اتركوا لنا بقية / محمد غلام الحاج الشيخ

أَدَمْعًا تُبْقِيَانِ بِغَرْبِ عَيْنِ ...وَقَدْ عَايَنتُمَا دَارَ الْكُنَيْنِ
أَلَيْسَ مِنَ الْوَفَاءِ لِقَاطِنِيهَا ...إِذَالَةُ مَا يُصَانُ بِكُلِّ عَيْنِ
بَلَى إِنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَغَانِي ...بِمِنْهَاجِ الصَّبَابَةِ فَرْضُ عَيْنِ
وَإِن لَّمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ رَسْمٍ...كَوَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَمَيْنِ

فَإِنَّ لَهَا يَدًا دَيْنًا عَلَيْنَا...وَحَقٌّ أَنْ يُؤَدَّى كُلُّ دَيْنِ

تلك فتوى من الشيخ سيد محمد بأداء ديون الفضائل والوفاء للمكارم وجهود الاصلاح وتعليم الناس الخير والقول لشانئ اأهلها رويدك
فتلك الأرض التي يفضضها الهجير وكل بدر كانت ولا تزال مثوى الفضائل وموئل الاكارم الأكرمين

فَبَيْنَا الْحَيُّ خَيَّمَ ذَا طِلَالٍ ...تَبَوَّأَ مِن فَسِيحِ الْأَرْضِ دَارَا
ـ بِسَاحَتِهِ مَحَافِلُ حَافِلَاتٌ...بِأَشْيَاخٍ مُهَذَّبَةٍ طَهَارَى
ـ وَكُلِّ فَتًى يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهًا ...وَتَفْتَرُّ الْمِلَاحُ لَهُ افْتِرَارَا
ـ إلَى نَسَبٍ لَهُمْ بَلَغُوا ادِّعَاءً ...بِهِ أَذْوَاءَ حِمْيَرَ أَوْ نِزَارَا

إنها القرية الفاضلة التي تخيلها الفلاسفة فورثت المجد المؤثل كابرا عن كابر وأخذت علوم أقطار الأرض واقتطفت من سجايا الخير والمكرمات ما في الدنيا يومها وزادت عليه فأبدعت مكارم ما سبقت لها فافتخر الدهر بها وتاهت الايام
ولقد هدى ذلك النجد أهليه إذا نزلوه هاد
ولكأنها المعنية بقول الحصري القيرواني
ألا سَقَى اللهُ أرضَ القيروان حَياً *** كأنَّه عَبَراتِي المُستهلّاتُ
وكفّ عنها أكفَّ المفسدين لها *** ولا عَدَتْها من الخيرات عادات
فإِنَّها لِدَةُ الجَنَّاتِ تُرْبَتُها *** مِسْكِيَّةٌ وحَصاها جَوهرِيّاتُ
إِلاّ تَكُن فِي رُباهَا روضةٌ أُنُفٌ *** فإِنَّما أوجهُ الأحباب روْضَاتُ
أوْ لا يَكُنْ نَهَرٌ عذبٌ يسيلُ بها *** فإِنَّ أنهارَها أَيْدٍ كريماتُ
أَرضٌ أَريضة أَقطارٍ مباركةٍ *** للّه فيها براهينٌ وآياتُ
حاشا البقاع الثلاثَ الطّيّبات وقلْ *** خيرُ البقاع تصدّقكَ الشّهادات
كم من وليّ بها لله مرتقِب *** حياته كلّها نسك وإخْبات
وكم إمام هدًى في مُرْتقى ملك *** قد توّجته المعالي والمهابات
أقلامه أمَنٌ في كلّ واقعة *** من العمى، والفتاوى والقراءات

وعلى كثبانها كان ركب الأشراف الذين أسعدوا الشيخ سيدي محمد في طلاب العلم وبذله فأنشد لحظة شكر لربه وعرفنا بالتحليل من نعم ربه.
‎‫وَكَمْ سَامَرْتُ سُمَّارًا فُتُوًّا...إِلَى الْمَجْدِ انتَمَوْا مِن مَّحْتِدَيْنِ‬
‎‫حَوَوْا أَدَبًا عَلَى حَسَبٍ فَدَاسُوا...أَدِيمَ الْفَرْقَدَيْنِ بأَخْمصَيْنِ‬
‎‫أُذَاكِرُ جَمْعَهُمْ وَيُذَاكِرُونِي... بِكُلِّ تَخَالُفٍ فِي مَذْهَبَيْنِ‬
‎‫كَخُلْفِ اللَّيْثِ وَالنُّعْمَانِ طَوْرًا...وَخُلْفِ الْأَشْعَرِيِّ مَعَ الْجُوَيْنِي‬
‎‫وَأَوْرَادِ الْجُنَيْدِ وَفِرْقَتَيْهِ...إِذَا وَرَدُوا شَرَابَ الْمَشْرَبَيْنِ‬
‎‫وَأَقْوَالِ الْخَلِيلِ وَسِيبَوِيهٍ...وَأَهْلَيْ كُوفَةٍ وَالْأَخْفَشَيْنِ‬
‎‫نُوَضِّحُ حَيْثُ تَلْتَبِسُ الْمَعَانِي...دَقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ‬
‎‫وَأطْوَارًا نَمِيلُ لِذِكْرِ دَارَا...وَكِسْرَى الْفَارِسِيِّ وَذِي رُعَيْنِ‬
‎‫وَنَحْوَ السِّتَّةِ الشُّعَرَاءِ نَنْحُو ...وَنَحْوَ مُهَلْهلٍ وَمُرَقَّشَيْنِ‬
‎‫وَشِعْرَ الْأَعْمَيَيْنِ إِذَا أرَدْنَا...وَإِن شِئْنَا فَشِعْرَ الْأَعْشَيَيْنِ‬
‎‫وَنَذْهَبُ تَارَةً لِأَبِي نوَاسٍ...وَنَذْهَبُ تَارَةً لِابْنِ الْحُسَيْنِ‬
والى ذلك الحي يرحل مالك زمانه وابن مالكه يحظيه بن عبد الودود في رحلة حبست لها الدنيا انفاسها ووجم لها رُحّل البدو ينتظرون لقاء القمة وما وراء أكمة الركب المغذ نحو من من ينحه يظفر بنيل مؤمّل ومروم

على الأنقاء المترعة بالقرى والإقراء يتم اللقاء يتم بين يحظيه بن عبد الودود والشيخ سيدي باب فيأمر يحظيه شاعره فيلقي من الشعر ما يناسب المقام (يحلب بكلتا يديه )من  وابل هطال بحسان القوافي وجميل المعاني وبديع الوصف

ألا يا خير من حملت إليه == أراحلها المراحل والرحال
مقامك في العلى عز ارتقاء == ألا فلتقن راحتها الرجال

وتصدق نبوءة الشاعر بمستقبل التطاول من حاشية متزلفة يقصر نعيق أهلها عن أخمُص باب ويلفت انتباه الشيخ وتابعيه باحسان الى أن لا يطمع في مجاراة خيوله الحسان فترك سباق المصالح مخافة المسغبة أولى
فما تجد البغال إذا تباري == جيادا في ميادنها البغال
ثم يعتذر للشيخ ويلفت انتباهه الى مامن الله به عليه من سير حثيث على خطى آبائه المنعمين يُحي ما اندرس من خلاهم العلمية وشمائلهم في الإنفاق ورعايتهم للبرية
نشأت مسودا لا غرو طفلا == فشأنكم السيادة والخصال
تجدد كل مكرمة نمتها == لك الأجداد ليس لها منال
إلى أن صرت فوق ذرى المعالي == بأخمصك السهى تطأ النعال
ذلك ما أهله عبر معاناة الإصلاح ومكابدة احوال الناس لإمارة التدبير فجلب للأمة مصالح ودفع عنها بلايا وعبر بها مفازة التمزق وسطو الفجار
وصار الخلق ذالكم عيال == يلوذ بكم عن آخره العيال
فذاك لما هو يشتكيه == يلوذ بكم وذاك بما ينال
تعودك الجميع لما يرجي == فلم يخب النزول والارتحال
بطبيعة الحال فان المرابط أباه لم يكن ينعت باب إلا بإمامة المتقين وأهل الجد من الخيرين فهم وحدهم المجمعون على إمامة باب في الدين وقيمه العلوية ومعرفة حدوده أما أصحاب العوز القيمي فلهم فمعرفتهم بأشكالهم تجعلهم يجهلون غير التي عليها يقعون
ولم يك في الأنام إمام عدل == سواك على إمامته اتكال
ثم خاف الشاعر من نفاد القافية قبل جمع بقية شمائله الوفيرة فصب ما وسعت بقية القصيدة من خلال ومكرمات
ألا أنت الإمام إمام عدل == يماز من الحرام به الحلال
ألا أنت الإمام إمام عدل==يقدمه اجتناب وامتثال
ألا أنت الإمام إمام عدل == يقدمه المقال أو الفعال
ألا أنت الإمام لنا وأنى == يقر للسوى معك احتمال
ملاذ الناس إن عظم الدواهي == وغيث إن تتايعت المحال
وأبلغهم وأحسنهم مقالا == وأصفحهم وحق لك المقال
عند ما سمعت التطاول على الشيخ الإمام المجدد باب تذكرت قول الشاعر

إذا عير الطائي بالبخل مادر
وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة
وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن دهرك هازل
إن النيل من الشيخ سيدي باب الذي هو أحد معالم موريتانيا العزيزية يعتبر نيلا من الشعب عامة ومن إعلامه وعلمائه وشعره وشعرائه ولم يكن التطاول على تلك المقامات المبجلة ليتم إلا في ظل إمارة وسوق تزلف يجلب فيه لرأس النظام مايروج فيه كما كان يقول رجاء بن حيوة
لست في وارد الدفاع عن علم الاصلاح المتقدم على زمانه الشيخ سيدي باب فذلك ما يقصر عنه جهدي ويبعد منه مقامي فالشيخ يشهد له الدين والوحي قرآنا وسنة وتشهد له سيرة حَفرت جهوده الإصلاحية في التاريخ وأقامت للحق ركنا ركينا قوامه
كن للالاه نا صرا وأنكر المناكرا
إن باب ولد الشيخ سيديا من أهم رجال الاصلاح في القرن المنصرم الذين أعادوا تجديد قيم الدين وأزاحوا عن تعاليمه ركام الشبهات ودفعوا عنه مطامع أهل الشهوات ولذلك لا غرابة ان كان وهو في روضته بين يدي ربه وما زالت آثاره الإصلاحية تدير معارك مع ثقافة المستعمر وحماتها المستلبين الذين تُقض مضاجعهم عند ما تعلن الامة الموريتانية كل صباح في ساحات المدارس وامام نياشين الملوك كن للاله ناصرا ....سيظل باب أهم العلماء المجددين في التاريخ العلمي والإصلاحي في هذا البلد وهو كجده
شيخ هدى من ضل عن سنن الهدى
حتى كسى الأنوار كل أثيم
ولمنازل باب بن الشيخ سيديا في قلوب الناس منازل  أواهل لا تقوي
يجدر بكل من له حدب على الثوابت ان يدرك سر التطاول على الشيخ ويدفع بقدر استطاعته عن جهوده الإصلاحية وآثاره القيمة وعند الله تجتمع الخصوم .

30. يوليو 2017 - 0:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا