المجالس الجهوية رهان التنمية المحلية / عبد الرزاق سيدي محمد

سيقضي الاستفتاء الشعبي المقرر تنظيمه في  5 أغسطس المقبل بتشكيل مجالس جهوية للتنمية في موريتانيا.
وكان فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز- في خطابه بمدينة النعمة 03 مايو من العام 2016 - على موعد مع التاريخ ،حيث أعلن عن عزمه إنشاء مجالس جهوية تكون مهمتها الأساسية إعداد وتنفيذ الخطط والبرامج التنموية في الولايات والجهات التي تنتمي إليها هذه المجالس الجديدة.

إن استحداث مجالس جهوية  خطوة كبرى أعلن عنها فخامة رئيس الجمهورية، و أجمعت عليها المعارضة المحاورة والأغلبية الرئاسية في حوار شامل عقد في نواكشوط أكتوبر المنصرم- وهي خطوة – كذلك- انتظرها الموريتانيون منذ زمن بعيد، وتعتبر هذه المجالس رهان للتنمية المحلية في ولايات الداخل العزيزة، وهي أي المجالس الجهوية تعني بترسيخ التنمية المحلية و الاقتصادية.
المجالس الجهوية هي عبارة عن جماعات محلية ينتخبها سكان الجهة أو الولاية لتبدير الشأن المحلى ووضع الخطط والبرامج التنموية وتعبئة الموارد المادية والبشرية الخاصة بتلك الجهة، ولهذه المجالس خصائص مهمة تتمثل في أن القائمين عليها يجب أن يكونوا من سكانها الأصلين وهو ما يجعلهم على إطلاع تام بالمشاكل والعراقيل التي تقف في وجه التنمية في جهتهم وهاتين الخاصيتين تمتلكان أهمية قصوى لدى واضعي السياسات الاقتصادية، وهي أمور بالنسبة لنا في موريتانيا.
وفي هذا المقام فإن المجالس الجهوية بمفهومها الإداري التنموي هي مجرد خيار لتنظيم التراب أو المجال أو "نظام" لإعادة توزيع الموارد والسلطة، ترتكز على التعدد والتنوع والتمايز في المستويات الترابية بدرجة أقل من الدولة وأكبر من البلديات؛ بما يؤهل لتصميم استراتيجيات تنموية متنوعة مع مراعاة خصوصيات كل جهة، وبما يسمح بتعايش مصالح ومطالب سائر الفئات الاجتماعية والوقوف أمام استئثار الجهاز المركزي بسياسة التنمية على حساب النطاقات الهامشية (1).
  فهذه المجالس هي قوة اقتراحية تمثيلية محلية بديلة عن الغرفة الثانية بمؤسسة البرلمان يُفهم منه إقرار وجيه بأهمية الإدارة المحلية في تكريس الديمقراطية، كما يوحي في الوقت نفسه بتحفظ قوي على دور مختلف الفعاليات المحلية القائمة بالبلد.
وتشكل المجالس الجهوية – كفكرة سياسية وممارسة فعلية- تشكل حلقة مهمة في إدارتنا الترابية ظلت غائبة في ظل تركيز نظام إدارتنا الإقليمية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي عندما سحبت منها الشخصية المعنوية، كما أنها تشكل رافدا جديدا من روافد التنظيم الإداري اللامركزي في سياق النداءات المتكررة رسمية وغير رسمية بضرورة تقوية السلطات الإدارية المحلية مراعاة لمطلب التنمية المجالية في "زمن المحليات" على حد تعبير بعض الباحثين(2).
ويقتضي ذلك بالضرورة تمكين هذه المجالس بالاستقلال الإداري والمالي بصفة فعلية تجسد اللامركزية بأبعادها الديمقراطية والتنموية والإقليمية(3)، وإلا فإن مجرد تشييد بُنَى إدارية وليدة لا يغني من الأمر شيئا.
ويمكن اعتماد المجلس الجهوي القائم على مبدأ الانتخاب الكلي لجميع أعضائه وفق إحدى الصيغتين:
-            الصيغة الأولى: انتخاب مباشر حسب نظام الأغلبية المطلقة وعلى أساسه يتم اختيار ثلث أعضاء المجلس من بين ناخبي الدائرة الإدارية للجهة؛

-           الصيغة الثانية: انتخاب غير مباشر حسب نظام التمثيل النسبي وعلى أساسه يتم اختيار الثلثين الباقيين كالتالي:

1-       ثلث ينتخب من بين المجالس المحلية لمختلف البلديات الحضرية والريفية الواقعة ضمن الحيز الجغرافي للجهة؛

2-      ثلث ينتخب من بين مختلف الرابطات والنقابات المندمجة في إطار المجتمع المدني و المسجلة محليا لدى السلطات بهذه الصفة.

وهنا نذكر بأن تطبيق نظام المجالس الجهوية أو التنظيم الجهوي يقتضي لزوما اتباع مسطرة التشريع أمام البرلمان لأن " التقطيع الإداري" وفق الصيغة المنتظرة من "مجال القانون" المحدد بالمادة 57 من الدستور(4).
ونستذكر ما قاله الإداري المرموق محمد فال ولد عبد اللطيف: "يدخل في مجال ذا القانون//// جميع ما يهم من شؤون."،وإلى أن يقول:"نظام الانتخاب ذي التنويع//// وما للاقليم من التقطيع"(5).
وهذا يعني إلزامية انتظار المراجعة الدستورية القاضية بإلغاء مجلس الشيوخ؛ إذن المجالس الجهوية لن تظهر حتى يختفي مجلس الشيوخ على خلاف قول الشاعر:
الوجه مثل الصبح مُبْيَض.... والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا......والضد يظهر حسنه الضد.
  إن من الآليات الميدانية لهذه المجالس القيام بمجموعة من الإجراءات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
·        أولا:  القيام بدراسة معمقة للجوانب الفنية والتنظيمية الممهدة لبناء لهذه المجالس؛

·        ثانيا:   تنصيب لجنة وطنية كبرى من ذوي الخبرة والاختصاص لبحث وتنقيح مقومات نجاح هذه التجربة غير المسبوقة؛ لا تخرج عن الإمكانات المتاحة للدولة، ولا تتجاهل في ذات الوقت خصوصيات المجال المحلي الموريتاني واحتياجات ساكنته وفق مبدأ الأوليات عبر الزمن؛

·        ثالثا:    اعتماد تقارير اللجنة المذكورة في صياغة وإعداد النصوص القانونية ذات الارتباط؛

·        رابعا:   تحديد النطاقات الترابية للمجالس الجهوية بناء على معايير التجانس والتكامل  خدمة للتنمية المحلية؛


·        خامسا:  رصد مقدرات مالية تغطي العمل الفني والميداني التمهيدي بصفة مريحة ودقيقة ومتأنية؛

·        سادسا: تسخير جهد إعلامي رسمي لشرح مضامين وأبعاد إنشاء المجالس الجهوية، والتذكير بضرورة التفاعل الإيجابي في نجاحها؛

·        سابعا: القيام بشكل موازي بالشروع في تشييد مباني إدارية لاحتضان المجالس الجهوية الجديدة، تكون ملكا للدولة وموحدة في  شكلها وجودتها؛

·        ثامنا:  الشروع في إجراء تكوين إطار بشري قادر على مواكبة الحدث، من بين الشباب حملة الشهادات يهيئون لشغل الوظائف الإدارية التسييرية الداخلية للمجالس الجهوية.

هذا ويعتبر إنشاء المجالس الجهوية للولايات مسألة كان يعول عليها كثيرا في إعادة مقاربة الإدارة الترابية الوطنية من منظور حداثي يتجاوز الأفكار و الآليات التقليدية في التنظيم الإداري، ومعنى ذلك أننا بحاجة لوحدات ترابية قادرة على تقديم إطار فعال وسلس للنمو الاقتصادي والاجتماعي ينطلق من إدراك الحقائق المحلية(6).
وتفصيل ذلك كالتالي:
1-          استكمال وتفعيل مختلف الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وماء.وزراعة؛
2-    خلق فعاليات تجارية وخدماتية تنشط حياة الساكنة المحلية وتخفف من التزاحم على المركز......... .؛
3-       خلق فعاليات تجارية وخدماتية تنشط حياة الساكنة المحلية وتخفف من التزاحم على المركز......... .؛

4-   إنشاء مراكز للاستثمار على المستوى المحلي تكون قبلة لإعادة انتشار رأس المال الوطني؛
5-   تمكين السلطات المحلية بمختلف مستوياتها من إقامة عقود دولية لتقديم وتوريد الخدمات وفق أسلوب" التدبير المفوض".
خلاصة الكلام أن رئيس الجمهورية منذ توليه مقاليد البلاد، لم يدخر أي جهد في ترسيخ وتدعيم التنمية الاقتصادية في بلادنا و الأرقام تتحدث عن نفسها تحكم كبير في النفقات وزيادة معتبرة في الاستثمارات في السنوات الماضية ، مرورا بحرية الصحافة و التعبير والجو الديمقراطي المنقطع النظير في شبه المنطقة ، وليس انتهاء بإنشاء المجالس الجهوية، والتي ستكون بحق  بداية فعلية لترسيخ التنمية المحلية ورهان لهذه التنمية، وهي خطوة تستحق الإشادة من الجميع، والعمل على تجسيدها.
بقلم: عبد الرزاق سيدي محمد
----------------------------
المراجع:
(1) - د. إدريس جردان/ وظائف الجهات بين الشرعية والفعالية، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونية.
(2) - راجع تقديم د. سعيد جفري لمؤلّف د.أحمد محمد السالك الداه: اللامركزية الإدارية ومطلب التنمية المحلية/ البلديات بموريتانيا – نموذجا-، دار القلم بالرباط، ط1،2014.
(3) - تراجع في ذلك أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام للدكتور . محمد عبد الرحمن ولد محمد عبد الله ، حول الإصلاح الإداري ومسألة التنمية بموريتانيا( التحديات والرهانات)، دراسة تحليلية، كلية الحقوق بطنجة، يونيو2014،ص: 39 و40.
[4] -  للاطلاع على تفصيل هذه المسألة راجع مقال نفس الإطار السابق: التقسيم الإداري الثلاثي الجديد لمنطقة نواكشوط ( الأسس-  الدوافع- الانعكاسات).
(5) - جالب السرور بنظم الدستور لمحمد فال ولد عبد اللطيفـ تقديم الأستاذ محمدن ولد سيدي الملقب بدّن، ديسمبر 2014.
(6)  محمد الداودي: الجهوية الموسعة/ نموذج لتحقيق سوسيو- اقتصادية متوازنة بالمغرب، مقال منشور بالمجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونية.
 

18. يوليو 2017 - 16:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا