضات في العالم تعاني عادة من الفقر، ويكون قادتها متقشفين، بينما رجال النظام يرفلون في بحبوحة من النعيم، وواقع معارضتنا يكذب ذلك...
تشير كل التقديرات إلى أن العاصمة انواكشوط يقطنها أكثر من مليون نسمة، يشكلون ثلث سكان البلد، ومع ذلك تعجز المعارضة عن إقناع خمسة آلاف من هذا العدد بالمشاركة في أنشطتها، ثم تدعي أن الشعب يقف معها !! ولعل المعارضة تقدم خدمة جليلة للنظام بمسيراتها هذه، لأنها بذلك تكشف للرأي العام داخليا، وخارجيا حجم وجودها الحقيقي في الشارع، فرغم أجواء الحريات في البلد، واستخدام المعارضة لكل أساليب الدعاية المشروعة، وغير المشروعة، إلا أنهم لم يقنعوا الشعب، لا بالتصويت لهم – ونتائجهم في الانتخابات خير دليل- ولا بالمشاركة في مسيراتهم العبثية، حتى إن البعض بات يتساءل: كم حجت المعارضة إلى مسجد ابن عباس، وكم مرة طافت بين اكلينيك ومرصة كبيتال، وكم "لبت" الدعوة للتظاهرة، وهي "تسعى" إلى إسقاط نظام ولد عبد العزيز... لقد جربوا إذا كل مناسك الحج، أقترح عليهم أن يجربوا ركنا آخر من أركان الدين.. على كل حال بمناسبة مسيرة اليوم، أو موسم الحج المـُعاد.. نقول لهم: سعيا مشكورا، وذنبا مغفورا..