المقاطعون بموريتانيا والموالون والمتزلفون والدولة الضائعة / باب ولد سيد أحمد لعلي

لا يفيد خطاب المعارضة الموريتانية الممانعة أو الموشوشة حسب تعبير الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز وحسب وصفه لها ، إلا بأن التعديلات الدستورية التي ينظم النظام الموريتاني حملة لصالح التصويت عليها ، خرقٌ للقانون وعمل له ما بعده مقدم من حاكم مستبد ويجبُ أن تُسقط
ولا يعني كلام ولد عبد العزيز الذي يقود الدولة الموريتانية وحده منذ سنوات والذي يقصي جميع خصومه ويحرمهم 

من حقّ المشاركة منذ توليه الحكم غصبا إلا أن مجلس الشيوخ صار وكرا للرشوة والفساد ويجبُ أن يسقط ، فقط لأنه قال لا لشيء مقدم من عنده هو كرئيس ، وأن المعارضة الممانعة عدوة للشعب وللدولة ووباء ومرض خطير يجبُ ان يبعد ويُتخلص منه
كما أن كلام المطبلين والمتملقين في موريتانيا اليوم لا يعني أكثر من كونهم أقوام وجدوا مصالحهم في هذا الحكم وفي الرجل الذي يدير الدولة ويريدون بقاءها ولو على حساب المجتمع الموريتانيا ومستقبل الدولة كذلك!!
فبعيدا عن القدس وعن تبعات أزمته الأخيرة التي عبرت عن سوء وضع الامة العربية  والإسلامية كلها وتخليها عن قضيتها الأولى وانشغالهم دون ذلك في أمورهم ومشاكلهم الداخلية الجمة والأهم عندهم من كل شيء ، تعيش موريتانيا هذه اللحظات لحظات سياسية صعبة جدا وحرجة جدا..
وبعيدا عن دولة قطر وأزمة الخليج العربي المقيتة وعن كل تجلياتها المختلفة قبل الحصار وبعده ، وعن موقف دول الحصار الغامض من قطر تعيش موريتانيا الآن على وقع أزمة خاصة جدا بدأت ملامحها منذ أن أسقط مجلس الشيوخ تعديلات مقدمة إليه من طرف الحكومة الموريتانية ، مما دفع الأخيرة _ الحكومة _ إلى أن تعيد بناء بيتها الداخلي وتلجأ إلى الشعب عن طريق تفعيل المادة 38 من الدستور الموريتاني والتي تم بموجبها تقديم التعديلات الدستورية إلى استفتاء شعبي ، نعيش الآن أيام حملته الأحادية ، وربما كان دخل موريتانيا في تلك الأزمة من أجل حصد أمر تتقوى به الحكومة في مقبل مستجدات ما سيتخلل عن الأزمة وتبعاتها.
كان النظام في بداية الأمر واثقا من مجلس الشيوخ الذي يتشكل بأغلبية تابعة له سياسيا ولم يكن في حسبانه أبدا أن يتجرأ احد على أن يقول له لا في دولة يعتبر أنه أعاد تأسيسها بنفسه ويمنّ عليها بالكثير والكثير ، لكن تداعيات إسقاط الشيوخ جعل النظام متعجرفا نوعا ما في تعاطيه مع الأزمة ومتغطرسا حد الجنون وحسب ما يظهر لنا من تصريحات مسؤوليه وتصريحات رأسه نفسه ...
وهو شيء يبدو أنه إلى حد الساعة يصبُّ في مصلحة المعارضة التي اعتبرت أن إسقاط مجلس الشيوخ للاستفتاء سداد لرأيها وتقوية لموقفها المعارض القوي ، في ذات الوقت التي يفرض عليها تعاطي جاد وحاد مع ما بعد إسقاط الشيوخ لتعديلات النظام الدستورية واللجوء إلى الشعب من أجل أن يحققوا الضربة الثانية والتي ستكون حادة جدا وقاصمة لظهر النظام جدا .
