تشكل المقاطعة حيلة العاجز و وسيلته لمواراة سوءة إفلاسه السياسي إذ يسعى دعاتها إلى محاولة الاختباء خلف جمهور العازفين مبدئيا عن التصويت لعل و عسى أن يكون ظلا وهميا لشبح صار مألوفا , فمع شيوع ظاهرة اتساع قاعدة الممتنعين عن التصويت في كافة مستويات و مراحل الانتخابات في الدول العتيدة ديمقراطيا على قدم المساواة مع تلك الديمقراطية بالفال ,
و مع تعدد أسباب هذه الظاهرة و تشعبها , حيث يعدها بعض الباحثين ظاهرة جماهيرية عفوية تعبر عن تذمر أو عدم ثقة في الطبقة السياسية الموجودة موالاة و معارضة إلا أنها ليست دائما نابعة عن إرادة حزبية بل و تتعارض كليا مع الفكرة وراء تأسيس الأحزاب السياسية التي وجدت لتتنافس برامجيا و لتشارك بفعالية و ايجابية في العملية السياسية لا أن تتفرج على المشهد أحرى أن تحاول إعاقة مسيرة تطور الممارسة الديمقراطية فتكون بذالك تدفع القوى الحية في المجتمع إلى الانزواء و تفسح المجال لطرف واحد كي يستأثر بالمشهد , و ينتهي بها الأمر إلى أن تهدم قيم الديمقراطية من حيث لا تحتسب .
إن لجوء الأحزاب السياسية إلى المقاطعة لا يفهم إلا في سياق واحد هو الخشية من المنازلة و الرهبة من الفشل
و كل من يفتش بعقله في المسوقات التي تروجها الجبهة الجديدة القديمة لن تنطلي عليه خدعة تصدي هذا الكيان المتصدع للاستفتاء قانونيا و واقعيا بمجرد التشكيك في دستوريته المحسوم في صحتها و بنص الدستور و روح النظام الرئاسي الذي يتبناه
و الاستفتاء الشعبي هو المصدر الذي أضفي أصلا على الدستور صبغة شرعية أفضت إلى تحاكم الفرقاء و المؤسسات و السلطات و الأفراد و المجموعات إليه كونه نابع من إرادة الشعب صاحب السلطة , و المنطق العقلي و القياس القانوني حتما يقضيان بشرعية مسلك و طريق تعديل الدستور كليا أو جزئيا من خلال الاستفتاء الشعبي الذي إن لم يكون الباب الوحيد الذي يمكن العبور من خلاله لمراجعة الدستور فهو طبعا أكثر الأبواب شرعية و مشروعية ذلك حسب ما هو وارد في الدستور الموريتاني في الفقرة الأولى من المادة الثانية : ( الشعب هو مصدر كل سلطة و السيادة الوطنية ملك للشعب يمارسها عن طريق منتخبيه و بواسطة الاستفتاء و لا يحق لبعض الشعب و لا لفرد من أفراده أن يستأثر بممارستها )
فكيف ببعض ساسة المعارضة الذين يختطفون القرار في المنتدى أن يؤمنوا ببعض مضامين هذه الفقرة و يصمون أذانهم عن بعض ما ورد تصريحا في هذه المادة التي لم تسبقها في الترتيب و الأهمية سوى المادة الافتتاحية الجامعة للأركان التي تقوم عليها الدولة الوطنية ( الدين و الأرض و الشعب )
إن التكييف السياسي للمقاطعة هو كونها تنازل عن حق دستوري و تقاعس عن واجب وطني و هو أمر جعل منها عديمة الأثر القانوني و ضرب من العبث السياسي و من بديهيات العملية الديمقراطية أن الاحتكام فيها يكون لصناديق الاقتراع فكيف بالمنتدى في كل موسم حصاد انتخابي يغيب عنه متعلل يعد جمهوره بنصر مؤجل وعد لا يصدق و لا يصدق
فحين تبوح الصناديق بفحوى قرار الشعب سيقطع المقاطعون شكهم بيقين لا جدوائية المقاطعة فهنيئا لهم مسبقا " فشل " بمرتبة الخرف .