يظهر الرئيس الدوري للمنتدى الذي "ينخرم الإجماع فيه بالواحد"، ليعد ساكنة نواكشوط بحدث تاريخي في مسيرة السبت، يشحذ الهمم، ويعلن النفير، ومن منصة الخطابة في ساحة ابن عباس يقول إن معركة الاستفتاء أولى جولاتهم مع النظام، وكأن السنوات الماضية كانت مجرد "بروفة" على لغة السينما.
قبل المسيرة دبت الخلافات بين "تواصل" و"التكتل" وبين الإثنين تاريخ من الشد والجذب،
مرده عقدة نقص يشعر بها التواصليون اتجاه التكتل الذي قدم رئيسهم للمشهد السياسي وقذف به إلى الواجهة في سنوات الجمر والإقصاء والحظر..
كان الخلاف في ظاهره حول مضامين اللافتات التي سيحملها المتظاهرون في مسيرتهم "التاريخية" أما باطنه فهو انعكاس لما تعيشه "المعارضة" من أزمة بنيوية.. اتفق الطرفان أخيرا على تحييد مصدر الخلاف مؤقتا..
وأمام الجماهير "الزاحفة" من أسواق العاصمة أثناء نهاية الدوام اليومي للمتبضعين، سار قادة الكشكول الجديد، كانوا خليطا من كل شيئ ومن لاشيئ في نفس الوقت، غثاء كغثاء السيل، وإن كان الأخير يحمل بشائر الخصب والنماء، عكس غثاء "السبت" الذي ينذر بالمحق والسنين ونقص في الثمرات.
لا تخطئ العين وهي تتفحص الوجوه التي تتصدر المشهد حجم التنافر بين مكونات هذا الغثاء، فمن الماركسي اللينيني إلى الإخواني التكفيري التفجيري مرورا بالانفصالي والعنصري الشرائحي، إلى البعثي الذي كان يؤمن برسالة الأمة الواحدة، وانتهاء بالاشتراكية الدولية، ومن يحدوهم الحنين إلى دولة الحزب الواحد...
خلف هذا الخليط المتنافر سارت جماهير "المعارضة"، قالوا إنها آلاف مؤلفة، ووصفوها بالحشد الأكبر والطوفان البشري، وأيا تكن التقديرات فإنها لاتمثل في الواقع إلا النزر القليل في عاصمة يربو ساكنتها على المليون نسمة، إذا وضعنا في الحسبان السياق العام الذي حدثت فيه وما سبقها من دعاية وحشد وتحشيد، والأطراف التي دعت لها، والتي تضم ثلاثة من أكبر واقدم الأحزاب المعارضة.
لم تأت مسيرة السبت بجديد، فقد أدمنت المعارضة الخروج إلى الشارع يوم السبت منذ سبع سنوات، نفس الوجوه، ونفس الخطاب، وربما نفس المتظاهرين، والنتيجة لا تتجاوز "نصرا" افتراضيا على مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما يختفي كفقاعات الهواء دون أن يخلف أثرا أو يؤثر في مشهد أو يتمخض عن قرار..
وإذا كان من درس في غثاء السبت هذا فهو إفلاس الخطاب السياسي المعارض في بلادنا، ولجوء "الوطنيين" للتحالف مع شياطين "إيرا" وانفصالي "افلام" والهبوط إلى قاع القاع، خطابا، وممارسة، فعلا وتفكيرا، لتحقيق مكاسب أعيتهم عبر الطرق السياسية والديمقراطية المتاحة وما أكثرها.