فمن المؤكد أن النظام بدأ يعيش لحظات حرجة بدلائل عدة ، منها قوة التملق والنفاق الذي خرج عن المستوى المعهود وفاق كل التوقعات ، فقد قال رئيس الحزب الحاكم السيد سيد محمد ولد محم أمام الأشهاد أن ولد عبد العزيز "هو الذي أطعم من جوع وآمن من خوف" وهذا رفع لشخص الرئيس من الخلق البشري وطبعه القاصر إلى التمجيد الإلاهي وقدرته المطلقة ، وهو أمر إن دل على شيء إنما يدل على أن خطاب السياسي للأغلبية بات فارغا وخاليا من أي دلائل منطقية أو عقيلة وهو أمر قد يدفع إلى هذا النوع المستنكر والمُدان ، ضف إلى ذلك أن الرجل ـ أي الرئيس – أصبح يستعذبُ مطالب ترشحه لمأمورية ثالثة بعد أن سبق وأن قال أنه لن يترشح لمأمورية ثالثة وأضاف في خطاب له بروصوا أثناء هذه الحملة أن الدستور يجبُ أن يخضع لتغييرات أخرى عدة دون الإفصاح عن طبيعة تلك التعديلات أو النواقص ، فالرجل يُظهرُ القوة أكثر ، وزوجته التي كانت لا تحضرُ للحفلات الرسمية والمناسبات السياسية باتت أكثر حضورا منه ولا أقل دليلا على ذلك من حضورها وتقدمها في مهرجان افتتاح هذه الحملة الدستورية .
لكن الإشكال المطروح والذي ينتظره الجميع تخوفا أو ترقبا هو ما بعد التعديلات الدستورية إن فشلتْ ، هل يقيل الرئيس الحكومة ويدعوا لحوار آخر جديد جاد وبناء ؟ أم سيستمر في تكبره وتهميشه المعارضة الممانعة التي باب يصفها بأبشع الأوصاف ؟ .
اعتقد أنه كما قال الرئيس الموريتاني هو يوم الثلاثاء 25/07/2017 لا يزال المستقبل محاطا بالكثير من التعتيم والضباب إذا ما تخلينا عن كلمة "مجهول" التي استخدمها هو في تهديده  الواضح والبين للحاضرين ، فقد تكون وراء وتيرة الكلمات الأسطورية المرتفعة الممجدة له نار تتشكل في مهدها ستعصفُ به كما فعلت لسلفه – ولد الطايع - الذي عايش الكثير من التمجيد والتطبيل مثله ، فالموريتانيون لا يخلفون عهدهم أبدا مع التملق التطبيل لمن في يده الأمر ، لأن تحقيق مصالحهم هم يعني التخلي عن قيمهم الأخلاقية وكراماتهم في الكثير من الأحيان .
لكن ذلك ما تصبو إليه المعارضة وتهدفُ فمصائب قوم عند قوم فوائد ، فلا يوجد ما هو أجمل عند المعارضة الموريتانية من إسقاط الشعب للتعديلات الدستورية بنسبة معتبرة ، مما يعني أن الشعب اختار موريتانيا الجديدة على مقاسه هو لا على مقاس ولد عبد العزيز والتي ستفضي إلى تغير الحكومة وإشراك المعارضة قهرا في الحكم أو إجراء حوار معها جاد وتقوية موقفها مرة أخرى ، لكن هذا الاحتمال يبدو صعبا ومستبعدا عند الكثيرين لما صاحب الحملة من اعتقالات ومن سب وشتم ومن قرار بالمضي دون شريك في تعديلات لا توافقية ، فقد أوقفت السلطات أنشطة معارضة في نواكشوط وفي الداخل "النعمة" لكل من المعارضة المشاركة والمقاطعة معا زيادة على حملات اعتقالات الشباب المناوئ للتعديلات الدستورية ، وهو أمر قد يجعل الجهة المنظمة للاستفتاء – اللجنة المستقلة للانتخابات - دون مراقبة حقيقة مما يجعل أمر احتوائها وتغييرها للنتائج على رضاها وهواها أمر في غاية السهولة.
ومهما تكن نسبية احتمال تحقق الاحتمال الأخير فإن الشعب هو الذي يجبُ أن تكون له الكلمة وعلى الجميع احترامها وعدم تزيفها وتغييرها والانصياع لها واتمنى ان لا يكون ذلك رجاء صعب في دولة اعتادت الغصب والتغلب في السلطة  ، ويقودها شخص يفتخر بأنه غير الدستور مرات في انقلابات سابقة ، إذا أنه لا يقدرُ إلا شرعيته هو المستمدة من مصالحه الشخصية ومستوحاة من أطماعه المستبدة الكبرى .

27. يوليو 2017 - 8:18

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا