شرعية الانقلابات العسكرية.. في ضوء الشرعية الدولية / محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابدظلت الانقلابات العسكرية إحدى أهم وسائل التغيير السياسي في العالم الثالث، غير أن الانقلابات العسكرية التي قادت في إفريقيا لحروب أهلية طاحنة حملت العديد من المنظمات الدولية، وخصوصا منظمة الوحدة الإفريقية قديما «الاتحاد الإفريقي حديثا» إلى إدراج بند في ميثاق الاتحاد يحظر على الدول

الأعضاء الاعتراف بشرعية الانقلابات العسكرية كوسيلة لاستلام السلطة وبناء الشرعية السياسية على أساس من الانقلابات.  والمفارقة الكبيرة أن أغلب النظم السياسية الإفريقية التي اعتمدت هذا الميثاق هي نظم جاءت عن طريق انقلابات عسكرية، وأحسنها حالا تلك التي أسست للشرعية الديمقراطية بناء على انقلابات عسكرية قادت لترسيخ أنظمة تتدثر بالديمقراطية والانتخابات المطعون في نزاهتها والتي تسجل عليها خروق كبيرة في مجال شفافية الانتخابات ونزاهة الأدوات، ومن أسوئها حالات تلك الدول التي تأسس فيها نظام ديمقراطي يحرسه الانقلابيون الخارجون على شرعية صناديق الاقتراع، وتلك هي حالة النموذج الجزائري الذي يؤسس ديمقراطية عسكرية منقوصة الحريات واطئة السقف يحرسها الجنرالات. ومن أنظمة الاتحاد الإفريقي الرافضة للانقلابات العسكرية في إفريقيا نظام العقيد القذافي الرافض للفكرة الديمقراطية، حيث لا يفتأ العقيد القذافي يتخذ الديمقراطية سخرية وهزءا، إذ لا تناسب في اعتقاده المجتمعات القبائلية والعشائرية، ورغم الوضع السيئ لحقوق الإنسان في ليبيا، إلا أن الاتحاد الإفريقي يبيع حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية مقابل مساهمات القذافي في ميزانية الاتحاد وهباته لقادة الدول المكونة له. دور المنظمات الدولية في منح الشرعية ومنعها كشف الانقلاب الموريتاني الأخير عن الدور المتعاظم للمنظمات والاتفاقيات الدولية في منح الشرعية السياسية للحكام الذين يستولون على السلطة بالقوة، خصوصا إذا كان هذا الاستيلاء على السلطة يزيح نظما ديمقراطية منتخبة بصورة شفافة، ومن أهم الاتفاقيات الدولية التي تحظر الانقلابات العسكرية كوسيلة للوصول إلى السلطة ميثاق الاتحاد الإفريقي واتفاقية كوتونو التي تربط بين الاتحاد الأوروبي ودول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي (ACP)، وهي الاتفاقية الأكثر تعقيدا في هذا الصدد حيث تربط هذه الاتفاقية دول المجموعة بأوروبا وتكرس إطارا قانونيا ضابطا للعلاقة بين الطرفين، حيث تعادل المساعدات الأوروبية لدول المجموعة الإفريقية الكاريبية حوالي %55 من مجموع المساعدات الدولية الرسمية، واتفاقية كوتونو لاحقة على اتفاقية لومي التي تم توقيعها في توغو عام 1975، وقد تم تجديدها بانتظام حيث وقعت اتفاقية كوتونو في يونيو 2000 في عاصمة بنين، وتضمنت بنودها مجالات خطيرة وحيوية كربط التعاون مع أوروبا بمدى تقدم الحوار السياسي الذي يتضمن منع وقوع النزاعات وضمان حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية، وهي بنود بالغة التأثير، ويرتبط حجم المساعدات بمدى استجابة الأطراف للسياسات الأوروبية وبنودها المعلنة والخفية على حد سواء. وقد أعطى إقرار البرلمان الموريتاني لاتفاقية كوتونو العام الماضي أهمية متزايدة، إذ من المعلوم في فقه القانون أن الاتفاقيات الدولية إذا صادقت عليها المجالس التشريعية تصبح أقوى من القانون الداخلي ذاته، وفي حالة الانقلاب الموريتاني تكون القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية في حالة تعاضد وتناصر على رفض الانقلاب خصوصا في ظل وجود حالة انقسام سياسي حاد على الجبهة الداخلية. وإذا ما نجحت الضغوط الدولية التي يمارسها الآن الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي بدعم وتحريض من بعض دول الجوار الشمالي فستكون عملية إفشال الانقلاب هذه ذات دلالة عميقة في الفعل السياسي الدولي على مستوى القارة الإفريقية وذات أهمية كبرى كتجربة لإنفاذ مضامين الاتفاقيات الدولية التي كثيرا ما بقيت حبرا على ورق. الشعب لم يعد مصدر الشرعية وحده لقد ظل تقرير شؤون السياسة والحكم مسألة حساسة من أهم مسائل السيادة في الدولة الوطنية الحديثة، غير أن زحف العولمة واختراق التكتلات الدولية الكبرى للدول الضعيفة عبر التعاون الاقتصادي معها وإلحاقها باقتصاداتها جعل الدول الفقيرة ضعيفة أمام التدخل الخارجي، خصوصا إذا أخذ هذا التدخل مظلة قانونية ووجد من أطراف النخبة الوطنية المنقسمة على نفسها نصيرا لهذه التدخلات التي تتسلل تحت لبوس الاتفاقيات الدولية والمصلحة الوطنية وحماية الديمقراطية التي لا تعدم صوتا داخليا ينادي بها، مما يضفي مزيدا من المشروعية على هذا الفعل المنافي لأهم الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة. وقد بات من المؤكد أن الشعوب ليست مصدر الشرعية السياسية وحدها، بل سيزداد دور المنظمات الدولية والتكتلات الكبرى في الاعتراف بأنظمة مرفوضة من الشعوب، وكذا الإطاحة بأخرى مرغوبة لديها. ولن يكون عامل القبول الشعبي بأي نظام سياسي أو رضاه عنه هو العامل الحاسم في اكتمال عناصر الشرعية السياسية التي حسمت الفلسفة السياسية مع ماكس فيبر محدداتها حيث هي تفاعل ثلاثية (القبول المرجعية القانونية)، بل ربما يضاف مستقبلا محدد آخر هو رضا الشركاء الدوليين والإقليميين الذين يتأثرون سلبا أو إيجابا بوضع الاستقرار السياسي في بلد ما، ومدى القبول بوصول فريق سياسي يوافق أو يخالف الخطوط العامة للسياسة في تلك المنطقة أو العالم، وهذا ما شهدنا نماذج جزئية له في أوروبا عندما تمت تنحية يورك هايدر زعيم حزب الحرية في النمسا قبل عدة سنوات، وما نشهده الآن من محاولات في السودان، وقبل ذلك أفغانستان حيث أثبتت التجربة الآن أن نظام طالبان مرغوب سياسيا للأغلبية القومية في البلاد. وبالجملة، فلم تعد الشعوب وحدها مصدر الشرعية السياسية لأنظمة الحكم، وإنما بدأت العولمة تفرض شيئا فشيئا تدخلات دولية، مما سيقضي بشكل تدريجي على مبدأ السيادة الوطنية للدولة. وفي الحالة الموريتانية، تتجه الأزمة التي قاد إليها انقلاب 6 أغسطس 2008 إلى التدويل بشكل متسارع، وهو أمر له خطورته خصوصا إذا ما اتجهت الإثنيات الموريتانية إلى استغلال وضع التدويل لفتح ملفات حقوقية خطيرة، وإذا ما فتحت هذه الملفات تحت الإشراف الدولي الغربي فإن تسويتها ستكون مجحفة بالفئات التي تولت إدارة البلاد خلال العقود الماضية.

3. نوفمبر 2008 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا